في يوم 26/6/2000م أعلن الرئيس الأمريكي “بل كلينتون” ورئيس الوزراء البريطاني “توني بلير” بأن بحوث العلماء – التي كانت قد بدأت منذ عام 1990م – نجحت في اكتشاف 90% من “خريطة الجينات البشرية” وتثبيت مواقعها. والخطوة الآتية المهمة هي كشف وظيفة وخصائص كل واحدة من هذه الجينات البشرية التي يبلغ عددها مائة ألف من الجينات. وفك شفرات وتحديد 3 مليارات من القواعد الكيميائية التي تكون جزيئات مادة D.N.A. وتسجيلها كبيانات تكون أساسًا لتحليل هذه المعلومات.

الحقيقة أن هذا كشف علمي مهم جدًّا وخطوة علمية جبارة في مجال البحث العلمي المتواصل عن خريطة الجينات، بل أن بعضهم قال: إنه أهم من نزول الإنسان إلى القمر، وإنه يعادل اكتشاف الإنسان للعجلة في التاريخ القديم، وإن العصر الحالي سيكون عصر المكتشفات العلمية في ساحة الجينات وفي ساحة الهندسة الوراثية ذات الصلة الوثيقة بها. ولا شك أن علومًا كثيرة ستخطو خطوات واسعة إلى الأمام مثل علم الطب والهندسة الوراثية وعلم الزراعة والطب الشرعي وصناعة الأدوية والإنتاج النباتي والحيواني … إلخ.

وقد ظهر في بعض الجرائد والمجلات غير الرصينة وفي مجلات الإثارة في الصحافة الغربية بعض الادعاءات التي صدرت من بعض أنصار نظرية التطور من أن هذا الكشف قد برهن على صحة نظرية التطور.

تشابه جيني مزعوم

زعموا أن كشف “خريطة الجينات البشرية” أظهر أن هناك تشابهًا بنسبة 98% بين جينات الإنسان وجينات قرد الشمبانزي. وهذا – بزعمهم – دليل لا يدحض على أن الإنسان قد تطور من القرود.

ولشرح هذا الموضوع والرد على هذا الزعم باختصار نقول:

كيف يمكن وكيف يستطيع الإنسان مقارنة خريطة الجينات الإنسانية “مع خريطة جينات قرد الشمبانزي التي لم تسجل ولم تكتشف بعد؟! ألا يجب من أجل إجراء مثل هذه المقارنة اكتشاف خريطة جينات الشمبانزي وتثبيتها بعد دراسات ستستغرق أيضًا سنوات عديدة؟

أما ادعاء وجود تشابه بنسبة 98% بين جينات الإنسان وجينات الشمبانزي فيستند في الحقيقة إلى شيء آخر، فقد لوحظ وجود تشابه في شكل التراص لجزيئات D.N.A. في أربعين جزيئة من جزيئات البروتين في الإنسان مع ما هو موجود لدى القرود. (انظر إلى المجلة العلمية Journal of Melecular Evolution العدد 26 صفحة 99 – 121).

إن الإنسان يملك 100 ألف بروتين، والادعاء بأن الإنسان تطور من القرد من مجرد تشابه 40 بروتينًا فقط ادعاء غريب وغير علمي.

ومن الطبيعي وجود مثل هذا الشبه بين جميع المخلوقات، وليس بين الإنسان والقرد فقط، فالأحياء جميعًا تتكون من الجزيئات نفسها. ولكن هل وجود العجلة في الدراجة وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار وفي الحاصدة الزراعية وفي آلات وأجهزة أخرى كثيرة يدل على أن السيارة تطورت آليًّا من الدراجة ثم تطورت إلى الطائرة أو إلى القطار. ولكن يدل على أن هذه المكائن كلها من تصميم الإنسان، أي يرجع إلى مصمم واحد هو الإنسان. والأبنية بمختلف أشكالها وأنواعها ووظائفها ترجع إلى وحدات أساسية في الأصل هي “الطوب” أو الخرسانة ولا يمكن لأحد الادعاء بأن بعضها تطور عن البعض الآخر استنادًا إلى تشابه لَبِنَات البناء.

والدليل على أن هذا التشابه المحدود والضئيل ليس دليلاً على تطور الإنسان من القرد هو أن أبحاثًا كثيرة جرت على أنواع عديدة من البروتينات مثل بروتين (ريلاكسين Relaxin) وبروتين (الأنسولين Insulin)، فظهر أن الإنسان – لو أخذنا بمنطق تشابه جزيئات هذه البروتينات – قريب من الدجاج ومن الخنزير ومن السلحفاة أكثر من قربه من الأحياء الأخرى!!.

إذن فوجود مثل هذا الشبه لا يعني شيئًا حول القرابة بين الأحياء.

في أحد الأبحاث ظهر أن بين الإنسان ودودة Nematod تشابهًا بنسبة 75%.

(انظر إلى: New Scientist  بتاريخ 15/5/1999م صفحة 27)

 إذن فمن الخطأ – انطلاقًا من وجود مثل هذه التشابهات – الوصول إلى نتيجة أنها تشير إلى قرابة تطورية.

الكائن المناسب للوظيفة المناسبة

يقول البروفيسور (ميشيل دانتون) وهو من العلماء المشهورين في علم الأحياء المجهرية (Microbiology) في كتابه (التطور: نظرية في مأزق) ما يأتي:

(في عالم الجزيئات والأحياء المجهرية لا يوجد هناك كائن حي يُعَدُّ “جدًّا لكائن آخر، ولا يوجد هناك كائن أكثر بدائية، أو أكثر تطوراً من كائن آخر)     

(انظر إلى : “Michael Denton “ Evolution: A Theory in crisis   صفحة 290 – 291)

وهذا العالم يقصد أن كل كائن حي هو أفضل كائن بالنسبة لبيئته وبالنسبة للوظائف التي يقوم بها، وقد يملك خواصَّ وقابليات غير موجودة في كائن قد يُعِدُّه الكثيرون أكثر تطورًا منه. فالخفاش مثلاً يملك نظامًا للرادار لا يملكه الإنسان، ويملك النسر قابلية للرؤية لا يملكها الإنسان، وللكلب قابلية للشم أكثر مما هي موجودة في الإنسان.

ولشرح هذه الحقيقة التي قد يستغربها الكثيرون نقتبس هنا ما كتبه الدكتور

(خلوق نور باقي) في كتابه (الإنسان ومعجزة الحياة ص 17 – 31):

“إن الخلية هي وحدة البناء لكل كائن حي؛ لذا علينا أن ننظر إلى الكائن الحي – مهما اختلف نوعه – من خلال خليته. والاكتشافات الأخيرة التي صححت لنا معلوماتنا القديمة تشير إلى تقارب كبير في خواص الأجزاء الرئيسة للخلايا، فهناك فرق ضئيل جدًّا من ناحية خواص الأقسام الرئيسة بين خلية عشب وخلية حشرة… بين خلية جناح فراشة، وخلية في دماغ حيوان، فحتى الآن كانت النظرة الإلحادية تعيد وتكرر القول عن “الخلية البسيطة والبدائية” وعن “الخلية المتطورة” وهو ما ظهر بطلانه بشكل قاطع، فبعد اكتشاف جزيئة DNA  من قبل كريك وواطسون (Crick & Watson ) وإجراء التجارب العديدة والدقيقة عليها تبين أن جميع الخلايا تستند إلى هذه الجزيئة المدهشة التي نطلق عليها اسم D.N.A.،ففي نظم هذه الجزيئات وفي شفراتها الوراثية وخواصها الحيوية لا نجد فرقًا يذكر من حيث وحدات البناء بين أبسط خلية عشب وبين ما يطلقون عليه اسم “الخلية المعقدة”.

ويمكن اعتبار هذا الاكتشاف أعظم الاكتشافات التي حققها علم الأحياء المعاصر؛ لأنه يزيل تمامًا ومن الأساس ادعاءات نظرية التطور؛ إذ لا يحصل أي تغيير في بنية الخلية. إذًا فأي شيء تطور إلى أي شيء؟ فخلية حيوان الحلزون – الذي كنا ننظر إليه سابقًا باحتقار – أو خلية أي حيوان زاحف، لا تختلف من حيث البنية عن خلية أي حيوان من اللبائن التي يقال أنها متطورة، ففي السابق عندما كان يعتقد أن المادة الرئيسة للخلايا هي الأحماض الأمينية كنا نحسب أن الفرق بين خلية بدائية وأخرى متطورة يكمن في نوع، وفي عدد هذه الأحماض الأمينية، بينما أدى اكتشاف D.N.A. إلى نبذ جميع هذه الآراء والفرضيات، فأروع تخطيط وأروع تنظيم وأروع برمجة نراها موجودة في خلية العشب وفي خلية الدماغ سواء بسواء.

إذن ما الفرق بين الخلايا؟… الفرق هو في البرمجة الرياضية الموجودة فيها. وما عدا ذلك فالخلايا مخلوقة بنفس الدقة وبنفس الروعة، فكما أن الإنسان مخلوق على شكل واحد، ولكن أحدهم يصبح مهندسًا والآخر يصبح فيزيائيًّا، كذلك الأمر بالنسبة للتخصص في عالم الخلايا، وكما أن المهندس لا يملك كبدًا يختلف عن كبد العامل، كذلك الخلايا الحية؛ إذ نجد فيها نفس الوحدات البنائية الأساسية. أما الجانب المختلف فيكمن في نوعية البرمجة… انظروا مثلاً إلى الخلية الموجودة في الدماغ. إننا نعتبرها خلية ذات أوصاف عالية، ولكننا نجد في الوقت نفسه أنها عاجزة عن القيام بفعاليات بسيطة مثل عملية التنفس، ولو قمنا بعزل خلية دماغية لرأينا أنها عاجزة عن العملية التي يطلق عليها اسم “التنفس اللاهوائي” أو “تنفس كريس”؛لذا تأتي خلية أخرى وتزود خلية الدماغ هذه بالأوكسجين الذي تحصل عليه من عملية التنفس السري. وهكذا تستطيع الخلية الدماغية إدامة حياتها).

 ثم يعطي مثالاً للتوضيح:

(في إحدى التجارب أُعطيت كمية من النتروجين المشع إلى نوع من أنواع البكتريا الأحادية الخلايا والمسماة بالعصوية Bacillus “. فقامت هذه البكتريا بربط هذا النتروجين مع حامض أميني، بينما كان من التصرف الطبيعي والمتوقع هو أن تقوم بربط النتروجين مع ناقلاتها الوراثية. ولكن التجارب أثبتت أن البكتريا تستطيع تمييز جزيء النتروجين المشع من بين آلاف الأحماض الأمينية؛ لذا لا تأخذها لناقلاتها الوراثية. وهي تقوم بهذا التشخيص والتمييز على الرغم من أنها تقوم بتناول واستعمال البروتين في جسمها وبهضمها ونقلها إلى نواتها وإلى نويتها.

ولا توجد لدينا حاليًا أي طريقة كيماوية لفرز وتعيين الجسم المشع؛ إذ لا يستطيع أي مختبر كيماوي في العالم القيام بالاستدلال على الأجسام المشعة بالطرق الكيماوية، بل يمكن القيام بذلك بالطرق والوسائل الفيزيائية فقط. ولا يبقى أمامنا مناص إلا الاعتراف بأن هناك قسمًا خارقًا وغير اعتيادي في خلية هذه البكتريا يستطيع أن يشخص المواد المشعة. وهنا نحب أن نسأل الداروينيين: “أهذا هو المخلوق البدائي؟ كيف تجرءون على إطلاق كلمة المخلوق البدائي على كائن يحمل جسمه منذ خمسة ملايين سنة مثل هذه المعامل المذهلة التي لم تستطع جميع علوم الإنسان ومدنيته حتى الآن الاقتراب من مستواها؟”)

في العدد رقم 2235 من المجلة العلمية الأمريكية المعروفة (New Scientist) الصادرة في 22/حزيران/2000م وهي من المجلات العلمية المعروفة بدفاعها عن نظرية التطور نجد تقييمًا للوضع الأخير لنظرية التطور ومقدار مصداقيتها الحالية في العالم، فنراها تقول بأن هذه النظرية في تراجع مستمر في العالم، حتى أنها وضعت على غلافها عنوان (حرق دارون Burning  Darwin) وأدرجت داخل العدد خريطة للعالم بينت فيها البلدان التي تتراجع فيها نظرية دارون بسرعة وتتقدم فيها (فكرة الخلق Creationsm).

وأعطت العديد من المعلومات والأرقام المفيدة، فذكرت أن في كوريا حاليًا ألفين من رجال العلم من أنصار فكرة الخلق في (وحدة أبحاث الخلق) هناك، وفي روسيا مائة من رجال العلم في (جمعية أبحاث الخلق) في موسكو، وفي إنجلترا هناك ألفان من رجال العلم من أعضاء (حركة علم الخلق). كما ذكرت وجود علماء عديدين في الدانمارك وكندا وأستراليا ونيوزيلندا يتبنون فكرة الخلق ويردون نظرية دارون. هذا طبعًا إضافة إلى وجود أشهر مركز في العالم لرد نظرية التطور وهو (معهد علوم الخلق) الموجود في كاليفورنيا.

وذكرت وجود علماء مشهورين آخرين في الولايات المتحدة الأمريكية غير منتسبين إلى هذا المعهد أو غيره من المعاهد، ولكنهم يعارضون نظرية التطور ويحاربونها، ومن أشهرهم البروفيسور (ميشيل باه Michael  Behe) أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة لاهاي المعروف عنه أنه العالم الذي سدد ضربات مميتة إلى نظرية التطور بكتابه (العلبة السوداء لدارون). وأشارت بنوع خاص إلى تركيا وإلى نشاط (مؤسسة البحث العلمي) في إسطنبول، وإلى جهود ونشاط الكاتب السيد (هارون يحيى) في نقض نظرية التطور بالكتب العلمية العديدة التي ألفها في هذا الخصوص. وهذه المجلة تطلق صفارة الإنذار وتقول لأنصار هذه النظرية: “إن العلماء على وشك أن يحرقوا دارون”. 


أورخان محمد علي