هل الحياء من صفات النساء فقط؟! وهل معناه أن تتلعثم المرأة في الكلام، ويحمر وجهها إذا كلمت رجلاً، أو تتساقط حبات العرق على جبهتها إذا واجهت موقفاً صعباً؟!هل هذا هو الحياء ، وما ينافيه قلة حياء.. وقلة إيمان؟ وهل هناك الحياء القوي والحياء الضعيف؟

دعونا نتجول في بستان الحديث النبوي والسنة المطهرة؛ لنعيد بناء مفاهيمنا من جديد بعيدًا عن السائد والموروث، ونؤسسها على التوحيد والإسلام؛ لنكون كما يحب الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وسلم- لا كما نشتهي ونهوى.. أو كما يوافق المستقر من تقاليد.

أولاً: سنجد جليًّا في السنة أن الحياء ليس صفة النساء.. بل هو صفة المؤمنين رجالاً ونساءً والرسول -صلى الله عليه وسلم: “كان أَشَدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرِهَا” (البخاري/ حديث 3298).. “والحَياء مِنَ الإِيْمان” كما روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (البخاري/ حديث 23)

ثانيًا: أن الحياء لا يعني مجافاة الناس في العلاقات الاجتماعية ولا ادعاء ورع كاذب، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أتى على بعض نسائه ومعهن الصحابية أم سليم -رضي الله عنها- فقال: “ويحك يا أنجشة رويدك سوقًا بالقوارير”، فقال راوي الحديث أبو قلابة: فتكلم النبي بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه قوله: (سوقك بالقوارير).

فقد أدرك الصحابي – رضي الله عنه – أن بعض الناس قد يتحرز عن شيء فعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو صدر منه.. فهل هذا إلا غلو في غير موضع؟!، وإن قيل: إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان أتقى الناس فماذا يبقى من السنة؟! فهي إما سلوك إنساني نُقَوِّمُ أنفسنا فيه بالتقوى أو تكليف شرعي نطيقه كما طاقه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا نقول كان رسولاً ولا نستطيع، وإلا تعطلت السنة.

ثالثًا: إن مفهوم الحياء أوسع من العلاقة بين الجنسين، واختزاله فيها إهدار للمفهوم ودلالاته وثرائه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحياء، قال: قلنا: “يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله”، فقال: “ليس ذلك، ولكن من استحى من الله حق الحياء فَلْيَحْفَظ الرأس وما حَوَى، وَلْيَحْفَظ البطن وما وَعَى، وَلْيَذْكُر الموت والبِلَى.. ومن أرد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله عز وجل حق الحياء” (حديث: 3743).

رابعًا: أن الحياء في التعامل الراقي مع الناس، والحياء من الله، لا يعني ترك التلطف بالناس (كما رأينا)، ولا يعني أيضًا الانزواء عن المجتمع والتفاعل معه، ومثال ذلك طلب العلم، فأم سليم الأنصارية -رضي الله عنها- سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غسل المرأة إذا احتلمت (في إحدى الروايات المتعددة للحديث).. ورحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

ثم وجدناهن مع الحياء.. وهن نساء الأنصار اللاتي بايعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخرجن للذود عنه والجهاد عن يمينه وشماله في غزوة أحد، وسقاية الجرحى.

لكن المؤسف أن نجد إخوانًا لنا يرون في مجرد حركة المرأة المسلمة الملتزمة باللباس والأدب الشرعي في دروب الحياة مشكلة تحتاج لحل.. فإذا علا صوتها في الحق أو طالبت بما كفله لها الشرع أو أرادت أن يعرف الناس علمًا حتى يَتَّقوا به الفتن، نصحوها بالصمت؛ لأن هذا منافٍ للحياء.. أو على أقل تقدير: يخدش حياء الأخريات.. والآخرين!!

والله ما هذا ما تعلمناه في رياض السنة، ولا هذا هو “الحياء” الذي فهمه الصحابة.. والصحابيات…رضوان الله عليهم جميعًا.

إن حياء المؤمن هو الحياء القوي.. الحياء من الله.. والله لا يستحي من الحق.. الحياء الذي يذكرنا بأننا حملة أمانة، وأننا شهداء على العالمين.. وأن أمتنا أمة قوية.. رجالاً ونساءً..