اعتنت الحضارة الإسلامية بالأطفال، منذ ما قبل ميلاده وحتى بلوغه، على مستوى حقوقه والأحكام المتعلقة به، ورعايته صحيا ونفسيا وتربويا واجتماعيا، فرعاية الأطفال في الحضارة الإسلامية منالأولويات، فلم تدع الطفل عاريا من الحقوق في مواجهة الحياة، وإنما أحاطته بسياج قوي من التشريعات والآداب حتى يظل مصونا من أي عبث أو اعتداء أو بخس أو استغلال.

وعلى المستوى العالمي تعرض الأطفال لانتهاكات جسيمة،  فذكرت تقارير عام 2016 أن كل خمس دقائق يلقى طفل حتفه بسبب العنف، وفي العام 2017 سقط أكثر من أربعين ألف طفل ضحية لجرائم قتل، أما اليونيسيف فأشارت في تقرير، أن (120) مليون فتاة تحت عمر العشرين تعرضن لاعتداء جنسي حول العالم، وهي حالة استمرت وأكدها تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية عام 2020 عن تعرض ما يقرب من مليار طفل للاعتداء والعنف بأشكاله المختلفة، ورغم أن أغلب دول العالم تقر تشريعات لحماية الأطفال إلا أن تنفيذها يقتصر على عدد قليل من تلك الدول، وفي العالم العربي هزت كثير من الاعتداءات على الأطفال مشاعر الملايين، خاصة وأن الكاميرات رصدت بعضها، مثل إلقاء أم لأطفالها في النهر، أو تعرية أب لرضيعته في برد الشتاء، أو حرق أب لصغاره.

اعتنى الإسلام بالطفل، منذ ما قبل مولده، من حسن اختيار الأم، ورعايتها أثناء الحمل، وإحسان تسميته، والابتهاج بمولده، وشكر الخالق-سبحانه وتعالى- على ميلاد ذلك الطفل، فالإسلام لا ينظر إلى الطفل على أنه “عبء” سينقص من أرزاق العائلة وسيضيق عليها في معيشتها، كذلك وضع الإسلام آدابا للاحتفاء بالمولود من قص شعره ووزنه ذهبا والتصدق به، والعقيقة، ثم رضاعته، بل رخص الإسلام للمرأة المرضع الفطر في رمضان إذا كان الصيام يُضر بها أو بالرضيع، والحرص على إتمام مدة الرضاعة والتي لا تقل عن عام ونصف، ثم تربيته وملاعبته لسنوات، وتعليمه، وإكسابه الأخلاق الحميدة، ولخض تلك الآداب كتاب ” تحفة المودود في أحكام المولود ” لابن القيم الجوزية.

وللفقهاء جهد عظيم، في توضيح أحكام الشريعة المتعلقة بالطفل، خاصة إذا كان يتيما، فالقرآن الكريم حث على رعاية اليتيم، وعدم التعرض لماله أو ظلمه، وهناك (19) آية تحدثت عن اليتيم، بل إن الشريعة اعترفت بميراث الطفل وحمته من الظلم والاعتداء.

في كتابه ” حقوق الطفل في الإسلام” Rights of the Child in Islam يكشف البروفيسور محمد منير Muhammad Munir جانبا مهما من اهتمام الشريعة بالطفل، فيما يتعلق بمسؤولية الدولة عن رعاية تلك الحقوق وحمايتها، إذ يرى أن الدولة مسؤولة عن إعمال تلك الحقوق في المجتمع، وعدم الاكتفاء بالنص عليها في الشريعة الإسلامية فقط، ولكن لابد أن تكون حقوق الطفل مُفعلة في ممارسات اجتماعية تحمي الطفل وترعاه، وتدافع عنه ضد أي اعتداء أو خسف أو انتهاب.

يشير الدكتور “منير” أن جزءا من الحديث عن حقوق الطفل في الإسلام انصرف إلى الآداب الاحتفائية بقدوم الطفل، ولم يتم إبراز دور السلطة في الاهتمام بذلك الطفل، فالشريعة تحدثت عن واجبات الطفل على الوالدين، وللدولة إلزمهما بها في حال التقصير، كذلك ضرورة قيام الدولة ذاتها بواجباتها نحو الطفل من توفير بيئة جيدة وكفالة التطعيمات والتغذية والرعاية الصحية، والتعليم، وهي واجبات لا يجب أن تتحلل منها الدولة خاصة تجاه غير القادرين على القيام بأعبائها، ويرى “منير” أن تلك الحقوق أكثر جوهرية للطفل في العالم المعاصر، ومما أورده الكتاب مسألة حقوق الأطفال غير الشرعيين، الذين ترى الشريعة أنهم لا ذنب لهم في أن يولودوا بتلك الطريقة، وهنا لابد للدولة أن ترعاهم عبر مؤسساتها حتى ينشئوا بطريقة سوية ويكونوا إضافة للمجتمع وليس جرحا متعفنا يضر الجسد بأكمله، كما تعرض لحقوق الأطفال وقت النزعات المسلحة والحروب، وبين أن الشريعة حمت الأطفال وقت الحروب، فحرم الإسلام قتل الأطفال أو الاعتداء عليهم.

والحقيقة أن الدول الإسلامية انتبهت لتلك الحقوق، وأصدر المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية المنعقد في صنعاء عام 2005م “عهد حقوق الطفل في الإسلام” والذي قدم رؤية إسلامية، في مقابل الرؤية التي طرحتها الأمم المتحدة في اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م والتي كان للدول الإسلامية عدد من التحفظات عليها.

وفي كتابه “أطفال حول الرسول: كيف رعى محمد الصحابة الصغار[1] ، يقدم الدكتور هشام العوضي جانبا عمليا من حياة النبي-صلى الله عليه وسلم– في رعاية الصحابة الذين كانوا أطفالا، يذكر العوضي أن النبي صلى الله عليه وسلم-  كان ينمي فيهم الثقة، والأخلاق الحميدة، ويشجعهم أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، ويمنحهم النصائح الغالية، الكتاب فريد في بابه، ويقدم ملمحا إنسانيا عظيما في رعاية الطفل.

ومنحت الحضارة الإسلامية اهتماما بالطفل، فخصصت له مؤلفات تتحدث عن رعايته جنينا، وطفلا، ورعاية حقوقه، ومنها ما كتبه “يوحنا بن ماسويه” (المتوفى: 243هـ=857م) والذي خص الجنين برسالة أسمها ” الجنين وكونه في الرحم”، ثم ألف “حنين بن إسحاق العبادي” (المتوفى 264هـ=879م) رسالة “المولودين لثمانية أشهر”، وكتب “عريب بن سعد القرطبي”  “خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين”، أما “أحمد بن محمد بن يحيى البلدي” (المتوفى : 260هـ) فكان مؤلفه “تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم” والذي حققه الدكتور “محمود الحاج قاسم محمد” وأصدره عام 1980 في (330) صفحة، والذي تعرض فيه “البلدي” لكثير مما يخص صحة الطفل حتى نومه واستحمامه، ومنهج تربيته في السنوات السبع الأولى من طفولته، شارحا العلاقة بين الحالة النفسية وبين الأمراض، ومسألة الاعتدال في تلبية رغبات الطفل، وهناك كتاب “سياسة الصبيان وتدبيرهم” لابن الجزار القيرواني (المتوفى: 369هـ=980م)، ورسالة لشيخ الأزهر “شمس الدين الانبابي” في مطلع القرن الرابع عشر الهجري بعنوان “رياضة الصبيان وتعليمهم”.


[1] عنوان الكتاب Children Around the Prophet: How Muhammad raised the Young Companions