إسلام أون لاين- الدوحة

توجت قطر جهودها في مجال أبحاث الخلايا الجذعية بالإعلان عن إطلاق “مركز لأبحاث الخلايا الجذعية”، يتماشي مع تعاليم الدين الإسلامي، ويكون بمثابة حلقة وصل بين الكثير من المعاهد والمراكز البحثية المعنية بتلك الأبحاث في العالم، الأمر الذي يفتح آفاقا أوسع للتوصلإلى علاج للأمراض المستعصية مثل السرطان وغيره من الأمراض المنتشرة في المنطقة،  ضمن إطار أخلاقي وديني مقبول.

جاء هذا الإعلان خلال افتتاح “مؤتمر قطر الدولي حول علوم وسياسات الخلايا الجذعية” الذي بدأ فعالياته بالعاصمة القطرية الدوحة اليوم الإثنين 27-2-2012 ويستمر لمدة 4 أيام، والذي يعد هو الآخر بمثابة خطوة تمهد الطريق أمام اكتشافات جديدة وتطوير الأبحاث في مجال الخلايا الجذعية.

وشارك في المؤتمر الذي تنظمه كل من “مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع”  و “معهد جيمس بيكر الثالث للسياسة العامة”، نحو  450 شخصاً بينهم جمع من كبار خبراء أخلاقيات البحث العلمي وصناع القرار والسياسات والعلماء من مؤسسات رائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة الخليج والشرق الأوسط.

رحلة بحثية

وفي كلمته خلال افتتاح المؤتمر، كشف الدكتور عبد العالي الحوضي، نائب الرئيس للبحوث في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، ونائب مدير معهد قطر للبحوث الطبية الحيوية، عن إطلاق “مركز أبحاث الخلايا الجذعية في دولة قطر”، ليكون جزء من مؤسسة قطر في مجال الطب الحيوي، وأشار إلى “إن هذا المركز سيكون بمثابة حلقة وصل بين الكثير من المعاهد التي تركز على موضوع الخلايا الجذعية”.

 وبين أن هذا المركز سيكون له إمكانياته للبحث في حلول وعلاج العديد من الأمراض المستعصية، مثل السكري وأمراض السرطان وأمراض الشرايين والقلب، وأوضح أن إطلاق هذا المركز، يأتي تتويجا لرحلة بحثية استمرت 5 سنوات في مجال أبحاث الخلايا الجذعية، استندت على فتوى من كبار العلماء في عدد من دول العالم العربي تجيز استخدام الخلايا الجذعية للعلاج.

واستعرض الحوضي في كلمته، تاريخ الاهتمام بأبحاث الخلايا الجذعية في قطر، والذي  بدأ عام 2007، وبين أنه نظرا لإمكانيات الأبحاث في هذا المجال التي تعني بعلاج والوقاية من كثير من الأمراض، جعلنا أبحاث الخلايا الجذعية أحد الأولويات في مجال الطب الحيوي في دولة قطر.

وتابع: “منذ أن بدأنا هذه الأبحاث في قطر، أخذنا خطوات جدية في تطوير القدرات والمعرفة والجهود التي تدفع بتطوير أبحاث قطر في هذا المجال، وأحد الجهود التي قمنا بها في هذا الصدد التحقق وبحث الجوانب الأخلاقية والدينية فيما يتعلق بأبحاث الخلايا الجذعية، كونها أحد الموضوعات المثيرة للجدل”

وفي هذا الصدد- يكمل الحوضي- قامت مؤسسة قطر  عام 2009 بفتح حوار في منطقة الشرق الأوسط بالشراكة مع مؤسسة جيمس بيكر ومركز الدراسات الإسلامية وعدد من كبار العلماء في العالم العربي الذين اجتمعوا ، وأصدروا فتوى تجيز استخدام الخلايا الجذعية الجنينية لأغراض البحوث والعلاج، وتؤكد أهمية أبحاث الخلايا الجذعية في المنطقة.

وبين الحوضي أن تلك الفتوى أتاحت لقطر أن تصبح من أكثر الدول انفتاحا في مجال الأبحاث الخلايا الجذعية من الجانب الأخلاقي والإسلامي وفتحت المجال أمام كثير من دول المنطقة للبحث في هذا المجال، وبناء على ذلك عملت مؤسسة قطر على بناء القدرات للتوسع في برنامج الخلايا الجذعية ودعت الكثير من الباحثين في مختلف دول العالم لهذا الغرض.

أمل جديد للمرضى

 وحول أهمية “مؤتمر قطر الدولي حول علوم وسياسات الخلايا الجذعية”، قال د. الحوضي: “لقد عقدنا هذا المؤتمر لأننا ندرك الإمكانات الخاصة التي تتيحها بحوث الخلايا الجذعية للصحة البشرية، حيث يسعى المشاركون فيه من خلال الجلسات والحلقات النقاشية إلى مواجهة التحديات التي تواجه جهودنا في مجال تطوير بحوث الخلايا الجذعية، بشكل يفتح آفاقا جديدة لعلاج الكثير من الأمراض مثل السرطان والسمنة.

وأعرب عن أمله في أن يسهم هذا المؤتمر في وضع الأرضية المستقبلية للأبحاث في مجال الخلايا الجذعية، ولبحث الجوانب الخاصة بالنواحي الخلايا الجنينية والأبحاث الخاصة بالأمراض وكذلك الفرص والتدحيات التي تواجه هذه الأبحاث.

وبين أن المرتمر يرتكز على ربط  كل من الأبحاث والسياسات والأخلاق، الأمر الذي سيوفر منصة لتبادل الخبرات والمعرفة وزيادة مستوى التعاون بين كثير من الجهات الفاعلة في هذا المجال  بين قطر والعالم.

وشدد الحوضي على أنه رغم ما تحقق في هذا المجال، فمازال العلم في مهده، ومازال هناك العمل والجهد اللازم لتلبية الإمكانيات و الفوائد الصحية  التي يمكن أن يقدمها هذا المجال، و هذا المؤتمر سيخطو خطوة أخرى لتوفير هذه الفوائد للمرضى ليس في قطر فقط بل على مستوى دول العالم.

الحوار من أجل العلم

من جانبه، أعرب السفير “إدوارد دجيرجيان” المدير المؤسس لمعهد جيمس بيكر للسياسات العامة عن شكره وتقديره للشيخة موزا بنت ناصر، حرم أمير قطر، على الجهود الكبيرة التي تقوم بها في دفع جهود التنمية والبحث العلمي في قطر.

وبين إن الشراكة مع مؤسسة قطر لتنظيم هذا المؤتمر الهام يحقق رسالة “مؤسسة جيمس بيكر”، من أجل تعزيز التقدم في مجال البحث العلمي، موضحا أن هذه الشراكة تقدم الحوار الضروري من أجل تقدم البحث العلمي وتعزيز تطبيق السياسات المتعلقة بتلك البحوث.

وأوضح أن هذا المؤتمر يتناول عدداً من البحوث المتعلقة بالخلايا الجذعية، كما يهتم بتصورات الشباب الأمريكي والعربي الباحثون في هذا المجال ومعرفة التحديات التي تواجههم.

وفي معرض حديثه عن الجهود التي تتعلق بموضوع الخلايا الجذعية في الولايات المتحدة، أشار إلى أنه مازال هناك جدل وخلاف حول مدى أخلاقية البحث في مجال الخلايا الجذعية، رغم  الإرشادات وتأييد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإجراء هذه الأبحاث عام 2009 .

يذكر أن مسألة بحوث الخلايا الجذعية للأجنة البشرية ظلت موضعا للشد والجذب في أوساط سياسية ودينية أمريكية؛ حيث تجادل الأطراف التي عارضت هذه البحوث بدعم من الرئيس السابق جورج بوش الابن بأن التقنيات المستخدمة تتضمن تدمير أجنة بشرية، بينما يقول المدافعون عنها إنها يمكن أن تحدث تحولا في العلوم الطبية، وقد استخدم بوش في يوليو 2006 حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قانون يقضي بتمويل مزيد من الأبحاث العلمية والطبية على الخلايا الجذعية، لكن تم السماح بالتجارب بشكل رسمي بعد أقل من ثلاثة أيام من تولي الرئيس أوباما لمهام رئاسته، وكان قد تعهد في برنامجه الانتخابي برفع القيود على التمويل الفيدرالي والدعم لبحوث الخلايا الجذعية للأجنة البشرية.

وعندما انتقل السفير “إدوارد دجيرجيان”  في حديثه إلى قطر، لفت إلى الدور الإيجابي التي قامت به  الفتوى التي صدرت عام 2009 “والتي قدمها أحد العلماء المسلمين وسمحت باستخدام الخلايا الجنينية في العلاج”، مشيرا إلى أنها “أسهمت في تذليل الصعاب إلى حد كبير، وهناك في قطر فرص مهمة لتطوير الأبحاث في هذا المجال، فقطر لديها السياسات الأجود فيما يتعلق بأبحاث الخلايا الجذعية المتماشية مع الأخلاق الإسلامية”.

وأعرب “دجيرجيان” عن أمله في أن يقدم هذا المؤتمر فرصة مهمة لتحويل العلاقة بين السياسة والعلم بما يسمح بتقاسم الأفكار في مجال الخلايا الجذعية.

لماذا الخلايا الجذعية؟

بدوره، تعرض الدكتور “ديفيد بلتيمور” الحائز على جائزة نوبل في الطب ورئيس معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في كلمته عن أهمية الأبحاث في مجال الخلايا الجذعية، قائلا ” لو نظرنا على مدار السنوات الماضية إلى تطور علوم الطب لوجدنا أن السبب الذي أحدث فارقا هو أبحاث الكيمياء، مثل اكتشاف الأسبرين لمعالجة الصداع ، والمضادات الحيوية، وغيرها”، لكنه بين أن الأمراض ليست كيميائية بطبيعتها، حيث تتعلق بالخلايا ، فخلايا تهاجمها خلايا أخرى وتحدث المشاكل عن طريق الفيروسات، ولذلك عندما نتحدث عن الخلايا باعتبارها أساس حدوث الأمراض فإن هذا يعتبر كلاماً صحيحاً ودقيقاً.

وبين أن الآلية التي تدفعنا إلى المستقبل هي أن ننظر إلى الخلايا باعتبارها علاجا وخاصة الخلايا الجذعية، موضحاً أن هذا الأمر مازال جديدا في الطب في مجال الأبحاث والعلاج، حتى لو كان هذا المصطلح يتردد منذ وقت طويل.

وبين أن الخلايا الجذعية لها وظائفها المعتادة في الجسم وتقوم بها كما خلقها الله ، لكن هناك نوع من الخلايا يمكنها أن تكون حاملة للجينات والصبغات الوراثية، فإذا كان هناك مرض جيني معين وكان هذا المرض يصيب خلايا الدم أو خلايا المناعة، فمعنى ذلك أن الوصول إلى هذه الخلايا – من خلال الخلايا الجذعية وتعديلها- والتعامل معها يمكن أن يسهم في العلاج وهو ما يتم من خلال الخلايا الجذعية، وبالتالي فإن تعديل الخلايا الجذعية يمكننا من أن نزرع خلايا جديدة في جسم الإنسان يمكنها مكافحة الأمراض.

الفرص والتحديات

وفي مستهل جلسة نقاشية حول، الفرص والتحديات والإمكانيات العلاجية للخلايا الجذعية، أشاد الدكتور ريتشارد كلاوسنر مدير “كولام جروب ” المدير السابق لمعهد السرطان الوطني الأمريكي بالرؤية الطموحة لدولة قطر وقيادتها، مشيرا إلى أن قطر تبنت منذ بداية الألفية الثانية القيم العلمية والتعليمة والاستكشافية لصالح مستقبل مواطنيها وللمساهمة على الساحة العالمية.

وأشار في هذا الصدد إلى ضرورة إشراك العالم العربي والإسلامي فكل ما من شأنه أن يحقق الفائدة للبشرية خلال القرن الحادي وعشرين وفتح أفاق جديدة في مجال البحث والاستكشاف، وبين أن هذا يتطلب حوار بين التقنيين والعلميين من جهة وبين المجتمع الذي يدعم الأبحاث.

وأشار الخبراء المشاركين في هذا الجلسة إلى التحديات الكثيرة التي تواجه عالم الأبحاث في مجال الخلايا الجذعية ، وأكدوا أن العلم في هذا المجال مازال في البدايات حيث لم نصل إلى مستوى التطبيقات الطبية، واعتبروا أن هذا المؤتمر هو جزء من حوار ونقاش متواصل حول الاستفادة القصوى من خبرات الأخصائيين المشاركين في هذا المجال. كما ركزوا على التوصل إلى أفكار خاصة بالعلوم وترجمة الأبحاث الطبية والمساهمات الخاصة في العلوم الأساسية .

جدير بالذكر أن “المؤتمر الدولي للخلايا الجذعية والسياسات المتعلقة بها “، يعد ذروة الأنشطة في سلسلة المبادرات التي قادتها مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع لتطوير بحوث الخلايا الجذعية في قطر والمنطقة بالشراكة مع معهد جيمس بيكر الثالث للسياسة العامة، ومن خلال التعاون مع كلية الدراسات الإسلامية في قطر.

ويعتبر المؤتمر بمثابة منبر دولي لمناقشة أحدث الاكتشافات في مجال بحوث الخلايا الجذعية، و بحث إمكانية التعاون في سبيل إيجاد أساليب علاجية جديدة تستخدم فيها الخلايا الجذعية، وذلك في إطار أخلاقي وثقافي وديني.

وعلى مدار الأيام القادمة، سيتم دراسة العلوم والنواحي الأخلاقية والسياسات المتعلقة ببحوث الخلايا الجذعية، والتباحث أيضا في أحدث التطورات في هذا الحقل، وتمهيد الطريق لمزيد من التعاون الإقليمي والدولي.

كما سيتعرض المؤتمر لسياسات الخلايا الجذعية في الشرق الأوسط ، وسيتناول مواضيع مثل الخلايا الجذعية المكونة للدم والسرطان، وبنوك الخلايا الجذعية، والأبحاث الجنينية والتبرع بالبويضات.

الخلايا الجذعية في سطور

الخلايا الجذعية هي خلايا غير مكتملة الانقسام، قادرة تحت ظروف مناسبة على تكوين خلية بالغة من أي عضو من أعضاء الجسم، وبالتالي يمكن اعتبارها نظام “إصلاح وتجديد” للجسم. وعليه يمكن أن تزرع في جسم الإنسان في المكان الذي به تلف لأحد الأعضاء فيستعيد العضو وظيفته، حيث تنمو وتنقسم الخلايا الجذعية مكان الأنسجة التالفة، وهي بذلك يمكن أن تكون علاجًا لأمراض وحالات إعاقة كثيرة، وهي نوعان: خلايا جذعية جنينية تستخرج من الأجنة نفسها، وخلايا جذعية بالغة تستخرج من مختلف خلايا الجسم مثل النخاع العظمي والعضلات وغيرها، ولكن لانتشار الاعتقاد بأن الخلايا الجذعية الجنينية تتضاعف بشكل أفضل من الخلايا البالغة، آثر العلماء استخدامها في أبحاثهم، وهو الأمر الذي يثير إشكاليات أخلاقية في العلاج.