هناك عدة مفاهيم للتخطيط العلمي لعل أهمها المفهوم الذي طرحه المفكر الأمريكي “توماس شيلينج” في كتابه “نظام التخطيط ووضع البرامج”، الصادر عام 1979؛ حيث قال: “إنه عملية تحديد الأهداف المنشودة وتحديد الطرق للوصول إلى هذه الأهداف، وتحديد المراحل لذلك، والأساليب التي يجب أن تتبع لتحقيق هذه الأهداف .. والتخطيط يتطلب تحليل نتائج ما سبق تنفيذه، واتخاذ القرار لما يجب تنفيذه في ضوء دراسة وتقدير المستقبل”.

 وتعرفه دائرة المعارف البريطانية بأنه: التحديد للأهداف المرجوة على ضوء الإمكانيات المتيسرة الحالية والمستقبلية، وأساليب وخيارات تحقيق هذه الأهداف”.

 وعلى ذلك يمكن أن نقول إنه: دراسة متكاملة علمية ودقيقة لمشكلة ما؛ بغرض تحديد حدودها وأبعادها والبحث عن حلول لها، مع إعداد وتنفيذ مخطط مؤقت ومحدد ومتناسق لحلها ، يتضمن التنبؤ بالأهداف المرتقبة وتحقيق أفضل الحلول المناسبة لها”.

وطبقًا لهذه المفاهيم، فإنه لا يمكن مواجهة مشاكل المستقبل إلا بوضع تخطيط معين وإقرار الخطة/ والخطط/ والإستراتيجية اللازمة لتنفيذ هذا التخطيط .

مراحل التخطيط العلمي

يمر التخطيط العلمي بالمراحل الرئيسية الآتية:

1- مرحلة وضع وتحديد الأهداف:

ولها أهمية خاصة في عملية التخطيط، فهي تعتبر نقاط توجيه وإرشاد لجميع الجهود في المؤسسة التي يجب أن تسعى لتحقيق هذه الأهداف، وهي النهايات التي توجه إليها كل الإستراتيجيات والسياسات للوصول إليها داخل هذه المؤسسة ، وتنقسم الأهداف إلى:

 أهداف مباشرة .. وهي الأهداف التي يمكن تحقيقها بالإمكانيات والموارد المتيسرة حالياً، ولا تحتاج إلى أبحاث أو تكنولوجيا عالية المستوى، وغالباً ما تختص هذه الأهداف بخطة لعام قادم “الخطة السنوية للتنمية”.

 أهداف منتظرة “مرئية” .. وهي أهداف يمكن تحقيقها في فترة تالية بإضافة إمكانيات وموارد جديدة، وتحتاج إلى بحوث إضافية وتكنولوجيا عالية، وغالبًا ما تختص هذه الأهداف بخطة من 3 – 5 سنوات مقبلة “الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

 أهداف مستقبلية بعيدة .. وهي الأهداف التي تحقق الوضع المثالي وينظر إليها كأمل يتمناه الجميع ويسعون إلى تحقيقه في المستقبل، وتستمر الأبحاث في محاولة مستمرة لكشف إمكانيات تحقيق هذه الأهداف وإجراء الدراسات عليها.

وقد يحدد لها مدى زمني من 15-20 عاماً مستقبلاً، وقد تقسم عند تنفيذها إلى عدة أهداف منتظرة “خمسية”.

2- مرحلة التنبؤ بالمناخ والبيئة المتوقع أن تتحقق الأهداف فيها:

وتنبع أهمية التنبؤ كعنصر أساسي من عناصر التخطيط، حيث إن التخطيط يتم للمستقبل، ويراعي وجوب العديد من المتغيرات، ومتى تؤثر هذه المتغيرات على الخطة/ الإستراتيجية، وبالتنبؤ الصحيح وباتباع الأساليب الفنية في هذا المجال “بحوث العمليات” فإنه يمكن تقليل عامل المخاطرة وعامل عدم التأكد، وبذلك يتم التخطيط على أقرب وضع محتمل ومنتظر لتحقيق هذه الأهداف.

3- مرحلة تقدير أفضل الطرق والوسائل التي يمكن بها تحقيق الأهداف المحددة:

وتشمل هذه المرحلة وضع الفروض التخطيطية “الإستراتيجية “، وذلك باستطلاع نتائج التنبؤ المتحصل عليها، وإجراء الدراسات اللازمة والتقديرات التي تمكن من وضع أبعاد كلية للخطة “الإستراتيجية” المنتظرة. وعلى ضوء هذه الدراسات فإنه غالباً ما ينشأ عدد كبير من البدائل، ويتم تقييم هذه البدائل وذلك بمقارنة العائد من كل بديل واختيار البديل الأمثل الذي يحقق الأهداف المخططة.

وعلى ضوء اختيار البديل المناسب يتم التخطيط التفصيلي لتنفيذه “أي رسم إستراتيجية التنفيذ”، وذلك في صورة خطة زمنية يحدد فيها الأعمال والأنشطة… إلخ، من مكونات الخطة التفصيلية، على أن ينبثق منها خطط فرعية، يزداد فيها عمق التفصيل وزيادة ودقة التحديد إلى أن تصل في النهاية إلى جدول عمل “برنامج عمل” لكل فرد أو تخصص مشترك في الخطة، وربط ذلك بالتوقيت المحدد للتنفيذ في صورة خطة زمنية كاملة.

 العوامل المؤثرة على التخطيط العلمي

 ويمكن إيجاز العوامل المؤثرة على التخطيط العلمي في الآتي:

  1. صعوبة التنبؤ والحصول على معلومات دقيقة في المستقبل.
  2. التكلفة العالية نسبيًّا لتنفيذ عملية التنبؤ بالوسائل العلمية الحديثة.
  3. عدم الثقة لدى بعض صانعي القرار في إيقاع الوسائل العلمية في تحديد الأهداف والتنبؤ وإدارة العمل.
  4. ميل صانعي القرار إلى الاهتمام بالحاضر وتنفيذ الأعمال بصورة يومية عشوائية؛ مما يستنزف الكثير من الجهود ويضيع العديد من الفرص.

هذا وما سبق إنما ينصرف إلى التخطيط العلمي على مستوي المؤسسات، أما التخطيط على مستوى حياة الفرد، الذي حظي بالعديد من المؤلفات والاجتهادات فإنما تدخل إليه عوامل أخرى يتشابك فيها الاجتماعي والإنساني مع المنهج العلمي، بحيث يصعب أن نقر خطاً واحداً لمفهوم التخطيط في حياة الأفراد.