تقترن نبوة النبي أو إرسال الرسول عادة بمعجزة: وهي الأمر الخارق للعادة، لإثبات النبي أو الرسول صدقه أمام قومه، وأنه نزل عليه الوحي من ربه، ومن المعروف أن الله تعالى أيّد نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بمعجزات مثل معجزات الأنبياء قبله، وقد ينفرد بـ معجزة لا يماثله فيها نبي سابق، مثل انشقاق القمر، و الإسراء والمعراج .

وكان حادث الإسراء قبل الهجرة بعام أو بعام ونصف، وكان ذلك في رجب، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما ، والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة: وثيقة مقاطعة قبائل قريش لبني هاشم وبني المطلب. وافتتح الله تعالى سورة الإسراء بخبره الموجز في الآية التالية من سورة الإسراء المكية:

قال تعالى: { سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الإسراء  : 1  

لفظ الآية يقتضي أن الله عز وجل أسرى بعبده: وهو محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى: تنزه الله تعالى من كل سوء أو عجز أو نقص أو شريك أو ولد، فهو كامل الصفات تام القدرة، فهو الذي أسرى بعبده محمد بواسطة الملائكة، في جزء من الليل، وبشخصه جسدا وروحا، في تمام اليقظة، لا في المنام، من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، في بيت المقدس، وعاد إلى بلده في ليلته لأن الله تعالى قادر قدرة تامة على فعل العجائب والمعجزات.

وأكثر المفسرين اتفقوا على أن الإسراء حدث بالجسد والروح، المعبر عنه بكلمة «عبده» وهو مجموع الروح والجسد فركب على البراق يقظة، لا في الرؤيا والمنام، ولو كان مناما لقال الله تعالى: بروح عبده، ولم يقل: «بعبده» ولو كان مناما، لما كانت فيه آية ولا معجزة. ثم عرج بالنبي صلّى الله عليه وسلّم إلى السموات وإلى ما فوق العرش، حيث فرضت في المعراج الصلاة على المؤمنين، وكانت بحق معراج المؤمن، وصلة بين العبد وربه، ولا خلاف أن في الإسراء والمعراج فرضت الصلوات الخمس على هذه الأمة.

ووصف الله تعالى ما حول الأقصى بالبركة من ناحيتين:

إحداهما- النبوة والشرائع وإرسال الرسل الذين كانوا في ذلك القطر، وفي نواحيه ونواديه.

الناحية الثانية- النّعم من الأشجار والمياه والأرض الخصبة ذات الأنهار والأشجار والثمار، التي خص الله الشام بها.

روى ابن عساكر عن زهير بن محمد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ” إن الله تعالى بارك ما بين العريش والفرات، وخص فلسطين بالتقديس” وهو ضعيف.

وكان القصد من الإسراء : هو ما قاله الله تعالى: { لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا } أي لنري محمدا بعينيه آياتنا الكبرى في السماوات، والملائكة، والجنة، وسدرة المنتهى وغير ذلك. مما رآه تلك الليلة من العجائب. وقوله تعالى في نهاية الآية: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وعيد من الله تبارك وتعالى للكفار على تكذيبهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك، معناها: إن الله هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم، يسمع الله أقوال المشركين وتعليقاتهم على حادث الإسراء واستهجانهم لوقوعه، واستهزاءهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في إسرائه من مكة إلى القدس، والله يبصر ما فعل أولئك المشركون، وبما يكيدون لنبي الله ورسالته.

وقد تواترت بذلك الأخبار والأحاديث النبوية في مصنفات الحديث الثابتة، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، حيث روي عن عشرين صحابيا. وجلّ العلماء على أن الإسراء كان بشخصه صلّى الله عليه وسلّم، وأنه ركب البراق من مكة، ووصل إلى بيت المقدس وصلّى فيه. والحديث مطوّل في البخاري ومسلم وغيرهما. والبراق كما جاء في كتاب الطبري: هو دابة إبراهيم عليه السلام الذي كان يزور عليه البيت الحرام.

والإسراء بكامل شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الصحيح، ولو كانت الحادثة منامية، ما أمكن قريشا أن تشنّع، ولا فضّل أبو بكر رضي الله عنه بالتصديق، لأنه كان أول المصدّقين، ولا قالت له أم هانئ : لا تحدث الناس بهذا، فيكذبوك. وأما المراد بقوله تعالى: { وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ }  الإسراء: 60 .

فهي رؤيا بصرية لا منامية، لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا. وأما ما نقل عن عائشة رضي الله عنها بأن الإسراء رؤيا منامية، فهو لم يصح، لأن عائشة كانت صغيرة، لم تشاهد الحادث، ولا حدّثت بذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.