( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال: 60].
جاء لفظ الإعداد الذي يقتضي في مفهومه التخطيط واستشراف المستقبل بالنظر البعيد والفهم العميق لمجريات الواقع والأحداث، ثم قدم المعد لهم على ماهية الإعداد إذ قال : (لهم )؛ للعناية والاهتمام وبث مفهوم اليقظة الدائمة في نفوس الأمة نحو عدوها، وغرس الوعي الإيماني بذلك، من خلال التوجيه الإلهي بالأمر بالإعداد لمواجهة مخططات الأعداء.

ووجه الأمة أن تستنفر كل استطاعتها في سبيل ذلك (ما استطعتم) بذكر (ما) دون (الذي) الموصولية الدالة على العموم لكل شيء من الاستطاعة، أو المحتملة للمصدرية بتقدير (استطاعتكم) للدلالة على استفراغ طاقة الحدث، فيكون النظم القرآني قد حث على استفراغ كل طاقات الحدث، وكل وسائل تنفيذه.

ثم ذكر (من) البيانية في هذا المقام وليست التبعيضية ( من قوة) ليبين ماهية الإعداد وأنواعه، وبدأ بذكر القوة ونكرها لتفيد عموم القوة، من قوة نفسية، وفكرية، وعلمية، ومادية، واقتصادية، وإعلامية، وعسكرية، وأن يبلغوا في ذلك غاية الاستطاعة لاستفراغ الحدث ووسائل تحقيقه، ومن وسائل القوة العسكرية الرمي، كما ورد في الحديث (ألا إن القوة الرمي) ولاشك أن القوة الجوية من الرمي الصاروخي والطيران يعد أقوى أنواع الإعداد في القوة العسكرية، وهو المتقدم في الحروب قبل القوة البرية ( ومن رباط الخيل) ولذلك ورد هذا الترتيب الحكيم في هذا البيان من التوجيه الإلهي المعجز.

ثم علل القصد من إعداد هذه القوة؛ و هو إرهاب العدو؛ حتى لا يطمع فيكم؛ لأن مجرد الإعداد للقوة، هو أمر يسبب رهباً للعدو. ولهذا تقام العروض العسكرية ليرى الخصم مدى قوة الدولة، وحين تبين لخصمك القوة التي تملكها لا يجتريء عليك، ويتحقق بهذا ما نسميه بلغة العصر ” التوازن السلمي “.
وصار الخوف من رد الفعل أحد الأسباب القوية المانعة للحرب. وكل دولة تخشى مما تخفيه أو تظهره الدولة الأخرى.
وهكذا يصبح الإعداد للحرب سببا لنفي قيام الحرب.