هناك حالة تربوية تشتكي منها الأمهات كثيرا ومن تلك الحالات حين نرى الطفل من النوع الذي يتحرك كثيرا أو يخرب الأشياء حواليه، بل يزيد الخوف عند الامهات حين يعامل أطفالا حواليه بالضرب أو بالعنف، لذلك تعد تربية الأطفال ساحات الاستكشاف تحمل في طيها أمورا يجب تعلمها.

فهذه السيدة مثلا تشتكي من هذا الوضع، وتقول: رزقني الله تعالى بطفل -عمره الآن سنتان- والحمد لله، وهو ما شاء الله من النوع المتحرك يحب أن يكتشف كل ما يخطر في باله، وأركض وراءه طيلة النهار. وهو عندما يجتمع مع الأطفال يتعامل معهم غالبا بأسلوب الضرب، فكيف السبيل لتهدئته بالرغم من أنه ذكي، وينتبه بشكل جيد ولله الحمد؟ والشيء الآخر أنه عندما ينام فترة القيلولة يستيقظ خلالها مرتين أو ثلاث ليطمئن أني بجانبه ويعاود النوم.

وللإجابة على هذا التساؤل يقول أ/نيفين عبدالله صلاح:

أكثر ما تفيض الرقة تلك التي أتحسسها من رسائل الأمهات لأول مرة، فكم هي تجربة مثيرة ورائعة، والحق أننا جميعًا نكون إزاءها كمن يمشي على الحبل يخشى الهفوة فيقع فيه يمنة أو يسرة، ولكنها تظل رغم صعوبتها ممتعة، ولعل أمتع ما فيها أنها تعطينا فرصة حقة لنكتشف أنفسنا مرة أخرى ونطورها بل ونربيها لأجل هذا الصغير الحبيب… هداه الله ورزقك بره.

والآن ما الذي نحتاج فهمه من هذا الاستفسار:
– الحركة والاستكشاف.
– ضرب الأطفال الآخرين.
– الاستيقاظ وقت القيلولة.

نتناول هذه النقاط بالترتيب:

النقطة الأولى الحركة والاستكشاف فطرة طبيعية للطفل

ولولاها لما اكتشف الإنسان نفسه وبيئته. وتلك الفطرة يصحبها لذة هي لذة الاستكشاف؛ وإذا ما وصل الطفل خلال رحلة الاستكشاف لنتيجة (تعلم شيئا أو اكتشف شيئا) يحقق لذة أخرى هي لذة التعلم. وعليك الآن أن تستفيد من هذه الفطرة لأبعد مدى تستطيعينه.

وكيف يتعلم الإنسان؟ وما هي وسائل الاستكشاف لديه؟
– يتعلم بالتجربة والخطأ.
– ثم التوجيه الآمن دون توتر.
أما وسائله فهي الحواس الخمس التي ينتقل بها من ساحة تعلم إلى ساحة أخرى، وهذه الساحة أو تلك قد تكون غرفة نومك أو غرفته الخاصة أو المطبخ وما أمتعه للطفل، أو (الحمام) وما فيه من ماء وأدوات وصابون وغيره من الكنوز الجذابة للطفل.

إذن ماذا نفعل؟
– وفري لطفلك بيئة آمنة للاستكشاف؛ ويمكنك مصاحبته في ذلك، ولكن دعيه يستخدم حواسه، ويمسك ويشم ويلمس ويتذوق ويرى جديدًا كل يوم سواء في الشارع أو البيت أو السوق أو…

– الكتب كنز سمين؛ فيسري وجود هذا الكنز حول طفلك في أرجاء المنزل (غرفته ـ غرفة المعيشة ـ المطبخ) حيث يمكث معها فترة طويلة.
– شجعيه على مطالعة هذه الكتب الصغيرة المصورة التي تضم صورًا لأشياء كثيرة (حيوانات ـ أجزاء الجسم ـ صور لأطفال من بلاد مختلفة ـ طيور ـ تعبيرات وجوه مختلفة…).

– ضعي نظامًا لمسرح الاستكشاف، فمثلا إذا أراد طفلك أن يعبث بأدراجك الخاصة فحاولي لفت نظره لشيء بديل على أن تصاحبي ذلك بجملة حازمة حانية (الدرج لا يخص عبد الله دعنا نتفرج على شيء آخر، انظر هذا.. اسمع ما هذا الصوت…).

– اسمحي لطفلك بمصاحبتك أن يجرب دون رفض مطلق، ولكن كرري عليه (يمكن أن تضغط زر الكمبيوتر مع ماما – بابا)، أو (يمكن أن تضع الصابون مع ماما.. يمكن أن نقطع الخبز…).

فكل ما يمكنه عمله دعيه يجربه في وجودك.. أكرر في وجودك وهذا يجعل الطفل يعرف أنك لا تمنعينه إلا حين الضرر، ويثق في أنك تسمحين بكل ما هو ممكن وهذا أمر هام يجعل احتمالية محاولته لأن يغافلك –ضئيلة- وليست مستحيلة.

– لا تركضي وراءه طيلة النهار.. بل عوديه من هذه السن المبكرة أن يجلس بمفرده بعض الوقت في حجرته مع ألعابه وكتبه واهتماماته على أن تراعي أن تكون حجرته مرتبة ترتيبًا يكفل له الوصول لألعابه بسهولة، وربما كان هذا تدريجيًّا بأن تعلميه اللعب بجوارك بعض الوقت ثم تتركينه بعد أن يندمج في هذا اللعب، ولكن يفيد الطفل كثيرًا أن يتعود المكوث بعض الوقت بين اهتماماته الخاصة، وأحيانًا يكون لفرط رعايته وقلق الأم أثر كبير في عدم استقلال الطفل.. فلاحظي هذا، واحتاطي له منذ وقت مبكر.

– أتذكر دائمًا عبارة جميلة “نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل” هذا ينطبق تمامًا على الوقت لدى الطفل؛ فإن لم نملؤه بالمبهج النافع ملأه هو بالصراخ والنكد والشكاية والمشاغبات،
والأمر بالمثل، فعقله إن لم نعطه محتوى مفيدًا يفكر فيه تعطل عمله ولم يصل لأعلى خير ممكن من التفكير؛ فباعدي بين طفلك وبين فراغه الوقتي والعقلي، اشغليه بمثيرات محببة تستنفد طاقته وتعمل عقلة وتبعث في نفسه الفرح والسرور بالإنجاز.

– دربي نفسك على فن تحويل الهدم إلى بناء. مثلا: فطفلك الآن يشد الملابس من الدولاب (الخزانة).. اذهبي إليه بهدوء ووجهك تعلوه ابتسامة هادئة ثم قولي له: أشكرك دعنا نرتب هذه الملابس معًا.. انظر كيف نضع البنطلون على الشماعة.. ضع الرجل الأولى على الثانية.. ساعدني في إدخاله في هذه الفتحة.. هاه.. شكرًا لك لقد ساعدتني ووضعنا البنطلون في مكانه.. أنت طفل متعاون حقًا.. سأخبر بابا أنك من وضعت بنطالونه مكانه.

أما النقطة الثانية ضرب الآخرين:

لا بد أن نعلم أولا هل هو ضرب عدوان وعنف؟ أم أنه ضرب تعارف؟!
لا تتعجبي فربما كانت هذه وسيلة للتعارف لدى طفلك فهناك من الأطفال من لم تواته وسيلة مناسبة لحظة تقابله مع الغرباء للتعارف عليهم… فيكون أول ما يطرأ في ذهنه هو هذه الطريقة العجيبة؛ ولذا دعينا نعرف أولا شكل هذا الضرب وسببه، فربما كان من مشاجرات الأطفال العادية أثناء اللعب كنوع من الشجار على اللعب بلعبة معينة أو لفت نظر الكبار المحيطين، وغالبًا ما يكون هؤلاء المحيطون والديه.

عمومًا هناك بعض النقاط التي ربما تكون مفيدة في تعاملك في هذا الأمر:
– الأولى أن هناك قدرًا طبيعيا من العدوان لدى الأطفال، ويكثر في البنين عنه في البنات. ويستفيد الطفل من هذا النوع من التعاملات التي يعتبرها الكبار خشنة نوعًا ما، إلا أنها تعلمه التعامل مع الآخرين، والتنافس والرد على العدوان، وأخذ الحق وهكذا.

– يتوجب علينا عدم تدخلنا المستمر فيما بين الأطفال. ولكن دعيه يتعلم التعامل مع الآخرين، ولا تقفي دائمًا حكمًا أو مدافعًا عنه؛ فهذا النوع من الحماية الزائدة يضر الطفل ويعوق نموه الاجتماعي.

– أعطي لابنك بديلاً عن هذا التعامل:
“اذكر لصديقك ماذا تريد منه، فبدلاً من ضربه قل له: “تعال العبْ معنا بالكرة”. أو تدخلي لتلهيهما عن الشجار بشيء آخر “استمعا.. هذه الأغنية الجميلة هيا صفقا”، المهم أن تعطي لابنك بديلا وتدربيه على التعامل الجيد مع الآخرين في مواقف أخرى على أن تعطي في الموقف ذاته أداة أخرى ليتلهى بها عن الشجار.

– اذكري له أن الله لا يحب العدوان “الله لا يحب من يضربون هكذا”. الله يحب أن نعطي أصدقاءنا. وحين يفعل شيئا من هذه الإيجابيات نحو الآخرين.. لا تنسي أبدًا تعزيز ذلك بالثناء عليه، وأخبريه “هكذا يحبك الله” “انظر لصديقك إنه يحبك.. إنه يحب اللعب معك”. وهكذا ابدئي بالحافز الداخلي القوي “بوصله بحب الله”. وتأكدي أنه سيفهم.. والتكرار مفيد.. مفيد.. مفيد.

– تأكدي أن الكبار لا يلعبون لعبًا خشنًا مع ابنك.. فلا نتصور مثلا أن يكون لعبنا مع الطفل الرفس والضرب والعض ثم نتصور –وهمًا- أنه يدرك أنه مجرد لعب؛ فهذا وهمٌّ كبير، فما نفعله مع أطفالنا بمثابة مثل بالنسبة لهم لا بد أن يتمثلوه في موقف ما.

النقطة الأخرى وهي نوم القيلولة:

حاولي تعويد ابنك المكوث بمفرده لفترة أثناء يقظته فسيجعله هذا أقل التصاقًا بك وقت نومه، ولا تنسي أن النشاطات المتعددة ستستنفد طاقة عبد الله وحين يحتاج جسمه للنوم سينام فورًا بدون استمساك بوجودك معه.

– النوم عادة.. فعوديه النوم بمفرده دون جلوسك بجانبه ويحدث هذا بعد إشعاره بالأمان الكامل أثناء يومه كله.
– ماذا لو لم يستجب ابنك بتدريبك الجاد المثابر؟ فلا مانع ولا ضرر في أن نستغني عن نوم القيلولة، خاصة إذا كان ينام نومًا ليليا منتظمًا وكافيًا. وتبقى مع كل هذا جديتنا ومثابرتنا وحزمنا الحاني هو المحدد للعادات التي يكتسبها طفلنا.

وختامًا.. أؤكد على ضرورة معرفة طبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها طفلك، وليس لي بعد هذا الحديث إلا الدعاء لعبد الله وجميع أبناء المسلمين بالقوة وحسن الخلق.

أ/نيفين عبدالله صلاح