يهتم هذا المنحى من التفسير بإبراز الآيات التى تشير إلى العلم وعناصره ومفرداته وأدواته مثل استخدام الملاحظة والمشاهدة والتجربة والعقل والاستنتاج والنقد..، كما يشير هذا التفسير – أيضاً – إلى محاولة تفسير بعض الظواهر الطبيعية أو غيرها وفقاً لتطابقها مع بعض الآيات في القرآن، كما يشير هذا التفسير – أيضاً – إلى ما طرحه بعض المهتمين بالدراسات القرآنية تحت عنوان “الإعجاز العلمي في القرآن”.

ومن ثم تتحدد منهجية التفسير العلمي في ثلاثة اتجاهات رئيسة: الأول يهتم باستخراج كل العلوم من القرآن، والثاني يعنى بتطبيق النظريات العلمية على القرآن، والثالث يقوم على استخدام العلوم لفهم وتبين القرآن.([1])

وفي العصر الحديث أثار محمد عبده قضية “الإسلام والعلم” وكيف أن القرآن كتاب يحث أتباعه على العلم، وأن الحضارة الإسلامية أنتجت علوماً تنسب إليها “العلوم الإسلامية” وأشار – أيضاً – إلى “أن القرآن جامعة من القول والعلم”.([2]) وقد نحى محمد عبده في تفسير بعض سور القرآن انطلاقاً من المنظور العلمي، وظهر ذلك واضحاً في تفسيره لجزء عم لاسيما سورة الفيل، الانشقاق.

وسار على نفس هذا المنحى طنطاوي جوهري ( 1870-1940) الذى قدم تفسيراً كاملاً ” للقرآن” من نفس ذلك المنظور العلمي. وهو تفسير “الجواهر” الذى يذكر في مقدمته رغبته في إعداد تفسير للأمة يمزج فيه بين “القرآن والعلوم”.([3])

حاول طنطاوي جوهري قولبة الآيات القرآنية بمفاهيم العلم ونتائجه لاسيما تلك التى توصلت إليها الحضارة الغربية آنذاك فيذكر في الجزء الثاني من تفسير سورة آل عمران العناوين التالية:

– تعداد فقرات الحيوانات المختلفة عن علماء فرنسا والإنجليز .

– ذكر عشر لطائف في عجائب المادة ودقتها كدقة خيط العنكبوت وكالهباء في الهواء، وآلاف ألاف من الحيوان التى تعيش في قطرة ماء. وأن المادة منفصلة غير ملتصقة، والبعد بين ذراتها كالبعد – بيننا وبين السيارات والجوهر والفرد. ونظامه كنظام السيارات من حيث دوران أجزائه على بعض.

– الأسرار الكيميائية في الحروف الهجائية للأمم الإسلامية، في أوائل السور القرآنية. وهكذا حمل تفسير طنطاوي جوهري ألواناً مختلفة من التفسيرات العلمية للآيات القرآنية. ومحاولة عمل مقاربات بين النظريات العلمية والقرآن الكريم (مثل خلق الإنسان) (الذرات والنيترونات الموجبة والسالبة)؛ بل وبعض أفكار الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو، ومن ثم يمكن أن نطلق على تفسير الجواهر”تفسير” العلوم الكونية والتجريبية). ويؤكد طنطاوي جوهري أن أزمة هذه الأمة لن تحل إلا بـ”العبادة والعلوم”.([4]) ولعله من جهة أخرى أراد أن يعلى من شأن “العلم” الذى تراجع في واقع الأمة، وساد الجمود على العلوم التى سميت “العلوم الدينية” والحواجز التى أقيمت بينها وبين علوم العمران وهو ما ذكره في إحدى الفقرات المطولة نحيل القارئ إليها والتي توضح دوافعه الذاتية نحو السير والمنحى العلمي للتفسير القرآني.([5])

اهتمت الأنساق التفسيرية في المنحى العلمي  بـ :

تقديم تفسيرات علمية لبعض الآيات والحوادث والوقائع في القرآن ( محمد عبده في سورتي الفيل والانشقاق ) .

– تفسير الآيات القرآنية بمفاهيم العلم المعاصر ، وما توصل إليه من اكتشافات علمية ( طنطاوي جوهري –تفسير الجواهر ) .

وحول هذا النوع من التفسير يقدم حسن البنا رؤية نقدية لهذه المنهجية ويرى أن هناك مزالق متعددة وقع المفسرون فيها نظرًا لرغبتهم في مسايرة العصر وما اكتنفه من نهضة علمية فمن المقرر ” أن القرآن الكريم لم ينزل ليكون كتاب هيئة أو طب أو فلك أو زراعة أو صناعة، ولكنه كتاب هداية وإرشاد، وتوجيه اجتماعي إلى أمهات المناهج الاجتماعية التي إذا سلكها الناس سعدوا في دنياهم وفازوا في آخرتهم، وهو [ أي القرآن  ] عندما يعرض للعلوم الكونية ولمظاهر الوجود المادية والطبيعية بالقدر الذي يعين على الإيمان بعظمة الخالق جل وعلا، ويكشف من بديع صنعه. وعما أودع في الكون من المنافع والفوائد لبني الإنسان حتى ييسر لهم بذلك طريق الاهتداء إلى الاستفادة مما في الأرض والسماء”.([6])

ويرى أيضا بأن محاولات الربط بين القرآن والنظريات العلمية تكليف بما لم يكلفنا الله به، ويصل في أحوال كثيرة إلى التكلف [ أي الاصطناع ] بما يخرج بالقرآن ما نزل بكونه كتاب هداية وإصلاح…كما أنه يعرض القرآن لاختلاف الآراء العلمية وتضاربها وكذبها.

المعنى الذي يود الإمام البنا تأكيده في هذا المنحى هو أن القرآن بتناوله للمظاهر الكونية والمادية، إنما يأتي في إطار تهيئة المناخ للعقل كي يفكر ويتأمل ويكتشف ويخترع. والقرآن من ناحية أخرى لا يمكن أن يتصادم مع ما توصل إليه العقل الإنساني من حقائق العلوم ومقرراتها، وخصوصاً إذا م وجدنا أن هذه المقررات العلمية تنقسم على قسمين: قسم تظاهرت عليه الأدلة وتوفرت الحجج المقنعة والقاطعة حتى كاد أن يلحق بالبديهيات، وقسم لازال في طور البحث العلمي وكل ما في يدي العلماء فروض تؤيدها بعض القرائن  التي لم ترق بعد إلى مرتبة الأدلة.

وفيما يتعلق بالنوع الأول (الحقائق) يرى البنا أن القرآن يوفقه تمام الاتفاق ويعتبر من إعجاز القرآن، [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ] ومن هذا القبيل ما يتصل بنشأة الإنسان وحقيقة الحياة وبدء التكوين وصلة الأرض بالسماء،  بينما النوع الثاني من الظلم والتجني أن نخضع له تفسيرات القرآن أو أن نخضع القرآن له.

 


 

([1])الأصفهاني ،محمد على الرضائى. مناهج التفسير واتجاهاته. تعريب. قاسم البيضائي، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2008،ص244.

([2])عبده، محمد. الأعمال الكاملة. جـ3، تحقيق ودراسة : محمد عمارة، القاهرة: دار الشروق، 1993، ص299.

([3])جوهري، طنطاوي. الجواهر في تفسير القرآن. جـ 1، القاهرة: مطبعة الحلبي ، 1350 هـ، ص2.

([4])جوهري، طنطاوي. الجواهر في تفسير القرآن. جـ 2، مرجع سابق ص66.

([5]) المرجع السابق ، جـ 1، ص290.

([6]) البنا، حسن. مقدمة في التفسير، مرجع سابق ص 20-21.