لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، استعصى فهم الأمر على كثير من المسلمين حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل سيفه وقال: “من قال إن محمدا قد مات ضربت عنقه”. فصعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه المنبر وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران: 144. ثم قال قولته الشهيرة: “أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت” فعندما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الآية وكان يحفظها قبل ذلك قال: “كأني ما قرأت هذه الآية إلا هذه المرة. أي أنها غابت عنه ولم يستحضرها في هذا الموقف، ولو أنه استحضرها لاطمأن قلبه، وهدأ روعه، ولما وصل به الأمر إلى ما وصل إليه.

 

ونحن في زماننا هذا كم نحتاج إلى قول عمر ذاك “كأني ما قرأت هذه الآية إلا هذه المرة”، وكم نحتاج لاستحضار آيات ربانية فنجعلها نصب أعيننا في مواقف الحياة المختلفة، ونتخذها منهجا في التعامل مع الشدائد والمحن والكربات والمصائب، لنخفف من شدة وقعها، ونطفئ لهيبها، ونرطب حرارتها، ونضع لها لجاما حتى لا تقودنا لما هو أسوأ وأفظع.

ترى كثيرا من الرجال تضيق عليهن زوجاتهن، فلا طاعة ولا احترام ولا مراعاة للظروف المادية، لسان حاد، ومطالب لا تنتهي، فتجد بيت الزوجية عبارة عن كومة مشاكل وأحزان، خصومات يومية، وتراشق بالألسن، بل وحتى بالأيدي. حياة منغصة، ونفوس ساخطة لاعنة كل ما كان سببا في هذا الزواج. وضع يجعل الرجل لا يرى في زوجته إلا عدوا سلط عليه لينغص حياته، ويقوده نحو الهلاك، مستحضر قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) التغابن، 14. ولكنه استحضار ناقص، لن يصلح شيئا، وإنما سيزيد الطين بلة، والهوة اتساعا. وكان الأولى أن يكمل الآية: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم). استحضار هذه الآية كاملة في مثل هذه المواقف من شأنه أن يصلح كثيرا من بيوت المسلمين، فليس هناك من شيء أفضل من العفو والصفح والمغفرة لاستمرار الحياة الزوجية. ولا شك أن كثيرا منا ما قرأ هذه الآية، أو بالأحرى تتمة الآية إلا هذه المرة.

ترى كثيرا من الناس ينتابهم الخوف من أمور عديدة، خوف من العدو، من المرض، من الفقر، من خسارة العمل أو الطرد من الوظيفة، من فقد الأهل، من المستقبل. فتجدهم مترقبين قلقين شاردي الذهن، يخططون ويدبرون ويحذرون. ولو أنهم استحضروا قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) آل عمران، 173- 174. لاطمأنت قلوبهم، وزال ما بهم من خوف. فقول حسبنا الله ونعم الوكيل وصفة علاجية فعالة للخوف الذي يعتري الإنسان، لأن كل ما يخيفه هو دون قوة الله تعالى.

ومن الناس من يتعرض للمكر والخداع، كيف لا وقد تعرض له المرسلون، فيحتار في سبل مواجهة هذا المكر، ويعجز عن رده، ويستسلم للأمر الواقع ناسيا قوله تعالى على لسان الذي آمن من بني إسرائيل: (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) غافر، 44 – 45. فتفويض الأمر لله تعالى سلاح لا يقهر أمام المكر والخداع، فمهما بلغ حجم هذا المكر، وكيفما كانت الجهة المدبرة له، ومهما بلغت قوتها، فإن كل ذلك يهون ويصغر أمام عظمة الله تعالى، فما على الإنسان إلا ان يفوض أمره إليه.

ثم ها هي المصائب تنهال على الإنسان من حين لآخر، تضيق به الحياة حتى لا يرى فيها إلا السواد. وينسى قوله تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة 155 – 157.

يتكلم فيك الناس بسوء ويغتابونك ويلمزونك، فتتحسر لذلك وتحزن وتنسى قوله تعالى: (فلا يحزنك قولهم) يس، 76.

تضيق بك الحياة، فتقنط وتيأس من الفرج، وتنسى قوله تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله) يوسف، 87.

تفكر في ارتكاب المحرمات، وتلبية رغبات النفس، فتخلو لوحدك مبتعدا عن الأنظار حتى لا يراك أحد، وتنسى قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم والله بما تملون بصير) سورة الحديد، 4.

وغير ذلك كثير من آيات رب العالمين التي إذا أقبل عليها الإنسان، وكله ثقة في الله تعالى لوجد فيها بلسما وشفاء لكل ما يعتريه، وحلا لكل ما يستشكل عليه. وإذا كان هذا الأمر متعلق ببعض الآيات التي تتناسب مع ما يقع للإنسان من أحداث في حياته، فإنه متعلق بالقرآن الكريم جملة إذا نظر إلى مجمل حياة الإنسان، فالقرآن الكريم منهج حياة لكل إنسان، فما من حدث يقع له، أو مشكل يقع فيه، أو ظرف يمر به، إلا وفي لقرآن الكريم جواب له.