لم تظفر الدنيا كلها بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، من هذا القرآن المجيد الذي فتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وضمن للإنسانية الأمن والسعادة في دنياهم وأخراهم، إذا هم آمنوا به وتلوه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره وآياته، وتفقهوا جمله وكلماته، ووقفوا عند حدوده وَأْتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه، وتخلقوا بأخلاقه، وطبقوا مبادئه ومُثُله وقيمه على أنفسهم وأهليهم ومجتمعاتهم. وفي هذا المقال نتناول فضل تلاوة وحفظ القرآن وقواعده.

فضل تلاوة وحفظ القرآن

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران” رواه البخاري.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر” رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقول الله سبحانه وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله سبحانه وتعالى عن سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه” رواه الترمذي

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب” رواه الترمذي.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

ولما كان هذا فضل تلاوة وحفظ القرآن العظيم فإني أحببت أن أضع بين يدي إخواني بعض القواعد العامة التي تساعدهم في حفظ القرآن لينالوا هذه المنزلة العظيمة أو بعضًا منها، وما لا يدرك كله فلا بأس بإدراك بعضه أو جله، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

1- الإخلاص:

فيجب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل تلاوة وحفظ القرآن والعناية به من أجل الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته وحصول مرضاته، ونيل تلك الجوائز العظيمة لمن قرأ القرآن وحفظه، وكذلك اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع إليه أن يلزم قلبك حفظ كتابه والعمل به على الوجه الذي يرضيه عنك، واعمل بأمر الله تعالى: “واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم”.

2- ضرورة وجود العزيمة الصادقة:

إذ ينبغي العزيمة عند الابتداء في الحفظ والاستمرار على ذلـك؛ إذ بدونها يخور الإنسان ويتهاون ولا يتجاوز الأمر كونه مجرد أمنية وحلم يقظة، ويمكن أن يوجد الإنسان هذه العزيمة الصادقة بمعرفته لعظمة القرآن ومكانة أهله، والفضل الجزيل لقارئه ومستمعه.

3- تصحيح النطق والقراءة:

لا بد من تصحيح النطق بالقرآن، ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، فقد أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب لسانًا من جبريل شفاهة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يعرض القرآن على جبريل كل سنة مرة واحدة في رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه مرتين. (متفق عليه)، وكذلك علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه شفاهًا ثم سمعه منهم.

4- تحديد نسبة الحفظ كل يوم:

يجب على مريد حفظ القرآن أن يحدد ما يستطيع حفظه في اليوم: عددًا من الآيات مثلاً، أو صفحة أو صفحتين من المصحف وهكذا، فيبدأ بعد تحديد مقدار حفظه وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد، ويجب أن يكون هذا التكرار مع التغني، وذلك لدفع الملل أولاً، وليثبت الحفظ ثانيًا. وذلك أن التغني بإيقاع محبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك على الخطأ رأسًا عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانه لا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر.

5- لا تجاوز مقررك اليومي حتى تجيد حفظه تمامًا:

لا يجوز للحافظ أن يتنقل إلى مقرر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تمامًا حفظ المقرر القديم؛ وذلك ليثبت ما حفظه تمامًا في الذهن، ولا شك أن مما يعين على حفظ المقرر أن يجعله الحافظ شغله طيلة ساعات النهار والليل، وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إمامًا ففي الجهرية، وكذلك في النوافل، وكذلك في أوقات انتظار الصلوات، وفي ختام الصلاة، وبهذه الطريقة يسهل الحفظ جدًّا ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولاً بأشغال كثيرة؛ لأنه لن يجلس وقتًا مخصوصًا لحفظ الآيات.

6- حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك:

فالحافظ إذا غيَّر مصحفه الذي يحفظ فيه، أو حفظ من مصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات فإن حفظه يتشتت، ويصعب عليه الحفظ جدًّا؛ ولذلك فالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم واحد للآيات لا يغيره، وليتك تستعمل مصحف الحفاظ الذي يتميز بأن الصفحة دائمًا تبدأ برأس آية وتختتم برأس آية، وأن الأجزاء لا تبدأ إلا برؤوس الصحائف مما ييسر على القارئ تركيز بصره في الآية حتى ينتهي من استظهارها من غير أن يتوزع ذهنه بين صفحتين.

7- الفهم طريق الحفظ:

تفهم معنى الآية قبل حفظها ولو رجعت إلى بعض التفاسير المختصرة لكان أفضل وأجدى، لكن يجب أيضًا عدم الاعتماد في الحفظ على الفهم وحده للآيات، بل يجب أن يكون الترديد للآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة؛ لأن من اعتمد على الفهم وحده فإنه ينسى كثيرًا، وينقطع في القراءة بمجرد شتات ذهنه، وهذا يحدث كثيرًا وخاصة عند القراءة الطويلة.

8- لا تجاوز سورة حتى تربط أولها بآخرها:

بعد تمام سورة ما من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تمامًا، وربط أولها بآخرها، وأن يجري لسانه بها بسهولة ويسر، كما يقرأ القارئ منا فاتحة الكتاب دون عناء أو استحضار، وذلك من كثرة تردادها، وقراءتها.

9- التسميع الدائم:

ينبغي أن يسمع الحافظ الآيات المحفوظة أمام شيخ متقن أو حافظ ملم بأحكام التلاوة، وذلك حتى ينبهه بما يمكن أن يدخل في القراءة من خطأ، وما يمكن أن يكون مريد الحفظ قد نسيه من القراءة وردده دون وعي في الفترة التي اعتمد فيها على نفسه فقط.

10- المتابعة الدائمة:

يختلف القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر من الشعر أو النثر، وذلك أن القرآن سريع الهروب من الذهن، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك: “تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا من الإبل في عقلها” (متفق عليه)؛ لذلك فلا بد من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن؛ لذا يجب على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم للمراجعة يتناسب مع ما يحفظه.

11- العناية بالمتشابهات:

القرآن متشابه في ألفاظه وآياته. قال تعالى: “الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله.

وإذا كان القرآن فيه نحو ستة آلاف آية ونيف فإن هناك نحوًا من ألفي آية فيها تشابه بوجه ما قد يصل أحيانًا حد التطابق أو الاختلاف في حرف واحد، أو كلمة واحدة أو اثنتين أو أكثر.

لذلك يجب على قارئ القرآن المجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات، وعلى مدى العناية بهذا المتشابه تكون إجادة الحفظ، ويمكن الاستعانة على ذلك بخبرته وخبرة الآخرين، وبكثرة الاطلاع في الكتب التي اهتمت بهذا النوع من الآيات المتشابهة ومن أشهرها:

1) درة التنزيل وغرة التأويل -بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز- للخطيب الإسكافي.

2) أسرار التكرار في القرآن – لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني.

12- تناول بعض الأغذية المفيدة للحفظ والذاكرة:

للحافظ أن يستعين ببعض الأعشاب والمواد الغذائية الأخرى التي تساعد على الحفظ والاستذكار، خاصة المواد السكرية مثل التمر والعسل والكرز والزبيب.

13- احذر الحماس الزائد

لا تتحمس بشكل زائد للحفظ في البداية؛ لأن هذا يجعلك تحفظ كثيرًا دون إتقان، ثم تجد نفسك بعدها غير متقن فيصيبك الفتور!!

14- استمع كثيرًا

استمع كثيرًا لشرائط القرآن الكريم، خاصة في الأجزاء التي تحفظها، وذلك عند كل فرصة تسنح لك كوقت الفراغ وقبل النوم كما أشارت بذلك بعض الدراسات التي أكدت أن كثرة الاستماع تساعد كثيرًا على تثبيت الحفظ.

*محمود  أحمد إسماعيل