ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى ابن قصيّ، من قريش، وأمه هند بنت أبي كثير بن عبد بن قصي، حكيم جاهلي، اعتزل الأوثان قبل الإسلام، وامتنع عن أكل ذبائحها، وتنصر وقرأ كتب الأديان، وطلب العلم، أدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة، وهو ابن عم السيدة خديجة أم المؤمنين.

وفي حديث ابتداء الوحي بغار حراء، أن النبيلى الله عليه وسلم رجع إلى خديجة، وفؤاده يرتجف، فأخبرها، فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل «وكان شيخاً كبيراً قد عمي» فأخبرته بما رأى فبشرها وأنه سيكون نبي هذه الأمة وأنه سيؤذى ويُكذب وقال: «هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جـذع! ليتني أكـون حياً إذ يخرجـك قومك؛ فقال رسول الله: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني لأنصرن الله نصراً يعلمه».

ذكر ابن إسحاق في السيرة النبوية أن ورقة بن نوفل ومعه نفر من قريش وهم: عثمان بن الحويرث وعبيد الله بن جحش، وزيد بن عمرو بن نفيل، قد حضروا قريشاً عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض وقالوا: «والله ما قومكم على شيء لقد أخطؤوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نُطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء»، فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم، أما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً من أهل الكتاب.

ويقال: إن لورقة شعراً سلك فيه مسلك الحكماء، ومنه:

يا للرِّجالِ لصرف الدَّهرِ والقدرِ وما لشيءٍ قضاهُ اللهُ من غيرِ

حتَّى خديجةُ تدعوني لأخبرَها وما لها بخفيِّ الغيبِ منْ خبرِ

فخبَّرتْني بأمرٍ قد سمعْتُ بهِ فيما مضى من قديمِ الدَّهرِ والعصرِ

بأنَّ أحمدَ يأتيهِ فيخبرُهُ جبريلُ أنَّكَ مبعوثٌ إلى البشرِ

ومنه أيضاً:

لججْتُ وكنتُ في الذِّكرى لجوجاً لهَمٍّ طالما بعثَ النَّشيجا

بما خبَّرَتْنا من قولِ قسٍّ من الرُّهبان أكرهُ أنْ يعوجا

بأنَّ محمداً سيسودُ قوماً ويخصمُ مَنْ يكونُ لهُ حجيجا

فيا ليتي إذا ما كان ذاكُم شهدْتُ فكنْتُ أوَّلَهم ولوجا

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة فيما بلغنا، فقال: «لقد رأيته في المنام عليه ثياب بياض، وقد أظن أنه لو كان من أهل النار لم أرَ عليه البياض».

وعن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ورقة فقال: «يبعث يوم القيامة أمة واحدة».

وفي وفاته روايتان: إحداهما الراجحة، فقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة: قال : «ثم لم ينشب ورقة أن توفي» يعني بعد بدء الوحي بقليل، والثانية عن عروة بن الزبير، قال في خبر تعذيب بلال: «كانوا يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك، فيقول أحد، أحد، فيمر به ورقة وهو على تلك الحال، فيقول: «أحد، أحد، يا بلال». وهذا يعني أنه أدرك بلالاً، وأنه مات مسلماً ومدح النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يَعفو ويصفحُ لا يجزي بسيِّئةٍ ويكظمُ الغيظَ عندَ الشَّتمِ والغضبِ

مات ورقة بن نوفل ولا عقب له.



مراجع للاستزادة:

ـ الذهبي، تاريخ الإسلام (دار الكتاب العربي، دمشق 1992).

ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف، مصر 1970).

ـ ابن كثير، البداية والنهاية (دار الفجر للتراث، القاهرة 2003).

ـ ابن هشام، السيرة النبوية (دار الجيل، بيروت 1975).