في عالم يسبق سلاح الكلمة فيه كل سلاح ويمكن لكل صاحب عقل -مهما وهنت قوته البدنيه أو خلت يده من السلاح التقليدي أو النووي – أن يحدث جراحات لها أثرها في خصمه وأن يقلب البرئ إلى مجرم والظالم إلى مدافع عن حقه في الحياة، تبدوا أهمية الإعلام بمختلف وسائله القديم منها والحديث.

وفي زمن تتواصل فيه المحاولات المستميته لشيطنه الآخر وجعله العدو الألد والأخطر على الإنسانية تبدوا أهمية الكلمة التي ترشد العقل ليختار عن بينّة ويزن بموازين العدل والمنطق لا تقوده حملة موجهة ولا صاحب لسان سليط يخلط الدعابة بالرسائل المبطنة أو يلوي عنق النصوص ليخرج بنتائج لا تدل عليها المقدمات وشواهد لا تشهد لشئ مما يدعي ووثائق عبارة عن جملة أكاذيب ليس بينها وبين الوثيقة أدنى صلة

وقد شهد عصرنا تقدما مذهلا في عرض الأفكار والمبادئ ونهما شديدا في تتبعها ونشرها بين الناس.

تعالت صيحات المخلصين منذ زمن بعيد بضرورة أن يكون لهذه الأمة إعلامها الذي يعبر عن قضاياها ويشرح مواقفها ويلتزم بقيمها  التي من أهمها الكلمة الطيبة التي ترضي الله وتنفع الناس.

من صفات الكلمة الطيبة:

1- أنها مخلصة للحق والحقيقة وقد كشفت الأيام عن سقوط أقنعة عدة كان يستتر بها من كنا نظن به الخير.

2- تخاطب الفطرة التي فطر الله الناس عليها وتزيح الغبار المتراكم عليها.

3- تنظر إلى الإنسان على أنها فرد من مجموع   فتسعى إلى مد جسور التواصل بينه وإخوانه في الدين والإنسانية.

4- تستشرف المستقبل ولا تعادي الماضي  فهي مرتبطة بالأصل متصلة بالعصر.

5-تبث الأمل في نفوس المتلقين وتبشر بقرب الفجر الصادق وتحث الناس على اللحاق بركب العاملين الذين يسعون بجد وإخلاص ويرون ضرورة الوعي قبل السعي.

6- تسعى لتهذيب الغرائز وتعليم الإنسان كيف يسيطر عليها ويوجهها الوجهة التي تتوائم مع مهمة الإنسان الذي خلقه الله لأجلها.

7- تعرض تجارب النجاح ومعاناة أصحابها وكيف تغلبوا على العقبات وحددوا أهدافهم بدقة.

8- تستمد نورها من الشرع وحرارتها من العاطفة فتخرج بانية هادفة تحرك الإنسان  نحو الخير والحق والجمال.

9-تقاوم القبح في الأقوال والأفعال والمواقف بالحكمة والصبر والدأب.

10-كلمة تلامس هموم الإنسان المعاصر بلا إغراق في التنظير أو تسطيح للمواضيع المهمة.

11-تستخدم المفردة السهلة والأسلوب الذي يفهمه عموم الناس دون تقعر واستخدام للغريب ولعل أحد أهم المشاكل التي تواجه من يرغب في القراءة هي لغة الكتّاب التي تخاطب فئة من المثقفين دون أن تحرص على كسب المزيد من الجمهور.

12- تناقش الموضوعات الشائكة دون أن تخشى لوم متخوف على الثوابت لا يملك إلا تخوفه ومن يعتبر نفسه حارسا للتراث دون أن يعيه بل تسلك الطرق العلمية المتبعة في النظر والاستدلال مع مراعاة ارتباط الناس بما ألفوه وصعوبة تغيير الأفكار.

13- تلتزم بالحسنى مهما كان فحش الطرف المقابل وفي اللغة ما يشفي الغليل دون أن يتجاوز المتكلم التي هي أحسن .

14-تستمسك بالإنصاف وإن بغى الآخرون فتبين ما لهم من محاسن دون انتقاص وما وقعوا فيه من أخطاء دون زيادة.

15-تلتزم رأب الصدع وجمع الشمل بل تطمح لما هو أعلى من ذلك أن تجمع الفرقاء في عمل يقرب البعيد ويكتشف كل طرف ما عند الآخر من مزايا وتتبدد فيه الشكوك التي يثيرها الوهم ويحفزها شياطين الإنس والجن.

16- ومن صفات الكلمة الطيبة أنها كلمة منتقاة يعلم صاحبها أن الكبير والصغير والرجل والمرأة يقرأها أو يشاهدها فيختار من الألفاظ ما يتناسب مع الذوق العام وفي اللغة من السعة ما يمكن الإعلامي من اختيار ما يدل على مراده دون أن تستنكره الأذواق السليمة (ومن أَحْسن الكِناية اللَطيفة عن المعنى الذي يَقْبحُ ظاهرهُ: قيل لعُمَر بن عبد العزيز وقد نَبتَ له حبنٌ[1] تحت أُنْثَيَيْه: أين نبَتَ بك هذا الحِبْن؟ قال بين الرانفة[2] والصَّفْن)[3].

17-تجمع بين الحديث عن الرضا بما قسم الله والطموح للمعالي.

18-تبث السكينة في النفوس القلقة وتقدم الهداية للعقول الحائرة.

19-تقاوم النزعة الاستهلاكية التي تفتح أبواب الشرور على مصراعيها وتجعل من صاحبها نهما لكل جديد وإن كان غنيا عنه وتوجه الإنسان إلى الرشد في الانفاق.

20-تنمي  النقد الايجابي والحوار البناء ابتداء بأفراد الأسرة  وزملاء العمل وجيران المنزل وانتهاء بمجتمع يستطيع التفاهم بالحوار والوصول إلى حلول عادلة يقبلها أصحاب العقول الصحيحة ويستحي أصحاب الهوى من ردها.

21-كلمة توقظ الوعي وتحرك الفكر نحو آفاق رحبة يستفيد منه الإنسان في دينه ودنياه ففكرك إن لم تشغله بالحق شغلك بالباطل.

22-تخاطب الأطفال بلغة تدرك حاجتهم وتلبي مطالبهم النفسية والعقلية فهم نصف الحاضر وكل المستقبل وأصحاب النوايا السيئة يتسابقون  للاستحواذ عليهم والغلبة لمن أحسن التعامل مع هذا الكنز.

23-تلتزم الصدق وتبتعد عن المبالغة وتؤمن بمبدأ قول نصف الحقيقة نوع من الكذب فتنقل الأقوال كاملة ولا تجتزأ من النصوص ما يخدم الغرض وإن جافى الصواب.

وليعلم صاحب الكلمة الطيبة أن كل كلمة تلقى أو مشهد يُرى يترك أثرا في النفس قد يظهر للتو وقد يبقى حتى يأتي ما ينضاف إليه فيشكل دفعا للحق ونصرة للمظلوم.

الكلمة الطيبة التي تساهم في نشر الفضيلة وبناء الأمة ووحدة الصف والتعاون البنّاء بين بني آدم أمنية يسعى لها كل مخلص لدينه وأمته وفي سبيل تحقيقها أقترح ما يلي:

1-اكتتاب أو وقف يوفر مؤسسة إعلامية ملتزمة بالأخلاق، متحررة من قيود الممول ، تقدم الخبر في إطار من الصدق والموضوعية ، وتقدم المعرفة التي تنير للناس حياتهم،  وتراعي في جانب الترفيه عن النفس والترويح عن القلوب عدم الخروج عن حد الخلق وسياج الفضيلة.

2-تقدم هذه المؤسسة رسالة تعني بتزكية الفرد، وتطوير الذات، وتعاون الجماعة، وإزالة معوقات التنمية ،وتحقيق الشراكة بين أبناء الأمة وبقية الأمم الأخرى لما فيه خير الإنسانية.

3-إنشاء مرصد يتابع العملية الإعلامية ويقوِّم المنتج النهائي من خلال المعايير الأخلاقية ،ويقدم الإرشاد للأفراد والمؤسسات.

4-بيان خطر ظواهر العنف والإدمان والسلبية..إلخ، وكيف يتعاون المجتمع بأفراده ومؤسساته لمقاومة طوفان الظواهر السلبية.

5-التقريب بين شعوب العالم الإسلامي وربطها برباط الأخوة الوثيق، وعرض القواسم المشتركة بين تلك الشعوب، وسبل التعاون وآفاقه .

6-متابعة ردود أفعال الناس حول ما تطرحه الوسيلة الإعلامية من قضايا وطريقة طرحها.

7-رسم خارطة إعلامية يشارك في وضعها أهل الاختصاص وجمهور المتلقين تعالج ما يحتاجه الناس من مختلف الجوانب تستهدف ترقية الذوق وتحسين الأخلاق وتعليم طرق التفكير الصحيحة والمحافظة على الصحة العامة وتسعى لبناء الخليفة الذي ائتمنه الله على كونه

8-التدريب المستمر والسعي الداءب نحو الجودة والنفاذ والتأثير.

لعل هذه بعض المعايير التي ينبغي أن يبحث عنها من يتابع الإعلام ويبحث عن كلمة طيبة تخبر عن الحقيقة وتدفع للمعالي وتجمع بين الناس فإن وجدها قدم الدعم لقائلها والمنصة الإعلامية التي يطل منها على الناس وإن افتقدها عاقب من يتكلم بها بإهماله وعدم متابعته ففي النهاية كل الوسائل الإعلامية تنشد رضا الجمهور ومتابعته وبذلك يستخدم الإنسان حقه في دعم الإعلام الراقي ومحاربة الإعلام الهابط وفي ذلك انحسار للشر.

وختاما فإن الكلمة الطيبة (تحمل في طياتها القوة المؤثرة ولا تحتاج معها إلى قوة تضافرها وتشد أزرها وإن كانت لا تمنع وهذا ما كان من شأن الكلمة في الدعوة الخاتمة على لسان الرسول الخاتم فالكلمة هي لسان دعوته وهي معجزتها التي تحدت بها في كل زمان ومكان)[4]

 


[1] – ورم 3/250

[2] – الرانفة :منتهى أطراف الإليتين مما يلي الفخذين لسان العرب 9/127

[3] – العقد الفريد 1/ 242

[4] -فصول في الدعوة والثقافة الإسلامية د/حسن عيسى عبد الظاهر