القول الفصل والحقيقة الجازمة في أضرار الهاتف المحمول وشبكاته وأجهزته ربما لا تظهر قبل عدة سنوات؛ فالأبحاث في أوروبا وأمريكا ما تزال مستمرة، ولم يعلن العلماء كلمتهم النهائية في هذه القضية العلمية حتى الآن.. هذا ما أكدته ندوة “شبكات المحمول وأثرها على البيئة” التي أقيمت أخيرًا بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، والتي أوضحت أن مستخدمي هذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة – الذين بلغ عددهم أكثر من 400 مليون مستخدم على مستوى العالم – ليس أمامهم سوى الحيطة والحذر والاعتدال في استخدام المحمول، والالتزام بشروط الأمان في تصميم وتنفيذ الشبكات وصناعة الأجهزة حتى يقول العلم كلمته.

وإذا كان علماء السويد – التي تعتبر من أكثر الدول تقدمًا في صناعة أجهزة الهاتف المحمول وتصديرًا له – قد أعلنوا امتناعهم عن استخدام “المحمول” حتى تنتهي الأبحاث الجارية بشأنه، والتي يدور بعضها حول تأثيره على الإصابة بالسرطان وعلى الجينات الوراثية؛ فإن الندوة قد وضعت عدة توصيات لتجنب الأخطار أو الأضرار المحتملة، وذلك بمراعاة المواصفات القياسية العالمية في إنشاء محطات وشبكات المحمول ومراقبته وقياس نسبة كثافة الطاقة الكهرومغناطيسية الصادرة منها، بحيث تكون في حدود نسبة الأمان المقررة دوليًا ومحليًا وهي 0.40 مللي وات/ سم، والالتزام باشتراطات الأمان المحددة، وهي الابتعاد عن الهوائي لمسافة ستة أمتار في اتجاه الشعاع الرئيسي له، ومتر واحد على جانبي وخلف وأسفل الهوائي، وأن تكون بعيدة عن ملامسة الجمهور، وعدم العبث بالأجهزة الخاصة بها.

كما أوصت الندوة بمراعاة الاعتدال في استخدام الهاتف المحمول من حيث الزمن المتصل للمكالمة الواحدة؛ بحيث لا يزيد عن ست دقائق، وعدم استخدامه في المكالمات إذا كانت الشبكة ضعيفة؛ لأن الجهاز في هذه الحالة يخرج أقصى طاقة له لجذب أكبر كمية من موجات الإرسال والاستقبال الكهرومغناطيسية، وتجنب استخدامه أثناء قيادة السيارات؛ حتى لا يؤثر على تركيز قائد السيارة، وترشيد استخدام المحمول بالنسبة للأطفال حتى 12 سنة، وتجنب استخدام النساء الحوامل له، وإبعاد الأطفال الرضع لملامسة هوائي الهاتف المحمول، خاصة الفم والعين؛ حيث يزداد التأثير بالموجات في الأعضاء التي تقل فيها الأوعية الدموية، خاصة العين.

وطالبت الندوة باتخاذ الاحتياطات اللازمة عند استخدام الهاتف المحمول بجوار أجهزة طبية إلكترونية حساسة، مثل منظم ضربات القلب وسماعات الأذن؛ بحيث يكون الاستخدام على مسافة مناسبة، وأوصت بغلق الجهاز داخل غرف العمليات وغرف العناية المركزة بالمستشفيات والمراكز الطبية والغرف التي يوجد بها أجهزة إليكترونية طبية.

موجات غير مؤينة

وقد أوضحت الأبحاث المطروحة في الندوة أن هناك نوعين من الموجات الكهرومغناطيسية: موجات مؤينة وموجات غير مؤينة؛ فبينما تقع أشعة إكس وألفا وأشعة جاما في نطاق الموجات المؤينة، والتي قد تؤدي إلى حدوث انقسام في الخلايا؛ مما يسبب في نهاية المطاف الإصابة ببعض الأمراض، فإن الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في محطات وأجهزة الهاتف المحمول تقع في نطاق النوع غير المؤين، وهي لا تؤثر على خلايا الجسم البشري؛ لأنها قريبة جدًا من ترددات FM ، AM المستخدمة في الإذاعة والرادارات.

ووفقًا للبحث المقدم من د. عصام حشيش- الأستاذ بقسم الإلكترونيات والاتصالات بكلية الهندسة بجامعة القاهرة- فإن شبكات المحمول في الولايات المتحدة الأمريكية تعمل وفق نظامين من الترددات الكهرومغناطيسية: النظام القديم ويعمل بطاقة قدرها 900 ميجا هرتز، والنظام الحديث ويعمل بطاقة 1900 ميجا هرتز، بينما تستخدم أوربا ومصر نظام gsm الذي يعمل على نطاق يختلف قليلا؛ حيث تبلغ قيم ذبذباته 900 – 1800 ميجا هرتز.

الهاتف المحمول..قضية لم تغلق بعد

وهكذا يتضح الفارق بين الترددات المؤينة Ionizing التي تزيد طاقتها ملايين المرات عن الطاقة في الموجات أو الترددات غير المؤينة non-Ionizing، والتي كشفت أبحاث الندوة أن الإنسان يتعايش معها منذ عشرات السنين؛ فهي تستخدم بالإضافة إلى الإذاعة والتلفاز في الرادارات والمطارات وفي أفران الميكروويف المستخدمة في الطهي، والغريب أن الطاقة في هذه الأفران أقوى عشرات المرات من الطاقة المستخدمة في شبكات الهاتف المحمول.

وليس هذا فحسب؛ فقد أوضحت أبحاث الندوة أن لمبات الإنارة الكهربية ذات الفتيل المشبع ذات قدرة 100 وات، تعطي فقط 40 وات في الإضاءة، بينما يتحول 60 وات إلى أشعة أو موجات كهرومغناطيسية تحت الحمراء ذات ترددات أعلى من الموجات المستخدمة في الهاتف المحمول، وكذلك اللمبات “النيون”؛ فإنها تطلق مثل هذه الموجات، ولكن في مدى تردد الأشعة فوق البنفسجية.

وكذلك يتعرض الأطفال الذين يلعبون بألعاب تعمل بالريموت كنترول لتردد مشابه لموجات الهاتف المحمول، ولكن بطاقة أكبر منها، كما أن جسم الإنسان نفسه يطلق طاقة مقدارها 84 واطا في حالة الاسترخاء، وعشرة أضعاف هذه الطاقة في حالة النشاط العقلي، وجزء كبير من هذه الطاقة يشع من الجسم على هيئة موجات كهرومغناطيسية، لها طبيعة الموجات المستخدمة نفسها في التليفون المحمول، ولكن بترددات أعلى.

تأثير حراري

وأوضح الدكتور “مدحت المسيري” أستاذ الفيزيقا البيولوجية والهندسة الطبية ومستشار الصحة والبيئة بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، أن طبيعة الموجات الكهرومغناطيسية غير المؤينة المستخدمة في المحمول غير قادرة على الوصول إلى نواة الخلية الحية مهما زادت قوتها، ولم يثبت حتى الآن علميًّا أن هذه الأشعة تسبب خللاً في الكروموزمات أو الجينات الوراثية، وأن التأثير الوحيد لها هو تأثير حراري لا يختلف كثيرًا عن تأثير الأشعة تحت الحمراء، وأن هوائيات الهاتف المحمول مصممة بحيث لا يؤدي التعرض لها لرفع درجة حرارة الجسم لأكثر من 0.1 درجة مئوية، وجسم الإنسان له القدرة على التأقلم مع ارتفاع درجة حرارته الداخلية إلى ثلاث درجات مئوية، دون أن يتسبب هذا في أي أضرار صحية.

كما أن نسبة السوائل داخل الجسم تصل إلى 70% من الوزن، وتعمل على امتصاص طاقة هذه الأشعة بكفاءة تامة، وتمنع وصولها إلى خلاياه الحية.

أما د. عصام حشيش؛ فقد ذكر عددًا من العوامل التي تحدد مدى تأثر الجسم بالإشعاع الكهرومغناطيسي، وهي:

1- يزداد امتصاص هذه الطاقة الكهربية بزيادة الذبذبات الخاصة بالإشعاع.

2- تزداد كمية الامتصاص الإشعاعي بزيادة فترة التعرض له، كما تتأثر هذه الكمية بنوع الأقمشة المرتداة؛ حيث يعمل بعضها كعاكس للموجات.

3- زيادة حركة الهواء المحيط بالجسم يقلل من تأثير الإشعاع.

4- يزداد تأثير الإشعاع بزيادة نسبة الرطوبة في الجو.

5- تزداد تأثيرات الإشعاع بزيادة درجة حرارة الجو المحيط.

6- يزداد تأثير الإشعاع في الأعضاء أو الأنسجة التي تقل فيها كمية الدم بصفة عامة مثل العين.

7- كلما قل العمر زاد امتصاص الجسم للإشعاع؛ فالكمية التي يمتصها الطفل أكبر من التي يمتصها البالغ.

بينما أوضح د. محمود عمرو- مدير مركز السموم بكلية طب القصر العيني- أن الأبحاث مستمرة حول تأثير الموجات الكهرومغناطيسية على المخ والجينات الوراثية، وإذا ثبت تأثيرها الضار؛ فإن شركات الهاتف المحمول التي تستثمر في مليارات الدولارات سوف تغلق أبوابها.

وقال: إن ما تم التوصل إليه حتى الآن هو أن موجات الهاتف المحمول تسبب القلق عند النوم بسبب تأثيرها على إفراز مادة الميلانونيين؛ ولذلك يجب غلقه إذا كان في حجرة النوم، كما أنه قد يؤدي إلى خفض ضغط الدم؛ ولذلك يجب عدم إطالة مدة المكالمة، خاصة أن أثر المستخدم لجهاز الهاتف المحمول بالموجات أكثر من تأثر المحيطين بمحطات المحمول التي يجب أن تكون بعيدًا عن المستشفيات والمدارس.

اتفق د.”عادل النادي”- الأستاذ بمعهد بعلوم الليزر بجامعة القاهرة- مع الرأي نفسه بضرورة إنشاء محطات المحمول بعيدًا عن المستشفيات؛ لأن الإشعاع – بصفة عامة – خطر بلا جدال؛ مشيرًا إلى أن اثنين من العلماء كانا يعملان بمركز أبحاث أمريكي به أجهزة ميكروويف قد ماتا بالسرطان، وإن لم يثبت وجود علاقة مباشرة بين المرض والموجات المستخدمة في الميكروويف.

مستويات الأمان العالمية

وعن شروط الأمان في محطات المحمول أوضح د.عصام حشيش، في بحثه، أن معهد مهندسي الإلكترونيات والكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية IEEE قد حدد المواصفات القياسية الخاصة بالحد المأمون لمستوى كثافة الطاقة الكهرومغناطيسية المسموح بتعرض الأجسام لها عند نطاقات التردد المختلفة التي تبدأ من 3 كيلو هرتز إلى 300 جيجا هرتز.

وبالنظر في هذه المواصفات، وكذلك ما حددته الهيئة الفيدرالية للاتصالات FCC؛ فإن المستوى الآمن عند تردد 900 ميجا هرتز الذي تعمل في نطاقه التليفونات المحمولة في مصر الآن يمكن تصنيفه كالآتي:

أ- المستوى الأول: وقيمته 3 ملي واط/ سم2 لمدة لا تزيد على 6 دقائق، فيما يتعلق بالعاملين أو الأشخاص المدركين لوجود الإشعاع الكهرومغناطيسي، والذين يمكنهم التحكم في زمن تعرضهم للإشعاع، وقد وضع هذا المقياس باعتبار التعرض لمعدل امتصاص لا يزيد على 8 ملي واط/ جرام من أنسجة الجسم في مكان التعرض للإشعاع.

ب- المستوى الثاني: وقيمته 0.6 ملي واط/ سم2 لمدة في حدود 30 دقيقة، وذلك بالنسبة للأشخاص غير المدركين لوجود الإشعاع، وقد وضع هذا المقياس باعتبار التعرض لمعدل امتصاص لا يزيد على 1.6ملي واط/ جرام من أنسجة الجسم في مكان التعرض للإشعاع.

وفي النهاية، فقد أوضحت أوراق الندوة ضرورة زيادة وحدات محطة الهاتف المحمول؛ لأنها كلما زادت قلت نسبة الإشعاع، وتشتد الحاجة إلى هذه الزيادة في المناطق التي تزداد بها كثافة التليفون المحمول. وذكرت أوراق الندوة أيضا أن بريطانيا يوجد بها 20 ألف محطة مقابل 14 ألف محطة في الولايات المتحدة و1200 محطة في مصر.


خالد يونس – نشر في 2001/3/19