اعلم – أخي المسلم – أن الأصل في الصلوات الخمس أن تُصلَّى كل منها في وقتها الشرعي قال تعالى : ﴿‌إِنَّ ‌الصَّلَاةَ ‌كَانَتْ ‌عَلَى ‌الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]. فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة، ولايجوز لمسلم أن يأتي بها في غير وقتها المحدد إلا لعذر شرعي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر. بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. الفتاوى ( ٢٢/ ٥٣). فكل من يجمع بين صلاتين بدون عذر شرعي جمعه باطل، وصلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدَّر لها شرعاً. وهنا عشرون قولاً في جواز الجَمْع بين الصلاتين في الحَضَر للمطر وغيره من الأعذار المبيحة.

وأمرُ الجمع موكول إلى الإمام، لأن ” الإمام ضامِن ” كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جَمَع جَمَع معه الناس، وإن لم يجمع لم ينكروا عليه. فهو رخصة في أحسن أحواله، ولايجوز الجمع لعُذر المطر للمنفرد أو لمن يصلون جماعة في بيوتهم، لأن الجمع قد شُرع لرفع مشقة الحضور إلى المسجد، ومحافظةً على صلاة الجماعة. وهو يتفق مع قاعدة رفع الحرج في الشريعة ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ‌مِنْ ‌حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

 قال شيخ الإسلام : “ونقول بما جاءت به السنة والآثار من الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض – كما في حديث المستحاضة – وغير ذلك من الأعذار، ونقول بما دلَّ عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان، وقت اختيار، وهو خمس مواقيت، ووقت اضطرار، وهو ثلاث مواقيت”.  (القواعد النورانية ٤١ ).

  وقد جَمَعتُ قرابة العشرين قولاً من النصوص والآثار التي تُثبتُ الجمع للمطر والعذر، وتبين ضوابط هذا الجمع منها:

  ١- عن ابن عباس رضي الله عنهما : جمَع رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بين الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، والمغرب والعشاء بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ، [ ولا مطر ] . سئل ابْنُ عَبَّاسٍ عن ذلك؟، فَقالَ: *أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّته.* قال مالك بعده : أرى ذلك كان في مط[1]ر.

  ٢- قال عبدالله بن شقيق:

خطبنا ابن عباس بالبصرة يومًا بعد صلاة العصر حتى غربت الشمس، وبَدَت النجوم، وجعل الناس يقولون؛ الصلاةَ الصلاةَ، فجاءه رجلٌ من بني تميم، لا يفتُر ولا ينثني؛ الصلاةَ الصلاةَ، فقال ابن عباس: أتُعلمني بالسُنـّة لا أمّ لك!؟

ثم قال؛  رأيت رسول الله ؛ جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال عبدالله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدَّق مقالتَه[2].

  ٣- *جمَع عمر بن الخطاب بين الظهر والعصر في يوم مَطِير[3].

  ٤- عن نافع – وهو مولى ابن عمر-  أن عبدالله بن عمر كان إذا جمَع الأُمراء  بين المغرب والعشاء في المطر جمَع معهم[4].

  ٥ – وهو عمل أهل المدينة؛  قال ابن عبد البر في الإستذكار 6/31.

*عن الجمع بين الصلاتين في ليلة المطر* : َوهو أمر مشهورٌ بالمدينة، معمولٌ به فيها. وبه قال أحمد وإسحاق.

  ٦ – عن ابن عباس؛ أن النبي صلّى بالمدينة سبعًا وثمانيًا،

الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.  فقال أيوب؛ لعلّه في ليلة مطيرة؟  فقال جابر؛ عسى. (متفق عليه)

  ٧ – ذكر ابن المنذر من جَمَع من الصحابة والتابعين في الحضر

فقال: عن ابن عمر قال: إذا كانت ليلة مطيرة كانت أمراؤهم يصلون المغرب ويصلون العشاء قبل أن يغيب الشفق،  وفعل ذلك:  أبان ابن عثمان – وعروة ابن الزبير – وسعيد بن المسيب – وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام –  وأبو سلمة بن عبد الرحمن –  ومروان بن الحكم – وعمر بن عبدالعزيز[5].

   ٨ – قال مالك:  يُجمع بين المغرب والعشاء في الحضر – وإن لم يكن مطر –  إذا كان طين وظلمة، ويُجمع أيضاً بينهما إذا كان المطر[6].

  ٩ – قال النووي رحمه الله؛ يجوز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر[7].

  وقال أيضاً : “قال أصحابنا : والجمع بعذر المطر ومافي معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بُعد ويتأذى بالمطر في طريقه”[8].

 ١٠ – وقال النووي رحمه الله في “شرح مسلم”: وذهب جماعة من الأئمة إلى *جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة[9]، وهو قول؛  ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير، من أصحاب الشافعي عن أبي إسحق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس:  “أراد أن لا يحرج أمته”.  فلم يعلله بمرض ولا غيره

  ١١ – قال ابن خزيمة: لم يختلف علماء الحجاز على أن الجمع بين الصلاتين في المطر جائز[10].

  ١٢ – قال العلامة ابن سعدي: والصحيح جواز الجمع إذا وُجِد العُذر[11].

  ١٣ – فتوى اللجنة الدائمة، برقم ٤٢٦٣ ورقم ٥١٣٣ ورقم ٧٧٥٧ وفيها:

يشرع الجمع بين الصلاتين للمسافر والمريض وللمقيم في الليلة المطيرة، وله أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة مع المغرب جمع تقديم.

  ١٤ – قال العلامة الألباني رحمه الله، بعد أن ساق الآثار التي في الموطأ قال: وذلك يدل على أن الجمع للمطر كان معهودًا لديهم. ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي المطر كسبب مبرر للجمع[12].

وسمعته يقول: ويجب على الإمام الراتب أن يحضر إلى المسجد ليصلي بالناس الصلاة الثانية – وإن كانت له نافلة –  مادام أن بعضهم يأتي إليها.

  ١٥ – وسئل العلامة ابن باز رحمه الله عن الجمع في الوقت الحاضر في المدن والشوارع معبدة ومرصوفة ومنارة، فقال:

لا حرج في الجمع بين المغرب والعشاء والظهر والعصر للمطر الذي يشق معه الخروج إلى المساجد* …. الخ[13]، وقال: أما الجمع فأمره أوسع ، فإنه يجوز للمريض، ويجوز أيضا للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر، او الدحض، بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، ولايجوز لهم القصر[14].

  ١٦ – وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله عن الجمع بين الصلاتين بعذر المرض والمطر فقال: ” الجمع جائز إذا كان في تركه مشقة، أو تفويت جماعة، مثال الأول : المرض، ومثال الثاني: الجمع حال المطر لجماعة المسجد”[15].

  ١٧ – قال الإمام أحمد في رواية الميموني: إن ابن عمر كان يجمع في الليلة الباردة، وزاد غير واحد: (ليلاً)[16].

  ١٨ –  بل ذهب بعض الأئمة المحققين الفقهاء وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الجمع للحاجة والشغل، مستدلين بأثر ابن عباس.

  قال ابن تيمية رحمه الله:  ” فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر، وقد استدل بما رواه على ما فعله ، فعلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر، ولكن ابن عباس كان في أمر مهم من أمور المسلمين، يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته، ورأى أنه إن قطعه فاتت مصلحته، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر، بل للحاجة تعرض له، كما قال : أراد أن لايحرج أمته، ومعلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر ولا لسفر أيضاً… ولا لخصوص النسك فإنه لو كان ذلك لجمع من حين أحرم، وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته، فإذا احتاجوا الجمع جمعوا”[17].

 وقال: ويجوز عند أحمد وعند مالك وطائفة من أصحاب الشافعي الجمع للمرض[18].

  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك* وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء[19].

 ١٩- وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

“وذهب طائفة من الفقهاء منهم – أشهب من المالكية، وابن المنذر من الشافعية، وابن سيرين وابن شبرمة – إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة.

قال ابن المنذر: يجوز الجمع في الحضر من غير خوف، ولا مطر، ولا مرض. وهو قول جماعة من أهل الحديث لظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: { إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر} فقيل لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته.

ولما روي من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من أنهم كانوا يجمعون لغير الأعذار المذكورة”[20].

  ٢٠- ونفى الحافظ ابن حجر أن يكون جَمْعُ النبي صلى الله عليه وسلم المذكور صورياً، لأن الحرج في الجمع الصوري أشد منه في الصلاة على وقتها جماعة، فقال : “وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر الحديث، فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقاً لكن بشرط أن لايتخذ عادة، وممن قال به : ابن سيرين، وربيعة، وأشهب ، وابن المنذر، والقفال الكبير، وحكاه الابي عن جماعة من أصحاب الحديث، واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: فقلت لابن عباس: لم فعل ذلك ؟ قال: أراد أن لايحرج أحدا من أمته، وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر، ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فَعَلَ ذلك من شُغْل، وفي رواية لمسلم أن شُغله كان بالخطبة بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء، وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه، وماذكره ابن عباس من التعليل جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعا أخرجه الطبراني، وفيه : ” صنعت هذا لئلا تحرج أمتي ” وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لايخلو عن حرج”[21].