أربعة عشر قاصًّا يتناول أعمالَهم بالدراسة والتحليل الدكتور حسين علي محمد في كتابه “جماليات القصة القصيرة: دراسات نصية” الصادر عن الشركة العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة، والواقع في 160 صفحة من القطع المتوسط.

ثمرة دراسة نظرية وتطبيقية

وعلى الرغم من كون المؤلف شاعرًا معروفًا ومعظم دراساته في المجال الشعري وفي المسرحية الشعرية على وجه الخصوص، فإنه بهذا الكتاب الجديد يقدم نفسه ناقدًا للقصة القصيرة، فيقول في مقدمته: “هذا الكتاب جماليات القصة القصيرة ثمرة دراسة نظرية وتطبيقية لفن القصة القصيرة خلال سنوات عدة…”. وتضع عبارة (خلال سنوات عدة) أمامنا الكيفية التي كتبت بها هذه الدراسات الأربع عشرة؛ حيث يفهم منها أن المؤلف قام خلال سنوات عديدة بنشر دراساته ورُؤاه في نقد القصة القصيرة في العديد من الصحف والمجلات العربية، ثم قام بتجميع بعض ما نشره هنا وهناك في هذا الكتاب؛ لذا فإننا لن نجد منهجًا واحدًا ينتظم هذه الدراسات، وإنما نجد عدة مناهج وعدة أفكار وعدة مداخل وتعدد في الرؤى، وهو نوع من النقد العابر حسبما تعطيه المجموعة القصصية – أو القصة الواحدة – التي يقوم الناقد بدراستها، فيفتقد بذلك للمنهج ولايكون رؤية شاملة ، فبينما نجده يتحدث عن محاور التجربة القصصية في مجموعة “هل” لمحمد جبريل وهي: المطاردة والتمرد والمقاومة وانتظار الآتي والانسحاب، نراه يقدم لنا ثلاثة نماذج للإنسان المأزوم في المجموعة القصصية “وجوه وأحلام” لأحمد زلط، وبينما يحدثنا عن جماليات القصة في المجموعة القصصية “عسل الشمس” لفؤاد قنديل، نراه يحدثنا عن صورة المرأة في عالم الشقحاء القصصي، وذلك من خلال المجموعة القصصية “قالت إنها قادمة” لمحمد المنصور الشقحاء، وصورة المرأة في مجموعة “أرزاق” لسعد الدين وهبة، وبينما يحدثنا عن قصة واحدة للطيب صالح وهي “الرجل القبرصي” المنشورة في كتاب د. الطاهر أحمد مكي “القصة القصيرة دراسة ومختارات” نجده يحدثنا عن مجموعتين قصصيتين لبهي الدين عوض هما: سنوات الحب وثأر الموتى.

البطل في القصة القصيرة

ويستفيد المؤلف من دراسته الأكاديمية التي نال بها درجة الدكتوراة عام 1990م وهي “البطل في المسرح الشعري المعاصر”؛ ليطبق على بعض المجموعات القصصية التي قام باختيارها المفهوم نفسه، مفهوم البطل، فيقول عن مجموعة “وجوه وأحلام”:  “لا يتوقف بطل أحمد زلط – المأزوم غالبًا – أمام أزمته، بل يحاول أن يتعمقها، يعرف ملابساتها وكيف وقعت وهل يتجاوزها أم تكون نهايته منها ؟”. أما في المجموعة القصصية “ذاكرة الدقائق الأخيرة” لحسن حجاب الحازمي فإنه يحدثنا عن المرأة بطلاً، وفي المجموعة القصصية “الخروج من غرناطة” لصالح الصياد يحدثنا عن البطل المحاصر في هذه المجموعة، فيقول: “تحدد الجمل الأولى من القصة الملامح الاجتماعية للبطل”.

تفاوت مستوى الدراسات

ويتفاوت مستوى الدراسات التي يقدمها المؤلف في هذا الكتاب، فبينما تحقق دراسته “محاور التجربة القصصية في مجموعة “هل” لمحمد جبريل طموح العنوان الذي يحمله الكتاب “جماليات القصة القصيرة” نجد دراسته عن المجموعة القصصية “إليك بعض أنحائي” لخالد اليوسف تكاد لا تحقق طموح العنوان.

ويقع المؤلف في أخطاء تجميع الدراسات والمقالات المنشورة من قبل في كتاب، عندما يقول في ص145: “وقد سبق أن تناولنا مجموعة “الزمردة الخضراء” في دراسة سابقة “ويطالب القارئ بالرجوع إلى هذه المقالة فيقول في الهامش” انظر مقالتنا في جريدة المسائية في عدد 23/11/1993م”، ومادام الأمر هكذا فما المانع من ضم مقالة المؤلف عن مجموعة د. باقازي في هذا الكتاب بدلاً من مطالبة القارئ النظر في جريدة المسائية، فكيف يتسنى للقارئ الذي يعيش في مصر – على سبيل المثال – النظر إلى عدد من جريدة المسائية السعودية صدر من سنوات؟!

عسل الشمس تحقق طموح العنوان

وإذا كانت دراسة المؤلف عن مجموعة “عسل الشمس“ لفؤاد قنديل قد حققت الكثير مما يطمح إليه عنوان الكتاب، بل إن عنوان هذه الدارسة “جماليات القصة في عسل الشمس“ ربما هو الذي أوحى إلى المؤلف باختيار عنوان الكتاب، فإن حديثه عن الطيب صالح والرجل القبرصي يجيء على شكل مقالة سريعة غير معمقة، ويبدو أنها تنتمي لبدايات المرحلة النقدية عند المؤلف، ويتضح ذلك من قوله في بداية المقالة ” الطيب صالح أديب سوداني كبير تعرفنا عليه في القاهرة منذ خمسة عشر عامًا تقريبًا” – أي حسب تاريخ صـدور الكـتـاب عام 1981م، وأعـتـقد أن الطـيـب صـالـح عرفـته القاهرة قبل ذلك بكثير حينما نشر له رجاء الـنقـاش روايتي: عـرس الزين ومـوسم الـهجرة إلى الشمال في سلسلة روايات الهلال؛ لذا فإنني أرى حذف هذه المقالة من الكتاب الذي يطمح إلى تحقيق عنوان كبير في عالم القصة القصيرة العربية التي تنزع – كما يقول المؤلف في مقدمته – إلى تقديم الإمتاع والإقناع إلى قارئها.

أهم ملامح جماليات القصة القصيرة

وكنت أتوقع من المؤلف أن يسرد لنا في فصل ختامي أهم ملامح الجماليات التي خرج بها من دراساته الأربع عشرة، إلا أنه لم يفعل تاركًا ذلك لحصافة القارئ، وأرى أن أهم جماليات القصة القصيرة التي وردت في الكتاب تتحقق في دراساته عن المجموعة القصصية “هل” لمحمد جبريل، والمجموعة القصصية “عسل الشمس” لفؤاد قنديل، والمجموعة القصصية “ذاكرة الدقائق الأخيرة” لحسن حجاب الحازمي، وقراءة في قصص حسني سيد لبيب، والمجموعة القصصية “الليالي الطويلة” لمرعي مدكور؛ حيث يتحدث المؤلف في هذه الدراسات عن علاقة القصة القصيرة بكل من: الرمز (الرمز الإيحائي والرمز التراثي والرمز الكلي)، المونتاج السينمائي (المونتاج على أساس الترابط والمونتاج على أساس التوازي والمونتاج على أساس التقطيع)، ومزج التناقضات، والبوح والتعبير عن الذات، والتجسيم، والتضخيم، والمفارقة التصويرية (المفارقة الجزئية والمفارقة الكلية)، وشعرية اللغة، والتجريب، وتيار الوعي، والعناية برسم الشخصية، والعناية بالحوار الذي يكشف خلجات النفس، وتغير طريقة السرد، وقصر الجملة، وجماليات المكان… وغيرها.

أما حديثه عن “الكرة ورأس الرجل” لمحمد حافظ رجب، و”لعبة يباركها الشيطان” لعنتر مخيمر، وثلاثة نماذج للإنسان المأزوم في “وجوه وأحلام” لأحمد زلط… وغيرها فقد نأت قليلاً – وأحيانًا كثيرًا – عن الهدف الذي يريد أن يحققه المؤلف بطرحه لعنوان “جماليات القصة القصيرة”.

خاتمة

وأخيرًا آمل من المؤلف الدكتور حسين علي محمد أن يقدم لنا دراسة وافية عن الكاتب القصصي إبراهيم المصري الذي يصفه لنا بأنه (نادر)، ثم يضيف في ص120 ” الذي لم يأخذ حقه بعد من الدراسة الأدبية والنقدية رغم ريادته لهذا اللون في القصة المصرية ورغم رحيله منذ فترة عن عالمنا”.

أحمد فضل شبلول