لخص الحافظ ابن كثير في تفسيره حادثة الإِسراء والمعراج فقال:

1 – والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به يقظة لا مناماً من مكة إلى بيت المقدس راكباً البُراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب، ودخله فصلَّى في قبلته تحية المسجد ركعتين.

2 – ثم أُتي بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيه، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السموات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتهما – صلى الله عليه وسلم – وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام (أي أقلام القدر بما هو كائن).

3 – ورأى سدرة المنتهى (1)، وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة، من فَراش من ذهب وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى جبريل على صورته وله ستمائة جناح، ورأى رفرفاً (2) أخضر قد سد الأفق. (سدرة المنتهى: شجرة ذات ثمر كبير وأوراق طويلة تغشاها الملائكة وفَراش الطير).

4 – ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه، لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.

5 – ورأى الجنة والنار، وفرض الله عليه هنالك الصلوات الخمسين، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها.

6 – ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم لما حانت الصلاة، ويحتمل الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمَّهم في السماء، والذي ظاهرت به الروايات أنه بيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه، لأنه لما مَرَّ بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحداً واحداً، وهو يخبر بهم، وهذا هو اللائق لأنه كان أولًا مطلوباً إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع به هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل -عليه السلام- في ذلك.

7 – ثم خرج من بيت المقدس، فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس (ظلمة آخر الليل).

8 – وأما عرض الآنية من اللبن والعسل، أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء أو الجميع، فقد ورد أنه في بيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ومحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا لأنه كالضيافة.


(1) سميت بذلك لأنها ينتهي إليها علم الرسل والملائكة، ولم يجاوزها أحد إلا نبينا – صلى الله عليه وسلم -.

(2) حلة جبريل وثيابه.