الماء هو سائل الحياة والعنصر الأساسي لضمان استمراريتها على كوكب الأرض، وعليه يعتمد الإنسان في شرابه وزراعة غذائه وصناعته وصناعة دوائه، وربما لا تخلو صناعة من الماء كأحد المكونات الرئيسية في جميع المنتجات.

وقد صدرت العديد من التقارير العلمية التي تؤكد أن هناك تناقصًا مستمرًّا في نصيب الدول التي يوجد بها أنهار من المياه، كما أن هناك تصاعدًا في موجات الجفاف في الدول التي تعتمد على الأمطار.. وكذلك المخزون من المياه الجوفية يتجه في منحناه نحو الهبوط والتناقص.

أزمة المياه

وهذه المؤشرات تنطبق على الدول العربية والإسلامية أيًّا كان مصدر المياه الذي تعتمد عليه، فدولة كمصر يبلغ نصيبها من مياه نهر النيل 55.6 مليار متر مكعب سنويًّا، وقد كان هذا يكفيها قبل أن يقترب عدد سكانها من 70 مليون نسمة – وهو ما وقع بالفعل – فأصبحت في حاجة إلى 25 مليار متر مكعب أخرى من المياه، بالإضافة إلى نصيبها الحالي؛ حيث يبلغ إجمالي حاجتها من المياه 70 مليار متر مكعب يجب توفيرها خلال السنوات القليلة القادمة.

وقد اضطرت مصر خلال سنوات الجفاف 1977 – 1987 إلى الاعتماد على مخزونها الاحتياطي بسحب كل حصتها السنوية ( 55.6 مليارات متر مكعب) بل وأكثر من حصتها، ولم ينقذ مصر خلال تلك الفترة إلا مخزونها الإستراتيجي من السد العالي، هذا فضلاً عن عدم استخدام السودان لكل حصتها، وعدم قيام إثيوبيا بكل مشروعات الري التي كانت تزمع القيام بها خلال تلك الفترة. جدير بالذكر أن هناك تسع دول تشترك في مياه نهر النيل من منبعه في إثيوبيا وحتى مصبه في البحر المتوسط.

وبالنسبة لدول العراق وسوريا وتركيا التي تشترك في نهر الفرات الذي يبلغ طوله 2350 كيلومترًا، منها 545 كيلومترًا في تركيا، و706 كيلومترات في سوريا، و1099 كيلومترًا في العراق.. هناك صراعات بين تركيا من ناحية والعراق وسوريا من ناحية أخرى حول حصة كل منها من مياه نهر الفرات التي يبلغ تصريفها 35 مليار متر مكعب سنويًّا.

وترجع الصراعات إلى مشروعات السدود التي تسعى كل دولة لإقامتها لزيادة نصيبها من المياه خاصة تركيا؛ حيث لديها خطة جارية التنفيذ لإنشاء 22 سدًّا و17 محطة توليد كهرباء بتكاليف تقدر بنحو 18 مليار دولار، ويفترض أن ينتهي العمل بها في نهاية العام الحالي.

كما ترجع الصراعات أيضًا إلى عزم تركيا على بيع كميات من مياه نهر الفرات لإسرائيل التي تعاني من نقص شديد في المياه مع تزايد حاجتها منها، وربما تزداد الأزمة إذا انسحبت من هضبة الجولان السورية التي تمثل مصدر 30% من مياهها، هذا بالإضافة إلى أنها أنفقت حوالي 55% من مياه نهر الليطاني بعد احتلال جنوب لبنان عام 1982 وتحويلها مجرى النهر، وبعد انسحابها من الجنوب اللبناني تصاعدت أزمة إسرائيل من نقص المياه.

وقد كان لإسرائيل – وربما لا زال – مطامع في مياه نهر النيل أثناء مباحثات السلام المصرية – الإسرائيلية، كما تبدو أزمة المياه في الأردن أيضًا وتسعى إلى شراء المياه من تركيا هي الأخرى.

أما بالنسبة للوضع في المغرب العربي والخليج العربي؛ حيث الاعتماد على مياه الأمطار والمياه الجوفية، فهناك معاناة من تزايد مواسم الجفاف، مما يؤدي إلى أزمات شديدة نتيجة لنقص المياه. وفي ظل هذه الأوضاع يرى بعض الخبراء أن الحروب قد تنشب في الشرق الأوسط في المستقبل نتيجة الصراع على المياه.

وقد كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة؛ لتمهد وتعرف بأهمية السعي المستمر لزيادة مصادر المياه وطرق توفيرها والتطوير التكنولوجي اللازم لذلك، ومن هنا تبدو أهمية جهاز تحلية المياه (desalination) الذي ابتكره عالم مصري هو الدكتور المهندس “محمد عبد المنعم علي” البالغ من العمر 60 عامًا المتخصص في الهندسة الميكانيكية والذي حصل على براءة اختراع لجهازه من مكتب براءات الاختراع بأكاديمية البحث العلمي، كما حصل المخترع على جائزة دلية عن اختراعه الذي يهدف لتحلية مياه الشرب، سواء كانت من البحر أو مياه جوفية أو استخراج مياه مقطرة عن طريق ترطيب وتكثيف الهواء.وبداية يقول المخترع د.م “محمد عبد المنعم”: إنه استوحى فكرة اختراعه من خلال وجوده في بعض المناطق الصحراوية والنائية، فأدرك مدى احتياج التجمعات السكنية بها للمياه النقية وأهمية توفيرها بتكلفة قليلة.

ويشرح الفكرة قائلاً: الطاقة الجديدة والمتجددة أن الهدف من هذا الاختراع هو الاستفادة من الطاقة الجديدة والمتجددة، والمتمثلة في الشمس (Solar Energy) والرياح في تحلية مياه البحر أو المياه الجوفية للمناطق النائية، كبديل عن الطاقة التقليدية المتمثلة في مصادر البترول ومنتجاته والفحم، وبهذا يتم تطبيق إحدى الاستخدامات المثالية للطاقة المتجددة، خاصة في بلادنا وغيرها من البلاد العربية الغنية بالطاقة الشمسية، وتبدو أهمية هذا الاتجاه للأسباب الآتية:

  1. – يعتبر استخدام الطاقة التقليدية في المناطق النائية من أجل تحلية المياه عالي التكلفة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تكاليف نقل الوقود.
  2. – أن استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة في توفير المياه النقية وتلبية الحاجات المتزايدة منها يعتبر توسعًا مطلوبًا في استخدام هذا النوع من الطاقة.
  3. – هناك تزايد في احتياجات مصر وغيرها من الدول العربية من المياه النقية، وخاصة المناطق الصحراوية النائية والساحلية والتجمعات السكانية المتزايدة بها، وخاصة مع توقع تناقص هذه المياه بمعدل يتراوح بين 4 و5 مليارات متر مكعب سنويًّا خلال السنوات الخمس القادمة، ومما لا شك فيه أن توفير المياه المطلوبة باستخدام الطاقة التقليدية في التحلية يتطلب أموالاً طائلة، كما أنه يضر بالبيئة ويلوّثها، وهذا مما يزيد من أهمية استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة.

الترطيب والتكثيف

وعن كيفية عمل الجهاز يقول المخترع د. محمد عبد المنعم: يتم إدخال المياه إلى جهاز التحلية، سواء كانت مياه مالحة من البحر أو مياه جوفية عن طريق مواسير يتم توصيلها بالجهاز، ثم تجري عملية تسخين للمياه سواء باستخدام السخانات الشمسية أو بتكثيف الهواء الساخن، ومن خلال دائرة مغلقة تتم عملية الترطيب، وذلك بالخلط المباشر لحركة الهواء مع الماء الساخن داخل هذه الدائرة المغلقة التي يطلق عليها المرطّب.

ويضيف: وبعد عملية الترطيب تجري عملية إزالة الرطوبة بتبريد المياه وتكثيف الرطوبة داخل مبرد الهواء، حيث يتم تجميع المياه المقطرة بعد ذلك وتصبح صالحة للشرب والطهي، والجهاز الواحد يغطي احتياجات حوالي 60 شخصًا.عن مزايا جهاز تحلية المياه بالطاقة المتجددة يؤكد المخترع أن عملية التحلية تصبح أقل تكلفة، ولا تحتاج إلى عمليات معالجة كيميائية للمياه قبل دخولها إلى الجهاز. كما أن الجهاز يوفر تكلفة الوقود ونقله إلى المناطق النائية التي تعاني من المشكلات الاقتصادية، كما يوفر تكاليف الصيانة وهي تكلفة عالية في الأجهزة التي تعمل بالطاقة التقليدية نظرًا لتصميمها المعقد، بينما جهاز التحلية بالطاقة المتجددة يتميز ببساطة التصميم ولا يحتاج إلى عمليات إحلال وتجديد لمكوناته بشكل مستمر.ويضيف: أن الجهاز يمكن أن يعمل بطاقة العوادم الحرارية أيضًا، وهي الطاقة التي يحملها العادم الصادر من المحركات، وذلك بالإضافة إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، هذا فضلاً عن إمكانية تصنيع جميع مكونات الجهاز محليًّا ومن معادن مثل الحديد والألومنيوم، ويعتبر صديقًا للبيئة حيث لا يخرج منه أية ملوثات.

وقد تبنت هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة التابعة لوزارة الكهرباء مشروع جهاز تحلية المياه، وقررت تنفيذه في إحدى المناطق الساحلية النائية بالبحر الأحمر، كما حصل المخترع على جائزة أفضل اختراع من منظمة الوحدة الأفريقية عام 1999 بعد أن تم ترشيحه من قبل أكاديمية البحث العلمي لدخول هذه المسابقة.

خالد يونس