المستشار طارق البشري
تمهيد

موضوع هذه الورقة اشتد حوله الجدل في السنين الأخيرة، أو هو في مجال من أهم مجالات المعارك التي دارت خلال السنوات العشر الأخيرة بين الإسلاميين والعلمانيين، وهي موضوعات: المرأة، والربا، وغير المسلمين، والفنون.

أراد العلمانيون بإثارة هذه الموضوعات إثبات أن شريعة الإسلام متوقفة عن التطور، وأنها أفكار قديمة بالية، وأنها لا تصلح لأيامنا هذه: أيام التقدم والتحضر والنور (يقصدون أيام سيادة نماذج الحضارة الأوربية). وحشد الفكر الإسلامي جهوده للرد على هذه الدفوع، وقام رجال الفكر الإسلامي في هذا الشأن بين مدافع عن أحكام الشريعة مبين صلاحيتها، وبين مجتهد في الأحكام لبلوغ ثوابت التشريع الإسلامي في تفاعلها مع أوضاع الحاضر.

والخطاب الصادر عن الطرف الإسلامي صنفان: خطاب موجه لفصائل إسلامية أخرى يحاول معها ترجيح رأي مجدد، أو التنبيه للتمسك بالنظر التقليدي. والصنف الآخر خطاب موجه للطرف العلماني: مهاجمًا إياه، أو مدافعًا عن نفسه، أو شارحًا وعارضًا ما لديه من جديد، لعل الطرف العلماني يرضى، أو بالأقل يعترف بأن الآخرين لهم الحق في الوجود في هذا العصر الحاضر، “عهد التقدم والتحضر والنور”.

أما الخطاب من الطرف العلماني فليس إلا صنفًا واحدًا موجهًا إلى الإسلاميين يريد التأكيد على أن فكر الإسلاميين من فكر الغابرين، وليس له جدارة البقاء.

ولم ألحظ أن حوارًا يجري بين العلمانيين بعضهم وبعض في بلادنا حول الصالح والجيد والرديء في الفكر الإسلامي.

ومن هنا يرجح لديَّ الظن أن الخطاب الإسلامي أكثر جدارة للبقاء، لا من حيث قياسه بمقاييس خارجة عنه بمعايير حضارية أخرى، ولكن من حيث إنه ينطوي على قدرة على التفاعل الذاتي. فالخطاب الإسلامي خطاب نهضة، يتضمن حوارًا داخليًا في إطار الفكر الإسلامي، وليس كخطاب العلمانيين خطابًا مصمتًا، وحيد الجانب، موجها للآخرين فقط، دون أن يتضمن تفاعلاً داخليًا أو حركة ذاتية.

تابع معنا بقية محاور المقال: