سأنطلق من افتراضية أن الله أودع في قلوب النساء رحمة ولينًا تميز طباعهن؛ لأن المرأة هي الأم الراعية التي تحمل وتلد وترضع وتحتضن؛ ولذلك فإن عالم المرأة الخاص بأنوثتها وأمومتها هو عالم به لمسة حنان زائدة عن عالم الرجولة والخشونة.

هذه الافتراضية لا تعني بحال أن لكل منا عالمه المنفصل، فحواء وآدم كلاهما “إنسان”، وفي لغتنا العربية كلمة “إنسان” تطلق على الرجل والمرأة ولا تؤنث.. لغة عبقرية.

فقط أعني أن المرأة تحب الحنان؛ لأنه جزء أصيل فيها، أما الرجل فقد لا يجيد التعبير عنه، وقد يرتبك إذا طلب منه لمسة رقيقة أو دافئة.. وإذا فعل فإنه لا يفعل ذلك طيلة الوقت!

الوحيد الذي وجدته كان يعطي هذا الحنان لمن حوله طيلة الوقت ـ بعطاء لا يتكرر وبرفق نادر ـ هو رسول الله ..

تأملوا معي أحاديث أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها:

حدث أحمد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو أن محمد بن عبد الرحمن الأسدي حدثه عن عروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل عليَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي فأقبل عليه رسول الله ـ عليه السلام ـ فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي وإما قال: تشتهين تنظرين فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي”. صحيح البخاري ج: 1 ص: 323

وتأملوا كيف كانت علاقتهما:

حدث إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني هشام عن عروة أنه سئل: أتخدمني الحائض أو تدنو مني المرأة وهي جنب؟ فقال عروة: كل ذلك عليَّ هين وكل ذلك تخدمني وليس على أحد في ذلك بأس أخبرتني عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت ترجل تعني رأس رسول الله وهي حائض ورسول الله حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض”.

وكان يتودد لزوجاته عاطفياً حتى أثناء الحيض، وأثناء صومه:

حدث محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان النبي يباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف؛ فأغسله وأنا حائض. صحيح البخاري ج: 2 ص: 714

وحدث محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ـ ـ وحدث عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: إن كان رسول الله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت”.

فهل رأيتم حنانًا كهذا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌؟

كثير من النساء يعرفن أن أزواجهن يحبونهن … لكن المشكلة تكمن في التعبير عن هذا الحب.. وأزعم أن العلاقة بين الزوجين لا تستقيم إلا بركنين أصيلين هما: المودة، والرحمة، أما المودة فشعور في القلب، وأما الرحمة فسلوك ينم عن المودة ويترجمها في اللمسة الحانية واللفتة العطوفة..

لا نريد الحب فقط.. نريد حبًّا .. وحنانًا!