عندما ظهرت الرسوم التوضيحية مع الكتب المطبوعة في عام 1470م بمدينة أوغسبورغ الألمانية، كانت هناك مخاوف واحتجاجات من أنها ستأخذ حيزا كبيرا من الوظائف ولكن سرعان ما  اتضح أن الطلب على أصحاب هذه المهارة قفز أعلى من ذي قبل، وكان لا بد من العمل على الرسومات التوضيحية للعدد متزايد من الكتب.

من الواضح أن هناك قلق متزايد يكتنف هذه التطورات كلما دار حديث حول التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي، ولا عجب أن هذه التكنولوجيات لديها بالفعل تأثير كبير على عالم الأعمال.

واتضح أن أحدث نوبات القلق تتعلق بظهور الذكاء الاصطناعي ، بيد أن التكنولوجيا أدت إلى زيادة خلق فرص جديدة للعمل، من الأمثلة على ذلك ازدياد عدد الأشخاص الذين يزودون الخدمات الرقمية عبر الإنترنت عن طريق ما يطلق عليه أحيانا “السحابة البشرية” نتيجة لظهور الذكاء الإصطناعي.

وفقا للبنك الدولي، فإن أكثر من 5 مليون شخص يقدمون خدماتهم عن بعد على الانترنت مثل موقعي:  FreelancerUpWork  وذلك فى ظائف تتراوح من تصميم المواقع الى كتابة المذكرات القانونية.

حققت هذه الشركات في عام 2016 حوالي 6 مليار دولار من الإيرادات، ووفقا لمحللين في مجال التوظيف، الذين يفضلون ساعات عمل أقل يمكنهم استخدام مواقع أخرى متخصصة فى هذا النوع من الأعمال وتديرها أحياناً شركات كبرى مثل أمازون.

تعتمد معظم شركات التكنولوجيا الكبرى على مصادر “الاستعانة الخارجية” حيث توفر آلاف المتخصصين في مجالات التحكم وخدمات الشركات الخاصة ومراقبة الجودة.

يقال أن جوجل لديها جيش من 10000 من “المُقَيمين” يفحصون أشرطة فيديو يوتيوب أو يختبرون خدمات جديدة من بين عدة مهام أخرى.

كما تعمل ميكروسوفت على تشغيل نظام يسمى “نظام عالمي لملاءمة الإنسان ” ( Universal Human Relevance System) والذي يعالج ملايين المهام الدقيقة كل شهر، مثل فحص نتائج خوارزميات البحث.

ومن المرجح أن ترتفع هذه الأرقام  وذلك لزيادة الطلب على مفهوم “اعتدال المحتوى”. وسيتطلب هذا الأمر قانونا جديدا في ألمانيا من وسائل الإعلام الاجتماعية وإزالة أي محتوى “غير قانوني” ،مثل إنكار المحرقة، في غضون 24 ساعة أو مواجهة غرامات كبيرة. كما أعلنت فيسبوك أنها ستزيد عدد مشرفيها عالميا، من 4500 إلى 7500 شخص.

الذكاء الاصطناعي سوف يقضي على بعض أشكال هذا العمل الرقمي ،ذلك أن البرمجيات، على سبيل المثال، صارت أفضل في نقل الصوت. ومع ذلك فإن الذكاء الاصطناعي سيخلق أيضا طلباً على أنواع أخرى من العمل الرقمي. هذه التكنولوجيا قد تستخدم الكثير من الحوسبة والرياضيات، ولكنها فى نهاية المطاف تعتمد أيضا على البيانات االمجهزة من قبل البشر. ولكي تتعرف السيارات المستقلة على علامات الطرق والمشاة، يجب تدريب الخوارزميات [1] بتغذيتها بعدد كبير من مقاطع الفيديو التي تظهر على حد سواء.

ويجب أن تكون هذه اللقطات “موسومة” يدويا، مما يعني أنه يجب وضع علامات المرور والمشاة على هذا النحو. وهذا  يتطلب توظيف عدد كبير من الأشخاص للتحقق إذا ما كان النظام يقوم بعمل جيد وإعطاء التغذية الراجعة لتحسينه.

تقول ماري جراي التي تعمل فى مجال البحث فى شركة مايكروسوفت أنه من المتوقع أن يتم إخراج البشر من دائرة الأعمال مع تحسن الخوارزميات، ولكن من غير المرجح أن يحدث هذا قريباً، قد تصبح الخوارزميات في نهاية المطاف ذكية بما فيه الكفاية للتعامل مع بعض المهام من تلقاء نفسها والتعلم من تلقاء نفسها.

المستهلكون والشركات يتوقعون خدمات ذكاء اصطناعي أكثر ذكاء من أي وقت مضى: المساعدة الرقمية مثل اليكسا ، أمازون ،مايكروسوفت، وكورتانا..سوف تضطر إلى الإجابة على أسئلة أكثر تعقيدا. وسيظل هناك حاجة إلى البشر لتدريب الخوارزميات والتعامل مع الاستثناءات.

مايكل برنشتاين وميليسا فالنتين من جامعة ستانفورد يعتقدان أن الأمور تسير أبعد من ذلك مع ارتفاع عدد الشركات المؤقتة التي تعين موظفين على الانترنت بمساعدة الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال توظيف العمال وتحديد مهامهم من أجل تصميم تطبيق ذكي يبلغ عن الإصابات من داخل سيارات الإسعاف وهي في طريقها إلى المستشفى.

العمل في مثل هذه النوعية من الشركات يمكن أن يكون ممتعا. ولكن هنالك خشية من أن السحابة البشرية ستخلق “بروليتاريا “رقمية عالمية.

وتعتقد سارة روبرتس من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أن المشرفين على المحتوى غالبا ما يعانون من الإرهاق بعد فحص محتوى الوسائط الاجتماعية المراوغة لفترات طويلة.

ويخلص مارك غراهام من جامعة أكسفورد إلى أن منصات العمل عبر الإنترنت توفر بالفعل مصادر دخل جديدة للكثيرين، لا سيما في البلدان الفقيرة، ولكن هذه الخدمات تؤدي أيضا إلى خفض الأجور. لذا يجب على الحكومات توخي الحذر عند تصميم برامج العمل الرقمية الكبيرة – كما فعلت كينيا، والى تأمل فى تدريب أكثر من 1 مليون شخص على الوظائف الإلكترونية.


[1]  هي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما