يعاني الكتاب العلمي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، من حصار شديد مفروض عليه من طرف الكتابات الأدبية والفنية وحتى التاريخية والفلسفية والسياسية..التي تهيمن على الساحة الثقافية. فلماذا يجب أن نقرأ و نهتم بالكتاب العلمي؟ وما المقصود بالكتاب العلمي؟ وماهي الأهداف والفوائد التي نجنيها من وراء ذلك؟ ولماذا يجب أن نثق بالكتاب العلمي أكثر من غيره؟

على الرغم من التوسع الكبير في عدد المؤسسات التعليمية في العالم العربي والإسلامي، تبقى العلوم التجريبية والذهنية والعلمية من القطاعات الأقل حضورا في مشهد الكتاب العربي، حتى أننا لا نكاد نجد لها أثرا في معارض الكتب العربية، إلا ما كان بلغات أجنبية أو كان متوجها لنخبة متخصصة محصورة للغاية.

الثقافة العلمية في بلداننا مازالت محصورة في بعض الهواة (هواة علم الفلك وهواة علم الفضاء..) بينما يهيمن الأدب والشعر والفن والسياسة على الثقافة العربية.

هذا الواقع يتطلب العمل السريع على تجاوزه والعمل على وضع الحلول له لحاجتنا الماسة إلى هذه الثقافة العلمية في عصر الانفجار المعرفي والعلمي في العالم. بل إن هذا الوضع “غير العلمي” يفرض أن يستقل فيه الكتاب العلمي ببعض التظاهرات كي يكون مرئيا ومسموعا نسبيا – على الأقل-  كما هو الحال في بعض المنتديات القليلة جدا.

ما المقصود بالكتاب العلمي؟

الكتاب العلمي هو إثراء معرفي علمي قيم، وداعم رئيسي قادر على مساعدة الباحثين و تلبية احتياجات المؤسسات التعليمية بمراجع علمية موثوقة و متخصصة في عدة موضوعات على اختلاف علومها، مما يجعلنا محاطين ببيئة علمية خصبة، تتخذ من عنصري التكنولوجيا المتقدمة و ثورة المعلومات باعتبارهما ركيزة أساسية لتكوين مرجعية علمية شاملة و متخصصة، من شأنها أن تكون شريكا مميزا للعديد من المؤسسات الأكاديمية.

ويفترض في الكتاب العلمي أن يتضمن مجموعة من الإجراءات النظامية التي ينتهجها الباحث أو الدارس من أجل التعرف على جميع الجوانب المتعلقة بموضوع أو إشكالية علمية، والهدف النهائي هو حل تلك المشكلة. فهو أسلوب منظم في جمع المعلومات الموثوقة وتدوين الملاحظات والتحليل الموضوعي لتلك المعلومات باتباع أساليب ومناهج علمية محددة بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد لها، ومن ثم التوصل إلى بعض القوانين والنظريات والتنبؤ بحدوث مثل هذه الظواهر والتحكم في أسبابها. وهو وسيلة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل مشكلة محددة، أو اكتشاف حقائق جديدة عن طريق المعلومات الدقيقة.

الكتاب العلمي هو الطريق الوحيد للمعرفة حول العالم، فالبحث العلمي يعتمد على الطريقة العلمية، والطريقة العلمية تعتمد على الأساليب المنظمة الموضوعة في الملاحظة وتسجيل المعلومات ووصف الأحداث وتكوين الفرضيات. هي خطوات منظمة تهدف إلى الاكتشاف وترجمة الحقائق. هذا ينتج عنه فهم للأحداث والاتجاهات والنظريات يعمل على وجود علم تطبيقى خلال القوانين والنظريات.

ولتطوير الكتاب العلمي ونشره وتسهيل انتشاره، اعتمدت العديد من الدول على المنصات الخاصة والمهتمة بالكتاب العلمي المعتمد على آلية الاختزان الرقمي للمعلومات مع تطويعها وبثها وتوصيلها و عرضها الكترونيا على شكل نصوص يتم معالجتها آليا، الأمر الذي يساعد الباحث في توفير الوقت والجهد لأن هذه المنصات تغنيه عن القراءة الكاملة للمحتوى وتمكنه من الحصول على المقالات أو المحتويات التي يريدها من الكتب بشكل مباشر وميسر، بحيث تتيح للباحث فرصة التفاعل النشط مع المحتوى بصورة متزامنة أو غير متزامنة في الوقت والمكان والسرعة التي تناسب ظروف الباحث وقدرته، بالإضافة إلى إدارة كافة الفعاليات العلمية اومتطلباتها بشكل إلكتروني.

لماذا الكتاب العلمي؟

لماذا يجب أن نقرأ و نهتم بالكتاب العلمي؟ الجواب -ببساطة – لأن العالم حاليا أصبح مليئا بالكتب والنصوص التافهة والخطيرة التي تهدد المجتمعات في ثقافتها ودينها وموروثها الشعبي، بل تهدد الجنس البشري كله، نظرا لسطحيتها وأفكارها الملفقة والخبيثة، التي تخدم جهات معينة مؤسسات ربحية أو اقتصادية أو كيانات عرقية ودينية.

لا شك أن النصوص العلمية هي أحد أهم الجوانب التي تميز التطور البشري والاقتصادي في المجتمعات الحديثة، حيث يستوجب على معظم الطلاب التركيز على أهمية استكشاف العلوم والتطورات التقنية من خلال القراءة المنهجية واستيعاب الحقائق العلمية الأساسية التي تحكم تطور عالمنا.

ثمة قضايا كبرى ترتبط بالاستدامة والتنمية في منطقتنا لا تحظى بما تستحق من الوعي والفهم الكافي مثل التغيرات المناخية، والأمن المائي، والتصحر، واستكشاف الفضاء، والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، فضلاً عن كونها غير متاحة للقراءة والاطلاع لشريحة واسعة من القراء.

قطر.. أول مبادرة

ولسد هذا الخلل، أنشأت بعض البلدان عدة منتديات ومنصات للكتاب العلمي، لتشجيع القراءة في المجالات العلمية في العالم العربي والإسلامي. وتسعى هذه الدول لتحقيق هذا الهدف من خلال عقد منتديات عامة لمناقشة الكتب المؤثرة حول موضوعات مهمة تحظى بالاهتمام العام وتصحيح المفاهيم العلمية المغلوطة، من خلال استضافة باحثين وعلماء وعقد لقاءات تمكن القراء والمهتمين من التحاور والتواصل مع كتاب ومؤلفي الكتب التي تتم مناقشتها خلال جلسات خاصة بهذه المنتديات.

وفي هذا المجال، يجدر بنا التذكير بأن دولة قطر رسخت هذا المسار العلمي من خلال مكانة “مكتبة قطر الوطنية” كأول مكتبة عربية تؤسس مبادرة تركز على قراءة الكتب العلمية وتساهم في إثارة ودراسة الأسئلة العلمية ذات العلاقة بالعرب على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية. ويرأس منتدى الكتاب العلمي في قطر الدكتور عصام حجي، وهو عالم وباحث متخصص في علوم الأرض والكواكب، وعضو في العديد من المهام والبعثات الاستكشافية في الفضاء التي تهدف إلى الإجابة عن أسئلة رئيسية حول تطور الكواكب. 

ترجمة الكتاب العلمي للنهوض باللغة العربية

للأسف الشديد، النسبة الكبيرة من الكتب العلمية المنشرة في العالم في هذا العصر، هي كتب ناطقة بلغات أجنبية على رأسها اللغة الإنجليزية. أما اللغة العربية فحظها قليل جدا في هذا المجال مقارنة باللغات الأخرى.

ولأن غايتنا في تكمن في تقديس جوهر لغتنا العربية والنهوض بها واثرائها، فإن الرسالة الأولى هي دعوة كل الكتاب والباحثين والمثقفين والمترجمين في العالم العربي والإسلامي إلى ضرورة الاهتمام بترجمة الكتاب العلمي، لتسهيل وصوله بين يدي القارئ العربي، حتى يتسنى لطالب العلم أن يأخذ كل ما يحتاجه، وإتاحة الفرصة لدى الباحث في ايجاد نفسه بمساحات واسعة من المراجع ضمن تخصصه، خاصة من خلال النشر الإلكتروني الذي تكمن أهميتة في حل مشكلة الانفجار المعرفي والإقبال المتزايد على التعليم وتوسيع فرص القبول والنهوض في العملية العلمية الفكرية. ومن ثم المساهمة في كسر الحواجز النفسية بين القارئ والباحث والعملية التعليمية.

أهداف وفوائد الاهتمام بالكتاب العلمي

عندما نطرح السؤال: لماذا يجب أن نقرأ و نهتم بالكتاب العلمي؟ فإن الإجابة تقودنا حتما لتبيان أهم أهداف وفوائد الكتاب العلمي وهي لا تعد وتحصى منها:

  • تشجيع الأجيال الجديدة على دراسة العلوم والاهتمام بالتطورات والبحوث العلمية أكثر من الأدب والتاريخ والسياسة (مع عدم المبالغة في هذا الجانب).
  • إذكاء جذوة الفضول العلمي ومهارات التفكير النقدي عبر قراءة الكتب العلمية
  • محاربة الأخبار العلمية الزائفة والنظريات الشعبوية
  • إبعاد الشباب عن الكتب الرخيصة علميا والفارغة معرفيا
  • التوفيق بين قناعاتنا الدينية المستمدة من القرآن والسنة النبوية والقناعات العلمية التي تطرحها العديد من الكتب.
  • تشجيع مؤسسات الدولة على الاهتمام بعقد المؤتمرات العلمية بدل المؤتمرات الأدبية والسياسية وغيرها.
  • تنظيم مناقشات عامة حول القضايا والكتب العلمية التي لها تأثير جوهري على التطور الفكري الإنساني، خاصة في المجالات ذات الصلة بالمنطقة العربية والإسلامية.
  • الضغط على معارض الكتب ودور النشر للتقليل من منشوراتها الأدبية والفكرية والفنية والدينية، وإعطاء مجال أوسع للكتاب العلمي.
  • حث جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية على تشجيع البحث العلمي في مناهج التعليم وعدم ربط المسار التعليمي بالحصول على الشهادة والتقيد بالوظيفة.