المكفوفون يبصرون.. هذا إعلانا مضللا، وإنما حقيقة علمية. لأول مرة في تاريخ الطب تتم زراعة رقائق من السليكون داخل شبكية ثلاثة من فاقدي البصر لكي تساعدهم على الإبصار، وقد تم إجراء عملية زرع هذه الدقائق بالولايات المتحدة وتحديدًا في ولاية إلينوي الأمريكية، وكان المرضى الثلاثة قد فقدوا حاسة الإبصار نتيجة للإصابة بالتهاب الشبكية المسمى بـReinitis Pigmentosa” “.

وقد أجريت عمليتان في مركز شيكاغو الطبي يوم 28 يونيو 2000 ثم تلتهما عملية أخرى يوم 29 يونيو 2000 في مركز دوباج الطبي، ولم تستغرق العملية وقتًا كبيرًا، بل خرج المرضى في اليوم التالي لإجراء العملية.

وتشير النتائج المبدئية لعدم وجود أي مضاعفات بعد العملية ورقيقة السيليكون التي تم زراعتها أو ما تسمى شبكية السيليكون الصناعية (ASR)، تم اختراعها بواسطة الأخوين فينسنت مشاركة مع الدكتور/ آلان كو وتم تصنيعها بواسطة شركة أبتوبيونيكس.

ويصل طول هذه الرقيقة إلى 2.5مم وسمكها أقل من قطر الشعرة، وتحتوي هذه الرقيقة أو الشبكية الصناعية على ما يقرب من 35000 خلية شمسية ميكروسكوبية، والتي تحول الضوء إلى نبضات كهربائية، وتحتاج الرقيقة إلى الضوء المحيط لتشغيلها، نظرًا لأنها لا تحتوي على بطارية أو أسلاك.

ومن المنتظر أن تحل الشبكية الجديدة محل المستقبلات الضوئية المصابة بالشبكية وهي المسئولة عن عملية الإبصار؛ حيث تقوم هذه المستقبلات بتحويل الضوء إلى إشارات كهربائية داخل الشبكية التي يستقبلها المخ عن طريق العصب البصري؛ حيث يتم ترجمتها إلى صور وأشكال، وغالبًا ما يحدث تلف في هذه المستقبلات في الأشخاص المصابين بالتهاب الشبكية، وهو مرض يعاني منه حوالي 30 مليون شخص في العالم، وليس من المتوقع أن تساعد الشبكية الصناعية في علاج هؤلاء المصابين بفقدان البصر لأسباب أخرى غير أمراض الشبكية مثل مرض السكر أو المياه الزرقاء.

لماذا المكفوفون يبصرون من جديد؟ لأنه – وببساطة-بعد عملية زرع رقيقة السيليكون تحت الشبكية المصابة، تقوم آلاف الخلايا الشمسية بها والمتصلة بقضيب إلكتروني، بتحويل الضوء المنعكس من على الصور إلى نبضات، وهذه النبضات تقوم باستثارة الخلايا السليمة المتبقية بالشبكية التي تحول هذه النبضات إلى إشارات مرئية، كما يحدث أثناء عملية الرؤية الطبيعية، ثم يتم نقل هذه الإشارات إلى المخ عبر العصب البصري.

وقد تم تجربة هذه الرقائق على الحيوانات التي تم تدمير شبكياتها، فوجد أن هذه الحيوانات قد استجابت مجددًا للضوء، وهذه التجارب تعد تجارب أولية، ولا يمكن الحكم على هذه التجربة في الإنسان قبل أن تلتئم جروح هؤلاء الذين أجريت لهم عملية زرع الشبكية الصناعية.

كيفية زرع الشبكية الصناعية

وحتى نصل إلى نتيجة أو فرضية أن المكفوفون يبصرون من جديد، نقول أن فكرة عملية الزرع تقوم على وضع رقيقة السيليكون في الجزء الجانبي من الشبكية كما يقول الدكتور آلان كو، الذي يرى أن كل عمليات الزرع الثلاث تمت بنجاح، ولا يتبقى سوى أن تعمل هذه الشريحة في غضون الأسابيع القادمة.

وتتم عملية الزرع بواسطة الجراحة الميكروسكوبية؛ حيث تبدأ بعمل ثلاث فتحات صغيرة في الجزء الأبيض من العين، وهي فتحات لا تزيد في قطرها عن قطر الإبرة، ويتم شفط السائل المائي عن طريق هذه الفتحات ويحل محله محلول ملحي.

ثم يتم عمل فتحة مثل رأس الدبوس في الشبكية، وعن طريقها يتم حقن سائل خاص لكي يرفع قليلاً جزءاً من الغشاء بعيدًا عن مؤخرة العين؛ مما يؤدي إلى عمل جيب صغير في الفراغ أسفل الشبكية، والذي يتم فيه زرع الشبكية الصناعية، وبعد هذا يتم إعادة الشبكية لوضعها الطبيعي عن طريق حقن هواء داخل الشبكية كي تغطي تمامًا الشريحة، وفي خلال يوم أو يومين يتم امتصاص فقاعات الهواء عن طريق السائل المائي للعين.

وعن اختيار هذا المكان من الشبكية لزرع الشريحة، يرى البروفيسور/ جولام بيمان أحد الجراحين الذين قاموا بالعملية “هذا المكان منطقي لقربه من الشبكية، وهي المسئولة عن عملية نقل الصورة للمخ”.

وكذلك يأمل البروفيسور/ بيمان أن تقوم الشريحة بعملها كي تفتح الباب أمام علاج الكثير من مرضى الشبكية.

ويبدو البروفيسور/ جوزيه بوليدو أكثر تحمسًا، وهو أحد أفراد الفريق الجراحي الذي أجرى عملية زرع رقيقة السليكون؛ حيث يعلق قائلاً: “لقد قطعنا الشوط الأول بنجاح في طريقنا لمساعدة هؤلاء الذين فقدوا نعمة الإبصار”.

وبعيدًا عن انفعالات الجراحين، يجب أن نعترف أن مثل هذا النوع من الإبصار الإلكتروني سوف يختلف تمامًا عن الإبصار الحقيقي، فلن يستطيع هؤلاء الذين فقدوا حاسة الإبصار أن يبصروا مثل نظرائهم الأصحاء، بل سيكون هذا أشبه برؤية أجسام سوداء على خلفية بيضاء.

وتحقيق رؤية مشابهة للرؤية الطبيعية هو في الواقع أقرب للحلم منه للحقيقة، ولكنها خطوة أولى سوف تليها خطوات كثيرة مستقبلية بهدف الوصول إلى وسيلة تساعد هؤلاء الأشخاص فاقدي البصر على الرؤية بشكل طبيعي من جديد، ومما لا شك فيه أن مثل هذه التكنولوجيا سوف تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات عن إمكانية استخدامها في مجالات الإبصار المختلفة مثل الرؤية الليلية للجنود أو حتى التعرف على الأشياء لعمال الإطفاء باستخدام الأشعة تحت الحمراء.


د.حسام عرفة