استهل الإمام ابن عاشور رحمه الله تفسيره لهذه الآيات الكريمات قوله تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، فسخرنا له الريح…} [ص: ٣٤-٣٧] بقوله: “جاءت هذه الآيات مشيرة إلى فتنة عرضت لسليمان أعقبتها إنابة ثم أعقبتها إفاضة نعم عظيمة…”.

وبعد أن عرّف الفتنة بقوله: “والفتن والفتون والفتنة: اضطراب الحال الشديد الذي يظهر به مقدار صبر وثبات من يحل به…”،
ذكر أن المفسرين اختلفوا في تعيين هذه الفتنة، وأنهم “ذكروا قصصاً هي بالخرافات أشبه، ومقام سليمان عن أمثالها أنزه”.
وبعد أن عرض مثالاً لما اعتبره “من أغرب هذه القصص” – وهي قصة إيداعه لولد له في الريح، وهي التي نسجها المعري شعراً تبعاً لأوهام الناس -،

ذكر أن أظهر أقوال المفسرين “أن تكون الآية إشارة إلى ما في صحيح البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهم إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون”.

وبين وجه تفسير الآية بهذا الحديث عند القائلين به فقال:
“قال جماعة: فذلك النصف من الإنسان هو الجسد الملقى على كرسيه جاءت به القابلة فألقته له وهو على كرسيه، فالفتنة على هذا خيبة أمله، ومخالفة ما أبلغه صاحبه. وإطلاق الجسد على ذلك المولود؛ إما لأنه وُلد ميتاً، كما هو ظاهر قوله: شق رجل، وإما لأنه كان خلقة غير معتادة فكان مجرد جسد”.

وعقّب ابن عاشور على الاستشهاد بالحديث في تفسير الآية بقوله: “وليس في كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – أن ذلك تأويل هذه الآية، ولا وضع البخاري ولا الترمذي الحديث في التفسير من كتابيهما”.
ثم قال: “وهذا تفسير بعيد… وتركيب هذه الآية على ذلك الخبر تكلّف”.

ورغم هذا الرد الجازم لهذه القصص ولتأويل الآيات بناء عليها؛ إلا أن ابن عاشور نفسه نقل بعد ذلك قصة عن وهب بن منبه وشَهْر بن حَوْشَب – وهي القصة المزعومة لزواج سليمان من ابنة ملك صيدون … -، وقال إن “هذا القول مختزل مما وقع في «سفر الملوك» الأول من كتب اليهود”، والغريب أن ابن عاشور – رحمه الله – اكتفى ببيان وجه تأويل الآية وفقاً لهذه القصة المزعومة، من غير أن يعقب عليها، مع ما فيها من أباطيل لا تليق بمقام نبي أواب منيب!!