بالرغم من النقلة النوعية التي أفرزتها ثورة الاتصالات في العالم خلال العقدين الماضيين، فإن إدخال خدمة شبكة المعلومات العالمية “الإنترنت” ضمن منظومة خدمات الاتصالات كان له كبير الأثر؛ لأن هذه الشبكة جعلت من العالم قرية صغيرة يستطيع أن يتواصل من يعيش في أقصاها مع من يقطن في أدناها.

ومن هنا كانت العناية بالإنترنت كوسيلة دعوية يستطيع الدعاة من خلالها التواصل مع أعداد كبيرة وأجناس متنوعة من البشر في شتى بقاع الأرض يبثون الخير في نفوسهم، ويحثونهم على التمسك بالفضائل، ويهدونهم إلى طريق الله المستقيم.

مفاهيم ننطلق من خلالها

والإنترنت سلاح ذو حدين، ووسيلة ذات وجهين متعارضين، ففيها عوامل الهدم والبناء، والإماتة والإحياء، والهداية والإغواء، ووجهة الاستخدام هي الفاصل بين هذا الجانب وذاك.

ولهذا ينبغي عند الحديث عنها في مجال الدعوة إلى الله أن يكون هناك بعض المفاهيم والأسس العريضة التي يكون الانطلاق من خلالها، ومنها:

1- الإنترنت وعاء، وهذا الوعاء يمكن أن يملأ بالطيب أو الخبيث، المفيد أو الضار، وكلما كثرت المواد الخبيثة والضارة في الإنترنت كانت أكثر ضررا وخطرا، والعكس لو كانت المواد الموضوعة في هذا الوعاء مفيدة وطيبة.

2- الإنترنت -كأي جهاز إعلامي- سلاحٌ ذو حدين، إن وظف في نشر العلم والخير وتثبيت العقيدة الإسلامية وتدعيم الأخلاق وربط الجيل المسلم بأمجاده وتاريخه وتوجيه الأمة لما يصلح أمرها وتربية الأجيال نحو حياة أفضل، فعندها تكون الإنترنت وسيلة للبناء.

أما إذا استعملت لترسيخ الفساد والانحراف ونشر الميوعة والانحلال وتحويل الجيل إلى مبادئ مائعة وأخلاق رذيلة، عندها تكون وسيلة هدم لا بناء.

3- الإسلام لا يعادي الحضارة أو المدنية، ولكن ذلك ليس وحده هو السر في عظمة الإسلام، بل إن عظمة الإسلام تكمن في أنه لا يعانق إلا الحضارة النافعة ولا يؤاخي إلا المدنية الراشدة والتطور المفيد، والإنترنت ووسائل الإعلام عامة من ثمرات هذه الحضارة التي أبدعها عقلٌ خلقه الله وأبدعه لنا، والإسلام يقف منها موقف الموجه والمصلح المتبصر الواعي، حتى تستخدم هذه الوسائل في نشر العلم والخير ودعم العقيدة والأخلاق والمثل العليا، قال الله تعالى:

﴿‌وَسَخَّرَ ‌لَكُمْ ‌مَا ‌فِي ‌السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

ضوابط الدعوة على الإنترنت

إضافة لما سبق فإن من المهم للغاية الإحاطة ببعض المفاهيم والآليات والمحددات التي لا يمكن تقديم الدعوة الإسلامية بدونها. فلكي تتم خدمة الدعوة الإسلامية بحق فلا بد من مراعاة الآتي:

شمولية فهم الدعوة الإسلامية، فالدعوة إلى الإسلام لا تعني الاقتصار على بث مئات المراجع التراثية والبحثية عبر شبكة الإنترنت، بل الأهم كيف يتم تطويع كل هذا إعلاميا حتى يستفيد منه الإسلام والمسلمون بصورة حياتية وحضارية، مع الحفاظ على ثوابت الأمة ومقدراتها.

تحديد فهم الدعوة الإسلامية، بمعنى أن أي قصور أو خلل في الأشخاص القائمين على الدعوة -والذي يتسبب كثيرا في تشويه صورة الدعوة- لا يعني أن العيب في الإسلام بل في بعض المسلمين.

خدمة الدعوة الإسلامية على شبكة الإنترنت: فليس من المفيد الاقتصار على كل ما هو إسلامي دون سواه، ولكن ينبغي تقديم كل ما هو إسلامي، إضافة إلى كل ما هو مفيد، فليس من الضروري تكرار جملة: “يقول الإسلام… يقول الإسلام…”، لأنه يكفي التعبير بالمادة التي يتم تقديمها عما نريد أن نقوله عن ديننا، لأنه من السهل أن نقول: “يقول الإسلام”، ولكن من الصعب أن نعرض الإسلام في أحسن صورة.

– لخدمة الدعوة لا بد من تحديد ما تحتاجه الدعوة بالفعل لأن الفرق كبيرٌ بين ما يراد تقديمه وبين ما تحتاجه الدعوة الإسلامية بالفعل، فليست المشكلة في كيفية خدمة الدعوة الإسلامية عبر وسيلة الإنترنت، ولكن المشكلة تكمن -غالبا- في الفهم المحدود لطبيعة الدعوة الإسلامية ذاتها، لأنه من السهل إيجاد الآلاف ممن يتبنون الدعوة إلى الله، لكن القليل منهم يستوعب المفهوم الشامل للدعوة الإسلامية، بمعناه اللامحدود، وهذه مشكلة خطيرة تلقي بظلالها على واقع الدعوة.

ولذا فليس غريبا أن يدعو البعض دون تأثير، لأنهم يهتمون بالكم دون الكيف، والدعوة بهذا الشكل ما تقدمت خطوات إلا تقهقرت أكثر، فالواقع يفرض علينا أن نكون -كدعاة- أكثر جذبا وتأثيرا ودراسة لنوعية الزوار، وأن يكون الاهتمام بالكم والكيف معا.

إن المفهوم الشامل للدعوة إلى الله يطرح حقولا خصبة ليزرع فيها الدعاة بجد وذكاء ودراسة شاملة وعميقة، لذا فإن أي مادة بناءة نافعة تقدم على الشبكة هي من الخير الذي يحث عليه الإسلام ويتعاهده ويحرص عليه ويثيب فاعله وزائره، وإن كل لحظة يقدم فيها أي خير على الشبكة معناه تقديم لحظة من الخير، وحجب لحظة من الشر، وعليه فإن أي مواد سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو علمية أو تكنولوجية أو فنية، ما دامت تستند إلى ثوابت الدين فهي من الإسلام وروحه، بل وتؤصل كذلك مبدأ كون الإسلام منهج حياة.

– كل كلمة طيبة تكتب على الإنترنت هي دعوة.

– كل بريد إلكتروني يتم استثماره في توطيد أواصر الأخوة والدعوة إلى الله بكلمة طيبة أو سلوك جميل، هو دعوة إلى الله.

– كل حوار مفيد وبناء تتم المشاركة فيه هو دعوةٌ إلى الله يثاب المرء عليها.
– أي تصويت لصالح الأمة تتم المشاركة فيه هو شهادة حق على الداعية أداؤها.
– الحث على الفضيلة بحكمة وذكاء إضافةٌ رائعةٌ في عالم الدعوة.

مجالات الدعوة على الإنترنت

هناك بعض المجالات التي يمكن استثمارها للدعوة على الإنترنت لتوفرها وهي:

1- المواقع.

2- البريد الإلكتروني.

3- ساحات الحوار.

4- غرف الدردشة.

أولا: المواقع:

وهذه حالها لا يخلو من أن يكون أحد أمرين: إنشاء موقع جديد، أو المشاركة في موقع موجود بالفعل. وقد كثرت المواقع الإسلامية وتعددت لدرجة جعلتها صعبة الحصر.. وزيادة هذه الأعداد بموقع يقف في هذا الطابور الطويل يجعله يبدو في ظاهره أنه خير، ولكن كم من هذه المواقع حقق الأسس والأطر العامة التي ذكرناها آنفا؟ كم منها حقق تكاملية الإسلام وشموله؟

فما العمل إذن؟ التعاون قدر المستطاع مع أحد هذه المواقع الموجودة، ومحاولة تبصيرهم بما ينقصهم ومدهم بالمادة التي يحتاجونها. “التكاملية” يجب أن تكون شعار الدعاة، وليس على أحدنا بالضرورة البدء من الصفر، فهذا من حق الدعوة علينا.

وإذا كان لا بد من إنشاء موقع جديد فمن الأهمية بمكان عدم تكرار الموجود، والنظر في الجوانب المفتقدة للإسلام على الإنترنت، ثم استكمالها بموقع يحقق هذه التكاملية، موقع يعرض لغير الموجود، ويربط بالموجود في المواقع الأخرى دون أي تكرار أو إعادة.

ثانيا: البريد الإلكتروني:

هذا بابٌ واسعٌ للدعوة إلى الله تعالى، يمكن استخدامه بإرسال رسائل خير، أو روابط طيبة إلى العديد من قوائم البريد الإلكتروني الموجودة في المواقع المختلفة. لكن الحذر الحذر، فاستخدام هذه الوسيلة بدون دراسة أو وعي قد يقلبها على الدعوة، فلنفكر فيها جيدا، ما المفروض بثه من خلالها، وكيف، ومتى، ولمن؟

ثالثا: ساحات الحوار:

يمكن من خلالها المشاركة في أي ساحة موجودة على المواقع، من خلال رسائل دعوية تتم المشاركة فيها، سواء بإنشاء قضية جديدة، أو بالإضافة على قضية موجودة بالفعل، وهذه أيضا تحتاج إلى الأناة والحكمة والذكاء.

رابعا: غرف الدردشة:

بابٌ واسعٌ للخير، ولكنه في نفس الوقت كثير الأخطار والمحاذير.

 ياسر محمود