الإمام الشافعي هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، مؤلف كتاب “الرسالة” أول كتاب في علم أصول الفقه، وهو العالم الذي مزج في فقهه بين طريقة أهل العراق والحجاز. وهو أيضا إمام في علم التفسير وعلم الحديث، كما عمل قاضيا وعرف بالعدل والذكاء.

بعد أكثر من 1200 عام على وفاته لا يزال الشافعي حاضرا في قلوب المسلمين، الذين يجدون أنفسهم منساقين إلى تذكر أئمة العلم وأهل الصلاح والعبادة، ودراسة سيرتهم ومسيرتهم في تقريب الخلق إلى الحق وحفظ أصول الدين والدعوة إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن هؤلاء الأعلام الذين أناروا طريق الهداية وخدموا علوم الدين بكل ما أوتوا من نية صالحة وموهبة فذة، الإمام الشافعى.

اقترن اسم هذا العالم الجليل بـ “الإمام”، وتقلَّد “قاضي الشريعة” دون أن يكون على منصة القضاء، حاضرا في قلوب المسلمين ودينهم رغم وفاته قبل 1199 عام، وولد في غزة، ودفن في مصر، التي تشهد حاليا ترميم ضريحه الشهير، وسط القاهرة.

الإمام الشافعي هو أحد أبرز أئمة أهل السنة والجماعة في التاريخ الإسلامي، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي. ويجمع أهل السنة والجماعة في الإسلام على أربعة مذاهب (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي)، وجميعهم متفقون على الأصول الفقهية لكنهم مختلفون في بعض المسائل والفروع التي كونت نشأتها. والإمام الشافعي ثالث الأئمة الأربعة بعد أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس، وكان تلميذًا للإمام مالك وشيخًا للإمام أحمد بن حنبل، رابع الأئمة.

مولده ونسبه ونشأته

ولد الإمام الشافعي في شهر رجب عام 150 هجرية (أغسطس/ آب 767 ميلادية)، واتفق مؤرخو الفقهاء على أنه ولد بمدينة غزة بفلسطين، بينما توفي في مصر في آخر يوم من شهر رجب عام 204 هـ الموافق لـ 20 يناير/ كانون الثاني 820 م.

يعود نسب “الشافعي” إلى أجداد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قيل عنه إنه “ابن عم النبي”، و”إمام قريش (قبيلة في مكة ينسب إليها النبي محمد) الذي ذكره النبي بقوله: عالم قريش يملأ الأرض علمًا.

عاش الشافعي عيشة اليتامى الفقراء، وحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره، وحفظ الموطأ في العاشرة، وأُذن له بالإفتاء ولم يبلغ العشرين من عمره. بدأ ذكاؤه الشديد في سرعة حفظه له، ثم اتجه بعد حفظه القرآن الكريم إلى حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كلفا بها، حريصا على جمعها، ويستمع إلى المحدثين فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أحيانا، وعلى الجلود أخرى، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها.

هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي).

ثم عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريبًا، وأخذ يُلقى دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ.

وفى مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم.

فقه الشافعي

الشافعية أو المذهب الشافعي أو الفقه الشافعي اشتهر هذا المصطلح منذ البدايات المبكرة لنشوء المدارس الفقهية السنية المختلفة، لكنه بالتأكيد ظهر في حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204 هـ) الذي ينسب إليه المذهب الشافعي.

ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرق الاستدلال على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي بشكل عام، لكن ليس بالضرورة أن تتوافق آراء المذهب الشافعي مع آراء الإمام الشافعي نفسه، بل قد يكون المذهب استقر على ورجّح خلاف ما رجحه الشافعي، لكن الأصول وطرائق الاستدلال واحدة.

ومما يُذكر أن الإمام الشافعي يُعد أول من دوّن كتاباً متكاملاً في العلم المعروف بأصول الفقه وذلك في كتابه الشهير الرسالة، كما دوّن كتباً أخرى منها: (الحجة) وهو الكتاب الفقهي الذي دوّنه أولاً في العراق ثم أعاد تأليفه وغير مذهبه في بضع عشرة مسألة فقهية فيه عندما سكن القاهرة وسمى الكتاب (الأم).

بعد مكوثه في بغداد، عاصمة الدولة الإسلامية وقتها، انتقل الشافعي مجددا إلى مكة ليمزج بين “فقه أهل الحديث (الحافظين الملتزمين بأقوال النبي)، ” و”فقه أهل الرأي (أصحاب الرأي والقياس)”، ليبدأ فقه ثالث الأئمة في النضوج.

وخلال إقامته في مكة، بدأ الشافعي في وضع أسس الفقه الشافعي القائم على المزج بين أحكام السنة والقرآن الكريم والاجتهاد في المسائل والأحكام الدينية قياسًا ما لم تكن في القرآن ولا السنة. ولاحقًا، سافر الشافعي إلى بغداد للمرة الثانية، حاملاً قواعد فقهية كلية، فكان قبلة للفقهاء والعلماء في زمانه، وخلال إقامته هناك أعد النسخة الأولى خلاصة فقهه “كتاب الرسالة”.

والكتاب يضع الضوابط التي يلتزم بها الفقيه أو المجتهد لبيان الأحكام الشرعية لكل حديث ومستحدث في كل عصر، ولما أقام بمصر أعاد الإمام تنقيح الكتاب.

قدم الإمام الشافعي إلى مصر سنة 815 ميلادية ومات فيها في 20 يناير 820 ميلادية. وفي مصر عرف بالحكمة والبلاغة والشعر، فاقترون اسمه بـ”الإمام” وأسماه فقراؤها “قاضي الشريعة” وأحبوه وظلوا متعلقين بمقامه وضريحه (وسط القاهرة) إلى يومنا هذا، والذي يعد واحدًا من أكبر الأضرحة الإسلامية بالبلاد.

وبمصر، تجسدت أمام عينيه فكرة أن الشرع يدور حيث تكون مصالح الناس، وبمسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، جلس مفتيًا مهتمًا باختلاف الناس، فقام بتعديل وتغيير بعض آرائه، فقال عنه الإمام أحمد بن حنبل، رابع الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الحنبلي: “خذوا عن أستاذنا الشافعي ما كتبه في مصر.

مذهب الشافعي

تعد مصر الموطن الأول للمذهب الإمام الشافعي، ورغم فقدانه صفته الرسمية بالبلاد لصالح المذهب “الحنبلي”، إلا أنه باق بجانب المذهب المالكي في العديد من قرى مصر، ولا يزال يدرس في الجامع الأزهر. كما ينتشر المذهب الشافعي في كثير من دول العالم وإن كان أغلبها لا يقره رسميًا في القضاء والأحكام.

اجتهد الشافعي بمكة، ودرس أهلُ العراق مذهبه، ولكن العلماء في ذلك الوقت لم يكونوا قد سلكوا الطريق المذهبي في دراستهم، بل كان كل عالم يجتهد فيما يعرض له من المسائل اجتهاداً حراً، وقد يستعين بدراسة غيره، ليستن لنفسه طريقاً، وليكون له رأياً من غير أن يتقيد بطريق من استعان به، ولا برأيه، ولم يكن ثمة تقليد إلا تقليد العامة لمن يستفتونهم من العلماء، لذلك لم تصبح هذه البلاد شافعية باجتهاد الشافعي فيها، أو دراسته لأهلها.

ولما أخذت ريح التقليد تهب بعد أن اختار المجتهدون أو بعضُهم طريقة بعض الأئمة في الاجتهاد، ثم صار أهل الإقليم يقلدون إماماً، ويختارون مذهبه، كان المذهب الشافعي قد استقر في مصر، واستقام أهلها على طريقته، إذ شُغل الناسُ بدراسته عن المذهب المالكي الذي كان غالباً، والمذهب الحنفي الذي كان معروفاً، لذلك كانت مصرُ المكانَ الذي صدر عنه المذهب الشافعي. وقد جاء في طبقات ابن السبكي عن مصر والشام بالنسبة للمذهب الشافعي: هذان الإقليمان مركز ملك الشافعية منذ ظهر مذهب الشافعية، اليد العالية لأصحابه في هذه البلاد، لا يكون القضاء والخطابة في غيرهم.

انتشر المذهب الشافعي بعد مقامه في مصر والسودان، فظهر في العراق، وكثر أتباعه في بغداد، وانتشر بين أهل الشام، وغلب على كثير من بلاد خراسان وتوران واليمن، ودخل ما وراء النهر، وبلاد فارس والحجاز وتهامة، وزاد انتشاره في كردستان وأرمينية والقوقاز وتركستان الشرقية وبعض بلاد جنوب شرق آسيا والهند، وتسرب إلى بعض شمال وشرق أفريقيا، والأندلس بعد سنة 300 هـ.

مؤلفات الشافعي

للإمام الشافعي عشرات الكتب في أصول الفقه، ويعد كتاب “الرسالة” الأول في أصول الحديث، كما ألف كتابًا دافع فيه عن السنة النبوي أسماه “جماع العلم”، كما كتب في أصول الإسلام كالصلاة والزكاة والحج، بجانب فروعه كالطهارة والنكاح والطلاق وغيرها.

وبجانب علومه الشرعية والإسلامية، كان له ديوان شعر، يتناول الحكمة والاستغفار، ومن أبرز أقواله وحكمه: “نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا”، و”تموت الأسد في الغابات جوعًا، ولحم الضأن تأكله الكلاب”.. “وعبد قد ينام على حرير، وذو نسب مفارشه التراب“.

وهذه الكتب التي تجمع أصول الفقه وتدل على الفروع:

  • كتاب الرسالة القديمة (كتبه في بغداد)
  • كتاب الرسالة الجديدة (كتبه في مصر)
  • كتاب اختلاف الحديث
  • كتاب جمَّاع العلم
  • كتاب إبطال الاستحسان
  • كتاب أحكام القرآن
  • كتاب بيان فرض الله عز وجل
  • كتاب صفة الأمر والنهي
  • كتاب اختلاف مالك والشافعي
  • كتاب اختلاف العراقيين
  • كتاب الرد على محمد بن الحسن
  • كتاب علي وعبد الله
  • كتاب فضائل قريش

وهناك كتب مصنفة في الفروع، وقد جمعت كلها في كتاب واحد اسمه كتاب الأم. وله كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء والظهار واللعان والنفقات، أملاها على أصحابه، ورواها عنه الربيع بن سليمان المرادي.

ديوان الشافعي

كان الشافعي أديباً وشاعراً فصيحاً بالإضافة إلى معرفته للعلوم الشرعية الإسلامية، فقد ارتحل الشافعي إلى البادية في صغره، ولازم قبيلة هذيل التي كانت أفصح العرب وتعلَّمَ كلامها، وقد بلغ علمه في اللغة العربية أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: “صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس.

ويتميز شعرُ الشافعي أنه لم يكن يَقصد منه التكسُّبَ أو التقربَ إلى أصحاب المال والجاه والسلطان، بل كان شعرُه في أغلبه يتناول الحكمة ومناجاة الخالق، والدعاء والاستغفار والتندم على المعاصي. ولذلك انتشر شعره بين الناس، ولا يزال شعره متداولاً حتى الآن، وصارت بعض أبياته أمثالاً يتداولها الناس في حياتهم اليومية.

ومن قصائده المشهورة:

إذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى ***   ودينك موفورٌ وعرضك صينُ

لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ   ***    فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ

وعينُك إن أبدت إليك مَعايباً       ***      فصُنْها وقلْ يا عينُ للناس أعينُ

وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى *** ودافعْ ولكنْ بالتي هي أحسنُ

وللشافعي أشعار كثيرة في مواضيع كثيرة منها:

كُلُّ العُلُومِ سِوَى القُرآنِ مَشْغَلَةٌ     ***       إِلَّا الحَديِثَ وَعِلْمَ الفِقْهِ فِي الدِّينِ

العِلْمُ مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا          ***        وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ

علم وأخلاق وصفات الشافعي

شغل الشافعي الناسَ بعلمه وعقله، شغلهم في بغداد وقد نازل أهل الرأي، وشغلهم في مكة وقد ابتدأ يَخرج عليهم بفقه جديد يتجه إلى الكليات بدل الجزئيات، والأصول بدل الفروع، وشغلهم في بغداد وقد أخذ يدرس خلافات الفقهاء وخلافات بعض الصحابة على أصوله التي اهتدى إليها.

فقد أوتي الشافعي علم اللغة العربية، وأوتي علم الكتاب، ففَقِهَ معانيه، وطبَّ أسراره ومراميه، وقد ألقى شيئاً من ذلك في دروسه، قال بعض تلاميذه: «كان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنه شاهد التنزيل»، وأوتي علم الحديث، فحفظ موطأ مالك، وضبط قواعد السُّنَّة، وفهم مراميها والاستشهاد بها، ومعرفة الناسخ والمنسوخ منها، وأوتي فقه الرأي والقياس، ووضع ضوابط القياس والموازين، لمعرفة صحيحه وسقيمه، وكان يدعو إلى طلب العلوم، فقد كان يقول: «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه».

كان الشافعي رحمَه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار.

وكان الشافعي متواضعاً مع كثرة علمه وتنوعه، ومما يدل على ذلك قوله: ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي.

كما كان الشافعي معروفاً بالكرم والسخاء، ومن ذلك ما قاله الربيع بن سليمان: تزوجت، فسألني الشافعي: “كم أصدقتها؟”، فقلت: “ثلاثين ديناراً”، فقال: “كم أعطيتها؟”، قلت: “ستة دنانير”، فصعد داره، وأرسل إلي بصرَّة فيها أربعة وعشرون ديناراً.

وكان الشافعي ورعاً كثير العبادة، فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة. وقال الحسين بن علي الكرابيسي: “بتُّ مع الشافعي ثمانين ليلة، كان يصلي نحو ثلث الليل، لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوّذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين، وكأنما جُمع له الرجاءُ والرهبةُ”.

وكان الشافعي يدعو إلى طلب العلم فيقول: “من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبُل قدره، ومن نظر في اللغة رَقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.

شيوخ الشافعي

تلقى الشافعي الفقه والحديث على شيوخ قد تباعدت أماكنهم، وتخالفت مناهجهم، حتى لقد كان بعضهم معتزلياً ممن كانوا يشتغلون بعلم الكلام الذي كان الشافعي ينهى عنه، ولقد نال منهم ما رآه خيراً، فأخذ ما يراه واجبَ الأخذ، وترك ما يراه واجبَ الرد. لقد أخذ الشافعي عن شيوخ بمكة وشيوخ بالمدينة وشيوخ باليمن وشيوخ بالعراق، ومشايخُه الذين روى عنهم كثيرون، أما المشهورون منهم والذين كانوا من أهل الفقه والفتوى فهم عشرون، خمسة مكية، وستة مدنية، وأربعة يمانية، وخمسة عراقية.

أما الذين من أهل مكة فهم:

  1. سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي.
  2. مسلم بن خالد بن فروة الزنجي.
  3. سعيد بن سالم القداح.
  4. داود بن عبد الرحمن العطار.
  5. عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.

وأما الذين من أهل المدينة فهم:

  1. مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني.
  2. إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.
  3. عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي.
  4. إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي.
  5. محمد بن أبي سعيد بن أبي فُدَيْك.
  6. عبد الله بن نافع الصائغ.

وأما الذين من أهل اليمن فهم:

  1. مُطَرَّف بن مازن الصنعاني.
  2. هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء.
  3. عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو صاحب الأوزاعي.
  4. يحيى بن حسان بن حيان التنيسي البكري، وهو صاحب الليث بن سعد.

وأما الذين من أهل العراق فهم:

  1. محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الحنفي.
  2. وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي.
  3. حماد بن أسامة بن زيد، أبو أسامة الكوفي.
  4. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري.
  5. عبد الوهّاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري.

ومن هذا السياق يُستفاد أن الشافعي قد تلقى العلم على عدد من الشيوخ أصحابِ المذاهب والنزعات المختلفة، وبذلك يكون قد تلقى فقهَ أكثرِ المذاهب التي قامت في عصره، فتلقى فقه الإمام مالك عليه، وكان هو الأستاذ في شيوخه، وتلقى فقه الأوزاعي عن صاحبه عمرو بن أبي سلمة، وتلقى فقه الليث بن سعد فقيه مصر عن صاحبه يحيى بن حسان، ثم تلقى فقه أبي حنيفة وأصحابه على محمد بن الحسن الشيباني. وهكذا اجتمع له فقه مكة والمدينة والشام ومصر والعراق، ولم يجد حرجاً في أن يطلب الفقه عند من اشتهر بالاعتزال وعُرف أنه لا يَسلُكُ في طلب أصول الاعتقاد مسلك أهل الحديث والفقه، وإن رحلاتِه العلميةَ جعلته لا يقتصر في دراسته على فقهاء أهل السنة والجماعة الذين دخلوا في طاعة الخلفاء، بل كان يدرس آراء الشيعة وغيرِهم، ويظهر أثر ذلك في ثنائه على بعض علمائهم.

تلاميذ الشافعي والرواة عنه

أما تلامذته، فقد تلقى كثيرٌ من طلاب العلم والمتفقِّهين العلمَ على الإمام الشافعي، كما روى عنه أناسٌ كثيرون منهم:

  1. إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي البغدادي.
  2. أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي وهو أحد الأئمة الأربعة.
  3. إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق، أبو إبراهيم المزني المصري، قال فيه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي».
  4. الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي، أحد مشايخ الصوفية.
  5. الحارث بن سريج البغدادي أبو عمرو النقال.
  6. حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أبو حفص المصري.
  7. الحسن بن محمد بن الصباح أبو علي البغدادي الزعفراني.
  8. الحسين بن علي بن يزيد أبو علي البغدادي الكرابيسي.
  9. الربيع بن سليمان بن داود الجيزي أبو محمد الأزدي.
  10. الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، قال فيه الشافعي: “الربيع راويتي”، وقيل أنه آخر من روى عن الشافعي بمصر.

من أقوال وحكم الشافعي

من أشهر أقوال وحكم الشافعي، وتعتبر من كنوز المقولات والعبر، ما يلي:

هذه هي الدنيا

تموت الأسد في الغابات جوعًا *** ولحم الضأن تأكله الكــلاب

وعبد قد ينام على حريـــر*** وذو نسب مفارشه التــراب

دعوة إلى التنقل والترحال

ما في المقام لذي عـقـل وذي أدب … من راحة فدع الأوطان واغتـرب

سافر تجد عوضًـا عمن تفارقــه … وانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب

إني رأيت ركـود الـماء يفســده … إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

آداب التعلم

اصبر على مـر الجفـا من معلم … فإن رسوب العلم في نفراته

ومن لم يذق مر التعلم ساعــة … تجرع ذل الجهل طول حياته

ومن فاته التعليم وقت شبابــه … فكبر عليه أربعا لوفاتــه

وذات الفتى والله بالعلم والتقى … إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

متى يكون السكوت من ذهب؟

إذا نطق السفيه فلا تجبه … فخير من إجابته السكوت

فإن كلمته فـرّجت عنـه … وإن خليته كـمدا يمـوت

لا تيأسن من لطف ربك

إن كنت تغدو في الذنـوب جليـدا … وتخاف في يوم المعاد وعيـدا

فلقـد أتاك من المهيمـن عـفـوه … وأفاض من نعم عليك مزيـدا

لا تيأسن من لطف ربك في الحشا … في بطن أمك مضغة ووليـدا

لو شــاء أن تصلى جهنم خالـدا … ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيــدا

الصديق الصدوق

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا … فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة … وفي القلب صبر للحبيب وإن جفا

فما كل من تهواه يهواك قلبه … ولا كل من صافيته لك قد صفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة … فلا خير في ود يجيء تكلفا

ولا خير في خل يخون خليله … ويلقاه من بعد المودة بالجفا

التوكل على الله

توكلت في رزقي على الله خـالقي … وأيقنـت أن الله لا شك رازقي

وما يك من رزقي فليـس يفوتني … ولو كان في قاع البحار العوامق

سيأتي بـه الله العظـيم بفضلـه … ولو، لم يكن من اللسـان بناطق

ففي اي شيء تذهب النفس حسرة … وقد قسم الرحـمن رزق الخلائق

لمن نعطي رأينا

ولا تعطين الرأي من لا يريده … فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه

كتمان الأسرار

إذا المـرء أفشـى سـره بلسانـه   ***  ولام عليـه غيـره فهـو أحمـق

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه  ***  فصدر الذي يستودع السر أضيـق

الإعراض عن الجاهل

أعرض عن الجاهل السفيه  ***  فكل مـا قـال فهـو فيـه

ما ضر بحر الفرات يومـاً    ***  إن خاض بعض الكلاب فيه

السكوت سلامة

قالوا اسكت وقد خوصمت قلت لهم     ***      إن الجـواب لبـاب الشـر مفتـاح

والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرف    ***     وفيه أيضاً لصون العرض إصـلاح

أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ؟    ***       والكلب يخسى لعمري وهـو نبـاح

مناجياً رب العالمين

قلبي برحمتك اللهم ذو أنس ….. في السر والجهر والإصباح والغلس

ما تقلبت من نومي وفي سنتي ….. إلا وذكرك بين النفس والنفس

لقد مننت على قلبي بمعرفة ….. بأنك الله ذو الآلاء والقدس

وقد أتيت ذنوبا أنت تعلمها ….. ولم تكن فاضحي فيها بفعل مسي

فامنن علي بذكر الصالحين ولا ….. تجعل علي إذا في الدين من لبس

وكن معي طول دنياي وآخرتي ….. ويوم حشري بما أنزلت في عبس

الدعاء

أتهزأ بالدعــاء وتزدريــه *** وما تدري بما صنع القضــاء

سهــام الليل لا تخطــي *** لها أمد، وللأمــد، انقضـاء

العيب فينا

نعيب زماننا والعيب فينا … وما لزمانا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب … ولو نطق الزمان لنا هجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب … ويأكل بعضنا بعضا عيانا

ثناء العلماء على الإمام الشافعي

روى الخطيب بسنده إلى إسحاق بن راهويه قال: أخذ أحمد بن حنبل بيدي وقال: تعال حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب به إلى الشافعي.فالإمام الشافعي يعتبر شيخ الإمام أحمد.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: يا أبت أي شيء كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال: يا بني الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، انظر هل لهذين من خلف أو منهما عوض؟ وعن أيوب بن سويد قال: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.

وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ركب الشافعي حماره فجعل أبي يمشي والشافعي راكب وهو يذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي في ذلك؛ فبعث إليه الإمام أحمد فقال: إنك لو كنت في الجانب الآخر من الحمار كان خيراً لك.

وعن سويد بن سعيد قال: كنا عند سفيان بن عيينة فجاء محمد بن إدريس فجلس، فروى ابن عيينة حديثاً رقيقاً فغشي على الشافعي فقيل: يا أبا محمد مات محمد بن إدريس، فقال ابن عيينة: إن كان قد مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.

قال الرازي رحمه الله: إن ثناء العلماء على الإمام الشافعي أكثر من أن يحيط به الحصر، ونحن نذكر السبب في محبتهم له وثنائهم عليه، فنقول: الناس كلهم كانوا قبل زمان الشافعي فريقين: أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، أما أصحاب الحديث فكانوا حافظين لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا عاجزين عن النظر والجدل، وكلما أورد عليهم أصحاب الرأي سؤالاً أو إشكالاً بقوا على ما في أيديهم عاجزين متحيرين.