رانيا الصوالحي مدربة وباحثة تربوية، تحرص على التجديد في كل مجال تعمل فيه.. اكتسبت منذ ما يقرب 20 عاما العديد من المهارات والمعارف في رحلة وسط خبرات متعددة متنوعة، سواء كباحثة أو كمديرة تخطيط استراتيجي وتطوير مشاريع تربوية تضمنت تطبيق برامج عالمية، والمساهمة في تأسيس مراكز تدريبية تربوية متخصصة في قطر. ومساهمتها أيضا في إنجاز عدة دراسات مثل دراسة حول “أثر نوادي القراءة في العالم العربي” شملت 18 ناديا للقراءة في الدول العربية، والتي فازت بجائزة الشيخ فيصل للعمل التربوي عام 2019بالمركز الثاني عن فئة طلبة الدراسات العليا.

 

كما تقوم بتدريب باحثين وتربويين على مهارات وبرامج  بحثية متخصصة، وتقدم دورات متخصصة في تطوير المشاريع التربوية، وساهمت في قيادة مشروع تدريب الكتروني، وهي شريك مؤسس في شركة Eduenterprise شركة غير ربحية تقدم حلولا مبتكرة في مجال التربية والتعليم وأطلقت عددا من المبادرات تحت مظلتها مثل مختبرات القيادة التربوية ومنصة رشد وكل مبادرة منهما هي الأولى من نوعها على مستوى العالم.

في هذا الحوار الذي خصت به “إسلام أون لاين” تتحدث الباحثة رانيا الصوالحي عن تجربتها التربوية في جانبيها التدريبي والأكاديمي، وعن مشروع القراءة في قطر وعن “المعلم القائد” وأمور أخرى تتعلق بنوادي القراءة وبرامج التعليم وغيرها…وفيما يلي نص الحوار:

تقومين حاليا بتحضير رسالة دكتوراه حول القيادة التربوية في جامعة وورك في بريطانيا بعنوان” المعلم القائد: فرص وتحديات”، ماذا تقصدين بالمعلم القائد وكيف يكون المعلم قائدا في عصر الهواتف الذكية والألواح الإلكترونية ووسائل التواصل المتغلغلة في المجتمع؟

مهم جدا التوضيح أن رسالتي هي حول teacher leadership وهذا مصطلح غير متداول في اللغة العربية، ولا يوجد له ترجمة حرفية إلى الآن، البعض يترجمه “المعلم القائد” وهو غير المقصود بذلك، teacher leader هو المعلم القائد، لكن teacher leadership في الحقيقة حاولت أن أعطيه ترجمة وهي المعلم القيادي أو المعلم ذو الممارسات القيادية، وإذا أردنا التفرقة بينهما، فالمعلم القائد قد يكون له صفات وممارسات واضحة ومميزة ممن حوله، بينما المعلم القيادي هو الشخص أو المعلم الذي يمارس القيادة بدرجة من درجاتها في عدة جوانب. في الحقيقة في العصر الحالي الذي يتميز بالهواتف والألواح الذكية أصبح دور المعلم أكثر وضوحا، لأنه بحاجة لتفهم احتياجات الطلاب، التحديات التي يواجهونها سواء بالمادة الدراسية أو المعطيات التي يلقونها في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي بشكل عام. والأخطر أن هذا المعلم لا بد أن يكون لديه من الذكاء والعطاء بأن يستعد للمستقبل والمستجدات والذي يسمى Managing the change، وهي التعامل مع التغييرات قبل أن تبدأ وهو مصطلح يختلف عن Change Management التي هي إدارة التغيير بعد أن يبدأ أو بعد اتخاذ قرار تغيير أي أمر.

ما العلاقة بين المعلم القيادي وبحثك حول نوادي القراءة؟   

يمارس المعلم القيادة سواء داخل الصف أو على مستوى القسم أو المدرسة وعلى مستوى المجتمع أو حتى على مستوى عدة دول، ونحن نرى العديد من المعلمين يساهمون في مسابقات عالمية ولديهم فرص أوسع هناك.

في الغرب ينتشر دور المعلمين في موضوع نوادي القراءة داخل المدارس أو نوادي لأولياء الأمور أو بين أولياء الأمور والطلبة، لكن للأسف هذا الأمر لم ينتشر في العالم العربي، بالإضافة إلى أن ثقافة نوادي القراءة نادرة في المدارس. من هنا نشأت فكرة الدراسة أنا وزميلتي الدكتورة يمن شعبان،حيث قمنا بدراسة على 18 ناديا للقراءة في العالم العربي، أجرينا معهم عدة مقابلات وحددنا التحديات والفرص في 6 دول عربية بناء على وجهة نظرهم، وأوجدنا نموذجا يمكن أن يطبق في المدارس بحيث يسهل على المعلمين وأمناء المكتبات وعلى القادة التربويين بأن يستوحوا الأمور الإيجابية الموجودة في هذه النوادي، مثل اختيار الكتب، طريقة المناقشة، تعزيز الديموقراطية، التنوع في الفرص والمبادرات التطوعية التي من الممكن تحقيقها من خلال قراءة أي كتاب أو تحويله إلى شيء عملي في حياتهم.

إلى أين وصل مشروع القراءة في قطر، وماهي التجارب التي مررت بها كباحثة في هذا المجال لترقية هذا المشروع وفقا لتطورات العصر؟ 

مشروع القراءة في قطر مر بعدة جوانب أو مراحل، المرحلة الأولى تقريبا بدأت في عام 2008 حيث كان هناك دراسة عن مستوى القراءة في قطر أنجزها المركز الثقافي للطفولة بالتعاون مع عدة جهات وعدة أكاديميين، وتم آنذاك تنظيم مهرجان للقراءة، وكانت هناك عدة مبادرات متميزة. وقبل أكثر منعامين انطلقت مبادرة حملة القراءة الوطنية، وحاليا اسمها “قطر تقرأ” وتقدم مبادرات وفعاليات مميزة. والحقيقة في قطر هناك عدة تجارب رائدة سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات، أصبحنا نرى متاجر إلكترونية تبيع الكتب، مبادرات للكتب المسموعة..وطبعا مكتبة قطر الوطنية التي تعتبر نموذجا راقيا ومتميزا جدا لتعزيز القراءة في قطر.

شخصيا كباحثة، بفضل الله عز وجل، كنت أحد المساهمين في تأسيس نادي خير جليس في قطر عام 2013، وهو حاليا أحد المبادرات المسجلة رسميا في مركز قطر التطوعي، ولا زلت معهم كمستشارة أو مساعدة بعد أن تركت العمل الإداري. كانت تجربة مميزة جدا في موضوع تعزيز المجموعات والتخطيط لمثل هذه الفعاليات ووضع الأسس واللوائح وتفهم جل الاحتياجات والجمع بين الممارسة والجانب الأكاديمي.

من خلال تجربتك ماهي الآثار التي تتركها نوادي القراءة على منتسبيها في قطر وفي الوطن العربي عموما ؟ وكيف نصل إلى الذروة في حث الأبناء على القراءة؟

بناء على الدراسة التي قمنا بها والتي فازت بالمركز الثاني في جائزة الشيخ فيصل للعمل التربوي عام 2019 عن فئة طلاب الدراسات العليا، الآثار التي لمسناها هي:

ــتعزيز المسؤولية المجتمعية عن الأشخاص الذين يشاركون في نوادي القراءة

ــسعة الأفق وتنامي الاهتمام لدى المجتمع للبحث عن أمور عملية ومبادرات واقعية، البعد عن التعصب، الاستمتاع،الراحة الشخصية، عادات التفكير،معرفة طريقة اختيار الكتب، تنمية مهارات وعادات القراءة.

ــ للدراسة آثار مميزة أخرى كتنمية التواصل الاجتماعي وتشبيك العلاقات.

أما كيف نصل إلى الذروة في حث الأبناء على القراءة فأعتقد بأن أول شيء أن نرى نحن أنفسنا بأن هذا الأمر يستحق، القراءة في حد ذاتها ليست غاية وإنما هي وسيلة للمعرفة والتعلم المستمر، الدراسات تقول أن مجرد رؤية الطفل للكتب من حوله أمر يحسن من أداءه أكثر من ثلاث أضعاف مقارنة بالطفل الذي لا يرى كتبا حوله.فما بالك لو أننا ساعدناهم مثلا مثل قراءة قصة ما قبل النوم وهي من أهم الممارسات التي تؤثر في الطفل، خاصة لو صاحبها تمثيل الأدوار. ضرورة أن يشعر الطفل أهمية ذلك في ممارسات من حوله بدلا من مكافأته بأجهزة ثم نشتكي من تعلقه بتلك الأجهزة. بمعنى طريقة تعاملنا مع الكتب يجب أن يأخذ منهج حياة مختلف.

متى نقرأ؟كيف نقرأ؟وكم نقرأ؟..

هذه الاسئلة مرتبطة باختلاف كل شخص، بعضنا يحب الكتب السياسية، البعض يفضل الكتب التاريخية او الروائية، نفس الشيء بالنسبة للأطفال لديهم اهتمامات معينة. لكن المهم في المسألة أن تنمي فينا هذه الكتب نزعة التفكير الناقد، بمعنى لا نقرأ بتسليم أو استسلام، نحاول أن نبحث بشأنها، نسعى لتطويرها. متى نقرأ هناك حرية طبعا لاختيار الوقت المناسب، ولكل شخص رأي في استثمار الأوقات المناسبة له، أوقات الانتظار، أوقات مخصصة للقراءة اوالبحث. الهدف من القراءة شيء مهم جدا، الأمر يختلف أن نقرأ للمتعة أو أن نقرأ من أجل البحث أو مناقشة أمر معين. كم أقرأ؟ العبرة ليست بالكم، إنما بالفائدة، وإن كنا احيانا نشجع الكم حتى يكتشف الإنسان قدراته كم يستطيع القراءة، والأهم أن نصل للقراءة الفعالة، وهنا أريد أن أشير إلى كتاب عبد الكريم بكار “القراءة المثمرة” أو كتاب “كيف نقرأ” وهو كتاب مترجم. بالنسبة لوسائل المطالعة أعتقد أن أهم شيء هو المرونة، أنا شخصيا أفضل قراءة الكتب الورقية التي لها ملمسها الخاص وفوائدها العدة، لكنني لا أقيد نفسي بأن لا أقرأ من كتب إلكترونية أو أني أجد طرق مختلفة للقراءة حتى أستثمر الوقت والفرص المتاحة.

فيما يتعلق بقطر فهي سباقة جدا في موضوع التعليم والمبادرات التعليمية والتربوية، وهي تحرص بالتأكيد أن تكون لها مكانة مميزة، لكن كي أجيب على سؤالك يجب معرفة معايير التصنيف،   فهناك تصنيف للبنية التحتية، أو المناهج،أداء الدول في التعليم من حيث أداء الطلبة في العلوم والرياضيات واللغة الانجليزية.. يعني عموما عندما نرى هذه التصنيفات لا بد أن نعرف الأسس والمعايير التي تم مراعاتها. قطر أولوية التعليم بالنسبة لها واضحة تماما سواء خاصة بمبادرات التعليم التي تطلقها صاحبة السمو “الشيخة موزا” على مستوى العالم، أو على مستوى قطر، الدورات، التسهيلات والمرافق التي يتم توفيرها لهذا الغرض سواء للموظفين أو للباحثين بالتأكيد مميزة.

تطبيق برامج تربوية وتعليمية غربية على مجتمع عربي مسلم، هل يمكن أن يتعارض أو يصطدم ذلك مع تقاليدنا وتراثنا الإسلامي، ومن ثم قد تكون له نتائج عكسية؟

بالنسبة لتطبيق البرامج التربوية، كل دولة من دول العالم بإمكانها أن تأخذ أي برنامج أو نظام تعليمي من دولة أخرى، سنغافورة مثلا أخذت المناهج البريطانية، كثير من الدول استفادت من تجارب الآخرين. لكن التحدي عندنا في الدول العربية أننا نأخذ من الدول الغربية عدة برامج ومناهج تعليمية يتم ترجمتها وتقديمها بطريقة غير واضحة، فنعتقد أننا فهمنا المعنى بدون أن نربطه في سياقه الخاص بنا من خلال تراثنا وديننا وقبل أن نحدد أولوياتنا في ذلك.

فعلى القائد التربوي، أوعلى التربويين عموما، أن نتفكر في أي فكرة جديدة ونحاول فهمها ومعرفة إيجابياتها وسلبياتها والفرص المتعلقة بها، ونبدأ بتطبيقها بشكل تدريجي بعد معرفة وفهم السياق والمجتمع الذي ستطبق به، وقدر المستطاع أن نستفيد منها بصورة كبيرة، أو كما يقول الدكتور خليفة السويدي أن لا تكون مثل “بطريق”  في الصحراء، مهما حاولت أن تبني له مبان أو توفر له ك الحاجات، لكنه في النهاية سيكون خارج السياق وغير متوائم تماما مع البيئة التي من حوله.