هل الإيمان يحتاج إلى إجابات جديدة، مع إثارة الإلحاد لشبهات جديدة؟ وهل العقل يحتاج إلى براهين تحمله على الطمأنينة مثل الهدايات التي يحتاجها القلب سواء بسواء؟ إشكالات وإجابات كثيرة يطرحها كتاب “ليطمئن عقلي” للدكتور أحمد خيري العمري، والصادر عام 2019 في (652) صفحة، عن دار “عصير الكتب” بالقاهرة.

هل الإلحاد الجديد لم يعد نتاجا لمنظومات فلسفية وأيديولوجية، بل أصبح مقصودا في ذاته، فهو لم يعد يشكك في وجود الخالق، سبحانه، وإنما أصبح يشكك في عدله؟

بين عدمين وصدفة تتحرك رؤى الإلحاد، فلا شيء قبل الحياة ولا شيء بعدها، الصدفة جاءت بنا، والغاية ضاعت منا، أرحام تدفع، وأرض تبلع، إشكالات وإجابات كثيرة يطرحها كتاب “ليطمئن عقلي” للدكتور أحمد خيري العمري، والصادر عام 2019 في (652) صفحة، عن دار “عصير الكتب” بالقاهرة.

الكتاب يعلن منذ صفحاته الأولى أنه غير موجه لمن اطمئنت قلوبهم وعقولهم للإيمان، أو من أصبحوا ممتلئين قناعة بالإلحاد، ولكنه موجه إلى “المؤمنين..ولكن” أي: الذين هم داخل حيز الإيمان، ولكن توجد شبهات وقضايا مازلت غير مقنعة أو مطمئنة لهم، لذا جاء الكتاب ليبسط معهم الحديث حولها مفككا إياها وداعيا إلى تثبيت دعائم الإيمان.

صحوة الإلحاد..وأزمته

يبدو من كثافة الكتب الصادرة والندوات والأخبار والإحصاءات أن الإلحاد يعيش صحوة في السنوات الأخيرة على غرار الصحوة التي شهدتها كافة الأديان منذ نهاية السبعنيات من القرن الماضي، غير أن تلك الملاحظة غير صحيحة، فـ”الإلحاد الجديد[1] كما يشتهي أن يتسمى، شراسته الشديدة في مواجهة المعتقدات والقيم والمعايير، جعلت الكثير يتحول إلى مواجهته وليس أهل الأديان وحدهم، فهو يفكك كل شيء لصالح لا شيء، وكأنه يتحول إلى دين عنوانه: الاعتقاد في عدم الاعتقاد .

كتاب ” ليطمئن عقلي ” يبدأ من نقطة مهمة، وهي: أن الإلحاد ليس مرضا نفسيا كما ترى بعض الدراسات الأمريكية الصادر عام 2017م، والتي تذهب أن أكثر من نصف من شملتهم الدراسة من الملحدين أشاروا أن هناك تجارب عاطفية شخصية مثل: موت حبيب، أو مرض عضال، كانت وراء إلحادهم، وذلك على خلاف التجربة العربية .

والحقيقة أن هناك أنماطا من التفكير تساعد على الإلحاد، لعل أهمها: الاقتصار على العقل الحسي التجريبي كمحدد للإيمان، كذلك التفكير الحرفي الجامد، والاجتزاء في التفكير، إذ أن هذا النمط يحرم الإنسان من الرؤية الكلية للأشياء، فالجزء لا يفسر الحقيقة، وغالب الملحدين يقتطعون جزءا من الصورة ويبنون عليها إلحادهم، ويلعب الخلط بين العلم والإيمان دورا في انتشار الإلحاد، فالبعض يتعامل مع الدين كأنه فرع من العلم التجريبي، والبعض الآخر يتعامل مع العلم بطريقة دينية، فيتعامل مع نظريات العلم وكأنها يقين لا يقبل الشك.

ويعتبر “ريتشارد داوكنز” من أشهر العلماء الملحدين في العالم، أصدر قرابة العشرين كتابا وحقق كتابه “وهم الإله” شهرة واسعة، وتجاوزت مبيعاته ثلاثة ملايين نسخة، وترجم إلى (25) لغة ، وأحد الذين استخدموا نظرية التطور كرأس حربة في محاربة الأديان والاعتقاد، والإلحاد الجديد يتجاوز الإنكار الفلسفي للدين إلى تبني المواجهة مع الدين وعدم التسامح معه، فهو إلحاد ضد الإله anti-thesim ، ويعد العلم التجريبي أحد المداخل المهمة التي يستغلها الإلحاد الجديد لتقديم نفسه إلى الجماهير، حيث أصبح العلم نوعا من الأيديولوجيا مع وجود إيمان مطلق بقدرة العلم على تقديم الأجوبة، كما أن الإلحاد الجديد يستغني عن الفسلفة.

العلم ..والخالق

في عيد ميلاده الرابع والتسعين، سُئل الفيلسوف الإنجليزي الملحد ” برتراند راسل”: إن مت وسألك الرب: لماذا لم تؤمن بي، ماذا سيكون جوابك؟

أجاب راسل: عدم كفاية الأدلة يا رب عدم كفاية الأدلة!

والسؤال هل يوجد دليل علمي على وجود الخالق؟

الحقيقة أنه لا يوجد دليل علمي علي وجود الخالق سبحانه وتعالى،  فكل انجازات العلم منحصرة في الجانب المادي، وكل شيء خارج الطبيعة والمادة لا يمكن للعلم أن يكتشفه، والله سبحانه وتعالى خارج نطاق هذه الطبيعة والمادة، فوجود الله ليس نظرية أو فرضية يمكن إدخالها المختبر، وما يمكن للعلم أن يتحدث عنه هو الإشارة إلى الإبداع والدقة في خلق الكون، وأن ذلك يقف خلفه إله عظيم، وهذه إشارات وليست أدلة، لذا كان الإيمان بالغيب حاسما في معرفة الله، فالغيب غير خاضع للحواس وإدراكاتها وقياساتها، فهو إيمان مجرد عن الأدلة المادية، ومن ثم لو كان هناك دليل علمي مادي على وجود الله، لما كان هناك حاجة للإيمان بالغيب، ولأصبح هذا الإيمان تصديق بارد بحقيقة علمية .

العلم الحديث يثبت أن الأرض هي الكوكب الوحيد المؤهل للحياة من بين (700) كونتيليون[2] كوكب، وأن وجود حياة أخرى على أي كوكب آخر تكاد تكون منعدمة بنسبة 99.6%، ومن ثم فالأرض مهيئة للحياة، ولابد أن تكون هناك إرادة وقوة فعلت ذلك، فمثلا ظهر كتاب للسير “فريد هويل” بعنوان”الكون الذكي” عام 1984 نفي فيه احتمالية تكوين بروتين واحد عشوائيا، وفي عام 1989 أكد كتاب “مصادفات كونية” لكل من “جون غريبين” و”مارتن رايس” أن الكون مُعد مسبقا لنشوء الحياة فيه؛ أي أن هناك إرادة وقدرة وحكمة تقف وراء هذا الكون، وهي التي أنشئته ابتداءا، وهو ما أكده أيضا رايس في كتابه “ستة أرقام فقط: القوى العميقة التي شكلت الكون“، وهذه الرؤية تدحض ما يقول “برتراند راسل” ويتكأ عليه الإلحاديون وهي: “أن من يرفض فكرة أو فرضية ما، ليس مطالبا ببرهان رفضه“، والتي أسماها فرضية “إبريق الشاي السماوي“.

وملخص الفكرة أنه ادعي وجود هذا الإبريق في منطقة ما بين الأرض والمريخ، وأن الإبريق لصغره لا يمكن للتليسكوبات أن ترصده، وانطلق راسل ليقول:” أن فرضية وجود الإبريق هي مثل فرضة وجود الله، فالإبريق لم يره أحد، والله لم يره أحد“، ولا شك أن هذه الحجة واهية، لأن الإبريق لا يفسر شيئا في الكون بحضوره أو غيابه، ولكن فرضية وجود الله سبحانه وتعالى تفسر نشأة الكون واستمراره ومصيره، ففرضية الإبريق لا تقدم جوابا، ولا تنفع بشيء.

ومن هنا فالملحدون يتعاملون مع السبب الأول، بطريقة غير منطقية، ويزعمون أن الخالق، سبحانه وتعالى، يحتاج إلى سبب لكي يكون، وهذه الفكرة الباطلة تهدم فكرة السبب الأول المسبب لكل شيء، فالعلم التجريبي يزعم أن للكون بداية كانت قبل 14 مليار سنة، ومن ثم فالسببية قانون خاص بالعالم المادي، وأي شيء خارج المادية هو خارج هذا القانون.

ونظرية التطور لـ “داروين”، تتحدث عن نشوء المخلوقات من خلية واحدة ثم تطورت عبر آلاف السنيين، وصولا إلى الإنسان العاقل، وهذه النظرية بعيدا عن الإيمان والإلحاد ليس فيها مكان لخلق آدم عليه السلام، فآدم خلقه الله تعالى بأمر منه.

وتعد مشكلة الشر والمعاناة في العالم أحد الأسباب المؤدية للإلحاد، ويرى كتاب ليطمئن عقلي أن المشكلة جاءت مع اللاهوت المسيحي، ولعل ذلك يرجع إلى الرؤية المسيحية ذاتها للإله التي تركز على الرحمة والسلام والمحبة وذلك على خلاف تصور الإله في اليهودية والإسلام، وبالتالي وُجدت في الرؤية المسيحية فجوة بين تصور الإله ودوره في مكافحة الشر في العالم.

وهناك يأتي سؤال عدم استجابة الدعاء خاصة لمن يمرون بظروف شديد القسوة، والتي تكون مرتبطة بتعرضهم لظلم كبير، والخطأ الذي يقع فيه البعض هنا أن الدعاء جزء من منظومة الإيمان وليس هو بوابة للدخول إلى الإيمان أو مغادرته، ومن ثم لا يجب التعامل مع الدعاء باعتباره وسيلة لاختبار وجود الخالق سبحانه، لأن هذا ليس الطريق القويم لمعرفة الله.


[1]الإلحاد الجديد New Atheism: مصطلح صاغه الصحفي اللا ديني جاري وولف في 2006 في مقالته المطولة “كنيسة اللامؤمنين The church of non-believers” لوصف خطاب ثلاثة من الكتاب الملحدين البارزين هم: ريتشارد دوكنز، سام هاريس، دانيال دانيت؛ والذي تحول في نظره -كملحد- إلى كنيسة لا تقل تعصبا عن الكنيسة المسيحية في مساءلته للأفراد عن خياراتهم الدينية، يتسم الإلحاد الجديد بـنزعته العلموية المتطرفة حيث يرى أن العلم قادر على كشف كل الحقائق وأنه ينفي أية حقائق متجاوزة للعالم المادي، كما أنه إلحاد ذو نزعة معادية للدين، فهو لا يقبل وجود الدين ولا يتسامح معه.

[2] الكونتيليون: رقم وأمامه عشرون صفر