إذا كان خطابنا الإسلامي ينبغي أن يراعي مكان المخاطبين أو المدعوين، وزمانهم وظروفهم، ويخاطب كل قوم بلسانهم ليبين لهم، ويجتهد في إفهامهم، حتى يكون بلاغه لهم (بلاغا مبينا) كما هو شأن بلاغ الرسل عليهم الصلاة والسلام {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} (النحل: 35)، فمن المهم أن يلاحظ هذا الخطاب في عصر العولمة طبيعة التقارب الذي جعل العالم كله قرية واحدة، وأصبح من خصائص هذا العصر سرعة انتقال الخطاب إلى القارات في سرعة البرق.

ويلزم أهل الخطاب الإسلامي أو الدعوة الإسلامية أن يتحروا في خطابهم، ويتأنوا في دعوتهم، ولا يلقوا الكلام على عواهنه، فقد غدا العالم كله يسمعهم، ويحلل أحاديثهم. وفيما يلي نطلع على خصائص هذا الخطاب.

الخاصية الأولى: خطاب يؤمن بالوحي ولا يغيب العقل

من خصائص خطابنا الإسلامي في عصر العولمة أنه يؤمن بالوحي ولا يغيب العقل.

فهو يؤمن بالوحي باعتباره أساس كل دين سماوي. فتعاليم الدين وأحكامه ليست من صنع النبي -أي نبي- ووحي فكره ووجدانه، بل أوحى الله بها إليه عن طريق ملك ألهمه أو أنزل كتابه إليه، فتلقاه النبي منه، وحفظه، وبلغه للناس كما أنزل إليه.

ونحن المسلمين بعد أن رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما: أصبحنا ملتزمين ـ بحكم عقيدتنا ـ بأحكام الإسلام وأوامره ونواهيه: في العقيدة والشريعة والسلوك والمفاهيم والتقاليد. فليس لنا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. وفي هذا يقول الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} (الأحزاب: 36).

ومع دعوة الخطاب الإسلامي إلى الإيمان بما جاء به الوحي، والالتزام به أمرا ونهيا، في العبادات أو المعاملات: يدعو هذا الخطاب ـ في الوقت نفسه ـ إلى احترام العقل الذي لولاه ما ثبت الوحي.

فالإسلام يحترم العقل؛ لأن به عرفنا الله، وبه عرفنا رسول الله، وبه عرفنا كتاب الله.

وهو يحترم العقل؛ لأننا بالعقل نفهم خطاب الله، ونفسر كتاب الله، ونستنبط أحكام الله، فقد شاء الله أن ينص على بعض الأحكام في كتابه أو على لسان رسوله، وأن يدع منطقة فارغة من التشريع والأحكام الملزمة سميناها في بعض كتبنا (منطقة العفو)[1] أخذا من الحديث القائل “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو (عفو) فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، ثم تلا: {وما كان ربك نسيا}” (مريم: 60).[2]

وهذه المنطقة ـ منطقة العفو ـ مطلوب من العقل أن يملأها ـ عند الحاجة ـ بما يهديه إليه اجتهاده في ضوء النصوص الأخرى: إما عن طريق القياس بشروطه أو الاستصلاح أو الاستحسان أو غيره من أدلة ما لا نص فيه.[3]

وأما ما جاءت فيه نصوص قرآنية أو نبوية، فمهمة العقل أن يجتهد فيها ليستخرج منها الأحكام في ضوء الأصول والقواعد التي ارتضتها الأمة في الاستنباط، وبناء الفروع عليها. وهنا تتعدد المدارس، وتتنوع المشارب، ما بين من يميل إلى الرأي ومن يميل إلى الأثر، ومن ينظر إلى المقاصد، ومن يجنح إلى الظواهر، والشريعة تتسع لهؤلاء جميعا. وفي هذا التنوع إثراء للفقه وسعة ورحمة.

وهو يحترم العقل بعد ذلك؛ لأنه أداته الفذة في معرفة الكون من حوله، فهو الذي يكتشف قوانين المادة، ويفسر الظواهر الكونية، ويربط بينها، ويستخدمها في مصلحة الإنسان. كما يوظفها في تثبيت الإيمان {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} (فصلت: 53).

إن هذا العقل يجب أن يحترم لدى المسلمين، فلا يعطلوه عن وظيفته الأساسية: التفكير والبحث والاستنباط والنقد، فلا تنحصر مهمته في مجرد التلقي والتقليد والجمود، وقبول كل ما يلقن للإنسان دون أن يمتحنه، ويفحصه، ويعرف صدقه من كذبه، أو صحته من فساده، أو صوابه من خطئه.

· ولهذا كان لا بد في إثبات الحسيات من دليل المشاهدة {أشهدوا خلقهم} (الزخرف: 19).

· ولا بد في إثبات النقليات من دليل التوثيق {ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} (الأحقاف: 4) {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} (الأنعام: 148).

· وكان لا بد في إثبات العقليات من البرهان المنطقي، ولهذا تكرر في القرآن مطالبة أصحاب الدعاوى العقدية أن يأتوا بالبرهان على دعواهم {أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم} (الأنبياء: 24) { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (البقرة: 111).

فالعقل الذي نريده هو: العقل الحر الباحث عن الحقيقة، الطليق من أسار التقليد، واتباع الظنون والأهواء، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، والهوى يعمي ويصم، أما العقل المكبل بأغلال الانبهار بفلسفة معينة، أو بثقافة بشرية، أو بتقليد الماضين، فهذا عقل غير مأمون على تحصيل المعرفة الصحيحة، والوصول إلى الحقيقة الصريحة. وقد قال الإمام ابن الجوزي: “اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل؛ لأنه خلق للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها: أن يطفئها، ويمشي في الظلمة.[4]

وفي عصرنا امتحن العقل الإسلامي بفتنة الانبهار بصنم آخر، هو صنم الحضارة الغربية الحديثة، بما تحمله من فلسفة للحياة والإنسان.

لقد وجد من بني جلدتنا من فتنوا بهذه الحضارة، ومن لا يزالون مفتونين بها، ويريدون منا أن ننسلخ من جلدنا، وننخلع من ذاتنا، لنتبع هذه الحضارة شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه وراءهم. هؤلاء الذين سميتهم (عبيد الفكر الغربي).

ونحن نريد من (العقل المسلم) اليوم أن يتحرر من التبعية والتقليد للغرب وفلاسفته، كما دعوناه أن يتحرر من التبعية والتقليد للشرق وأئمته. بل أن التحرر من الغرب أحق وأولى.

نريد للعقل المسلم أن يتحرر من التبعية والتقليد، وألا يتعبد إلا بمحكمات النصوص الربانية، التي تضيء له الطريق، وتهديه سواء السبيل. فالله تعالى يقول: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} (النساء: 174).

ليس عندنا ـ نحن المسلمين ـ ما في أديان أخرى من عزل العقل عن قضية الإيمان، فلابد للإيمان من أن يؤسس على العلم، حتى يؤمن الإنسان بربه وبرسوله عن بينة، ويسير في طريقه على بصيرة ونور، فالعلم دليل الإيمان، كما قال تعالى: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} (الحج: 54).

ولا توجد عندنا ـ نحن المسلمين ـ مشكلة الصراع بين العقل والوحي، أو بين الحكمة والشريعة، أو بين الفكر والعقيدة، أو بين العلم والدين؛ فالدين عندنا علم، والعلم عندنا دين. ومن القواعد المعلومة المقررة عندنا: أنه يستحيل التناقض بين قواطع العقل وقواطع الشرع؛ لأن الحق لا يعارض الحق أبدا. وإذا وجد شيء من هذا في الظاهر، فلا بد أن يكون لأحدهما تفسير أو تأويل يخرج به عن التناقض.

الخاصية الثانية: يحرص على المعاصرة ويتمسك بالأصالة

ومن خصائص خطابنا الديني الإسلامي في عصر العولمة: أنه يحرص على المعاصرة، ويتشرب روح العصر، وخصوصا في وسائله وآلياته. ولا يتجاهل في دعوته إذا دعا، ولا في فتواه إذا أفتى: تيارات العصر، ومذاهبه الفلسفية، ومدارسه الفكرية، واتجاهاته الأدبية، وانحرافاته السلوكية، ومشكلاته الواقعية.

ولقد قرر المحققون من فقهائنا: أن الفتوى تتغير بموجبات شتى، منها: تغير الزمان، وتغير المكان، وتغير العرف والحال وغيرها.

من سمات المعاصرة

والمعاصرة لها سمات معينة، يجب أن تراعى في وعظ الواعظ، وفي تعليم المعلم، وفي فتوى المفتي، وفي قضاء القاضي، ومن هذه السمات ما يلي:

أ – العقلية العلمية النقدية.

ب – التجديد الذي يعني مراعاة تغير الظروف، مع عدم التنكر بالضرورة للقديم.

جـ – المرونة: ثبات الأهداف وتطور الوسائل.

الخاصية الثالثة: خطاب يدعو إلى الروحانية ولا يهمل المادية

من خصائص خطابنا الإسلامي في (عصر العولمة): أنه يدعو إلى (الروحانية) التي هي جوهر الدين ولبه، ولكنه لا يهمل الجانب المادي من الحياة ويعتبره رجسا من عمل الشيطان.

ذلك أن الله خلق الإنسان كائنا مزدوج الطبيعة، فيه قبضة من طين الأرض، ونفخة من روح الله، وهذه النفحة الربانية هي التي ميزته عن سائر الحيوانات، وجعلته أهلا لأن يأمر الله الملائكة بالسجود تكريما له {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (ص: 71، 72).

فإذا عني الإنسان بعنصره الروحي ـ وأصله سماوي ـ سما وارتقى حتى يلتحق بأفق الملائكة، وإذا عاش أسيرا وخادما لعنصره الطيني ـ وأصله أرضي ـ هبط وأخلد إلى الأرض، فينزل إلى حضيض الأنعام، وربما كان أضل منها وأسوأ درجة {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} (الفرقان: 43، 44). ولهذا نجد أن أوامر القرآن ونواهيه اتجهت لتهذيب الجسد كما الروح، وإثراء الجسد كما الروح.

الخاصية الرابعة: خطاب يتبنى العالمية ولا يغفل المحلية

لا بد للخطاب الديني في عصرنا هذا ـ عصر العولمة ـ أن يتبنى عالمية الدعوة والتوجه، وإن لم يغفل الجوانب المحلية والإقليمية، وهذا ما نادينا به وما زلنا، وذلك لسببين أساسيين:

أولهما: أن هذه هي طبيعة الدعوة الإسلامية، فهي ليست دعوة عربية، ولا دعوة شرقية، وليست دعوة عرقية ولا إقليمية بحال بل هي دعوة (للعالمين).

وثانيهما: أن العزلة الآن لم تعد ممكنة، لم يعد في إمكان عالم أو داعية أن يغلق أبواب مسجده أو معهده على نفسه وعلى مصليه أو تلاميذه، ويقول لهم ما يود أن يقوله دون أن يسمع به أحد.

الاهتمام بالواقع المحلي

ومع دعوة الخطاب الإسلامي للعالمية، وانفتاحه على الكون: لا ينسى الواقع الإقليمي والمحلي من حوله، فالأقربون أولى بالمعروف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.[5]

والقرآن يقول: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} (البقرة: 215).

فبدأ بالوالدين والأقربين، لأنهم أحق من غيرهم وأولى.

والإسلام ـ إن كان يعتبر الأمة الإسلامية أمة واحدة ـ يرى توزيع زكاة كل إقليم في فقراء الإقليم نفسه. ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: “أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم”.[6]

وبهذا سبق الإسلام ما يحرص عليه العالم المتحضر من فكرة (اللامركزية) ونظام (الإدارة المحلية) بدل (المركزية) الصارمة التي تتبع في بعض الأنظمة.

الخاصية الخامسة: خطاب يستشرف المستقبل ولا يتنكر للماضي

ومن خصائص خطابنا الإسلامي المعاصر: أن يخرج من التقوقع على الماضي، والانكفاء على التراث، ليتطلع إلى المستقبل، ويستشرف آفاقه.

القرآن الكريم والمستقبل

فالمتدبر للقرآن الكريم يجده ـ منذ العهد المكي ـ يوجه أنظار المسلمين إلى الغد المأمول، والمستقبل المرتجى، ويبين لهم أن الفلك يتحرك، والعالم يتغير، والأحوال تتحول، فالمهزوم قد ينتصر، والمنتصر قد ينهزم، والضعيف قد يقوى، والقوي قد يضعف، والدوائر تدور، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أم العالمي، وفقا لسنة (التداول) التي أشار إليها القرآن بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} (آل عمران: 140).

وعلى المسلمين أن يهيئوا أنفسهم، ويرتبوا بيتهم، لما يتمخض عنه الغد القريب أو البعيد، فكل آت قريب.

والعبرة من هذه الحالة النفسية الذهنية التي يحيينا بها القرآن ألا يعيش المسلمون في هموم يومهم، ومشكلات حاضرهم، غافلين عن إمكانات المستقبل، وآفاقه المرتقبة، وإرهاصاته، ومبشراته أو نذره، فيفاجأوا بما لم يكن في حسبانهم، ولم يخطر في بالهم.

لكن هذا الخطاب لا يتنكر للماضي

ومع اهتمام خطابنا الديني بالمستقبل، واستشرافه له، ومحاولة استكشافه بعين مسلمة، ورؤية مؤمنة: لا يتنكر للماضي. وهناك بعض ممن يريدون أن يحذفوا (الأمس) من الزمن، وأن يحذفوا (الفعل الماضي) من اللغة، ويحذفوا التاريخ من العلوم، وهذا قصور في الرؤية، وخلل في التوازن، فالزمن ماض وحاضر ومستقبل.

والله تعالى خلق للإنسان ذاكرة تختزن الماضي، كما خلق له مخيلة تستشف المستقبل. والإنسان الذي يصاب بفقد ذاكرته يعتبر مريضا في نظر الطب وفي نظر المجتمع، ولا يستطيع أن يبني حاضره أو مستقبله إلا على أساس ماضيه.

ولهذا رأينا القرآن يذكر قصص الأولين، لنتخذ منها الدروس والعبر، كما قال تعالى: “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب” (يوسف: 111) وقال: “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين” (هود: 120).

وهكذا لا بد من تذكر الماضي، لننتفع به في بناء المستقبل.

الخاصية السادسة: خطاب يتبنى التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة

وينبغي للخطاب الديني اليوم: أن يتبنى منهج التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة، اتباعا للمنهج النبوي الذي علمه أصحابه، كما رواه عنه أنس أنه قال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”.[7]

ترجيح التيسير على التعسير في الفقه:

ودواعي اعتبار هذا المبدأ لجملة أسباب

أولها: أن الشريعة مبناها على اليسر، ورفع الحرج، والتخفيف، والرحمة والسماحة، كما دلت على ذلك النصوص الغزيرة والوفيرة. يقول تعالى في آية الصيام: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة: 185).

ثانيا: أن الناس في عصرنا أحوج ما يكونون إلى التيسير عليهم، والتخفيف عنهم، رفقا بهم، ومراعاة لحالهم، حيث ضعفت الهمم، وغلب على الناس التكاسل عن الخيرات، وكثرت فيهم العوائق عن الخير، والمرغبات في الشر.

ثالثا: أن الفرد بوسعه أن يشدد على نفسه إن شاء، ويأخذها بالعزائم إن كان من أهلها، مع أن الأولى هو الاعتدال والتوازن، كما في الحديث: “إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته”.[8]

ولكن لا ينبغي للفقيه أن يشدد على جمهور الناس في الأمور التي تهم جمهورهم، وتتصل بحياتهم الاجتماعية، مراعيا أن فيهم الضعيف، والكبير، والمريض، وصاحب العذر، كما جاء في الإمامة في الصلاة: “من أم الناس فليخفف فإن من ورائه الكبير والمريض وذا الحاجة”.[9]

وأود أن يكون شعارنا في هذه المرحلة قول الإمام سفيان الثوري: “إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد.[10]

التشديد في الأصول

والتيسير الذي يتبناه الخطاب الإسلامي في عصر العولمة: إنما هو تيسير في الفروع، التي هي مجال رحب للاجتهاد والاختلاف.

ولكن الأصول التي هي أساس الدين ومحوره، والتي يقوم عليها بنيانه، وتشاد عليها أركانه، لا ينبغي التساهل فيها، فهي التي تحمي الأمة من الانفراط والذوبان.

ونعني بهذا الأصول: العقائد الأساسية التي هي عمدة الدين في الإلهيات والنبوات والسمعيات. والتي لا تقبل الاجتهاد ولا التجديد ولا التطور، ومن خالف فيها كفر أو فسق.

أما العقائد الفرعية، وما جرى فيها من خلاف، عبر عنه بعض السلف بقوله: هؤلاء قوم عظموا الله، وهؤلاء قوم نزهوا الله! فهذه للاجتهاد فيها مدخل، وللاختلاف فيها مجال، والمختلفون فيها دائرون بين الأجر والأجرين. فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر. وهذا من فضل الله تعالى ورحمته، ومن روائع الإسلام أن يؤجر المجتهد وإن أخطأ، وإنما كان أجره نتيجة اجتهاده وتحريه.

التبشير في الدعوة

وكما تبنى الخطاب الديني التيسير في مجال الفقه والفتوى، ينبغي أن يتبنى التبشير في مجال الدعوة والتعليم، ليكتمل المنهج النبوي المأمور به، فكما اتبعنا منهجه في قوله: “يسروا ولا تعسروا” علينا أن نتبعه في قوله: “وبشروا ولا تنفروا”. وعصرنا هذا أولى من غيره بالتزام التبشير، والبعد عن التنفير.

و”التبشير” مصدر بشر يبشر، وأصله الإخبار بأمر سار يظهر أثره على بشرة الإنسان. والمراد بالتبشير هنا: كل دعوة تحبب الله تعالى إلى عباده، وترغبهم في عبادته وطاعته، وتقودهم بحب ورفق إلى اتباع صراطه المستقيم.

فالتبشير في نظري يتعلق بجانب الدعوة، كما أن التيسير يتعلق بجانب الفتوى، وإذا وفق العالم المسلم إلى اتباع منهج التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة، فقد آوى إلى ركن ركين، وهدي إلى صراط مستقيم.

ومعنى “لا تنفروا” أي لا تتبعوا النهج الذي ينفر الناس من شرع الله، ومن الالتزام بمنهجه القويم، مثل منهج الترهيب الدائم، والتخويف المستمر من الله تبارك وتعالى، بذكر آيات الوعيد والعذاب والبطش من الله، دون آيات الوعد والنعيم والرحمة منه سبحانه.

فينبغي على الدعاة أن يقودوا الناس إلى الله تعالى بزمام الحب، بدل أن يسوقهم بسوط الخوف.

الخاصية السابعة: خطاب ينادي بالاجتهاد ولا يتعدى الثوابت

ومن خصائص خطابنا الإسلامي في عصرنا هذا: أنه ينادي بالاجتهاد جزئيا وكليا، انتقائيا وإنشائيا، بوصفه طريقا شرعه الإسلام لاستنباط الأحكام من النصوص، ومما لا نص فيه.

ولا يقيم حربا بين نصوص الشريعة ومقاصدها، بل يفهم النصوص الجزئية في إطار المقاصد الكلية.

لا يقبل خطابنا الإسلامي المعاصر: مقولة (سد باب الاجتهاد) التي شاعت في بعض الأزمان، فقد كانت هذه دعوى لها أسبابها وبواعثها، وهي: سد الطريق على المتلاعبين بالدين، الذين أرادوا أن يطوعوا الفقه لخدمة الأمراء. ومع هذا لم يخل عصر من العصور من المجتهدين في المذاهب المختلفة.

إن الاجتهاد باب فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لفهم الشرع الشريف، فلا يملك أحد أن يغلقه. المهم أن يدخل هذا الباب من كان أهلا له، ومن يملك الشروط التي اتفق عليها العلماء لمن يريد الاجتهاد. وإن عصرنا هذا لهو أولى العصور بتجديد الاجتهاد فيه. وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان مردها باب الاجتهاد الشرعي المفتوح. فالاجتهاد واجب في كل عصر لحل مشكلاته، وبيان الحكم الشرعي فيها: فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع.

وليس في فتح باب الاجتهاد اليوم خطر. إنما الخطر هنا يكمن حين يدخل الاجتهاد من ليس أهله، أو يكون الاجتهاد في غير محله. (الدخلاء) على العلم الشرعي هم الذين يفسدون حيث يزعمون أنهم يصلحون، ويهدمون من حيث يعلنون أنهم يشيدون.

خطر (الدخلاء) هؤلاء هو الخطر الحقيقي؛ لأن وراءهم جهات مشبوهة تروج لأفكارهم، وتسوق كتبهم، وتفتح لهم الأبواب ليظهروا على الشاشات في القنوات الفضائية.

ولن يكون هناك اجتهاد حقيقي إلا إذا انتقلنا من فقه (الظواهر) إلى فقه (المقاصد).

إن مشكلة (الحرفيين): أنهم في غالبهم مخلصون طيبون متدينون، ولكنهم ضيقو الأفق في فهم النصوص، وفي فهم الواقع، ولا يبالون بتغير الزمان والمكان والإنسان. وأسرع الكلمات إلى ألسنتهم إذا خطبوا، وإلى أقلامهم إذا كتبوا: (التبديع) و(التفسيق) بل (التكفير).

معالم وضوابط للاجتهاد المعاصر

ولقد تحدثت في كتابي (الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط) عن جملة معالم وضوابط لاجتهاد معاصر قويم، حتى يستقيم ولا يزيغ، وينضبط ولا ينفرط، ويمكن أن نلخص هذه الضوابط هنا:

1 – لا اجتهاد بغير استفراغ الوسع.

2 – لا محل للاجتهاد في المسائل القطعية.

3 – لا يجوز أن نجعل الظنيات قطعيات.

4 – الوصل بين الفقه والحديث.

5 – الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع.

6 – الترحيب بالجديد النافع.

7 – ألا نغفل روح العصر وحاجاته.

8 – الانتقال إلى الاجتهاد الجماعي.

9 – لنفسح صدورنا لخطأ المجتهد.

الخاصية الثامنة: خطاب ينكر الإرهاب الممنوع ويؤيد الجهاد المشروع

ومن خصائص الخطاب الإسلامي في عصر العولمة: أنه يوضح الفرق بين الإرهاب الممنوع والجهاد المشروع الذي فرضه الإسلام، ويبين مدى حرص الإسلام على مسالمة من يسالمه، حرصه على معاداة من يعاديه.

الإرهاب المرفوض والإرهاب المفروض

لقد أعلنت أمريكا الحرب على الإرهاب، وجندت العالم الغربي معها -بل تريد أن تجند العالم كله معها، وتجندنا نحن العرب والمسلمين أيضا- لتحارب ما سمته هي (الإرهاب).

وتركت مفهوم الإرهاب مائعا رجراجا، لتفسره هي كما يحلو لها، وتصف به من تشاء من الدول، ومن تريد من المنظمات والجماعات والأفراد. فمن غضبت عليه أمريكا لأي سبب -أو لغير سبب- فهو إرهابي أثيم، يجب أن يحارب ويطارد ويتعقب، ويعاقب بكل أنواع العقوبات: العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ونحن المسلمين نقرأ في قرآننا قول الله تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” (الأنفال: 60). فهذا الإرهاب لأعداء الله وأعداء الأمة مشروع لأنه غير مقترن بالاعتداء. إنما الإرهاب غير المشروع هو الذي يروع الآمنين، ويأخذ البرآء بذنب غيرهم، ولا يبالي ما سفك من دماء، ولا ما دمر من منازل، ولا ما استحل من حرمات. وقد جاء في الحديث في رجل تسبب في فزع مسلم، أخذ منه نعله وهو نائم، على سبيل المداعبة، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما”.[11]

وحتى في الحروب الإسلامية التي تلتحم فيها الجيوش بعضها مع بعض: لا يقتل إلا من يقاتل، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات، أنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان.

إننا ندين الإرهاب بكل صوره، مهما كانت دوافعه ومنطلقاته خيرة في نظر أصحابه. فرأيي أن الإسلام يرفض الفلسفة التي تقول: الغاية تبرر الوسيلة. فالإسلام يلتزم ويلزم بشرف الغاية وطهر الوسيلة معا، ولا يجيز بحال الوصول إلى الغايات الشريفة بطرق غير نظيفة، لا يجيز للمسلم أن يأخذ الرشوة مثلا، أو يختلس المال، ليبني به مسجدا أو يقيم به مشروعا خيريا “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”.[12]

ونحن كما ندين الإرهاب ندين العنف وننكره باسم الشرع. ولكن ما العنف الذي ننكره؟ وما الإرهاب؟ وما الفرق بينهما؟ إن تحديد المفاهيم هنا (ضرورة علمية) حتى لا تبقى هذه الكلمات الخطيرة مائعة ورجراجة يفسرها كل فريق بما يحلو له.

العنف -فيما أرى- أن تستخدم فئة القوة المادية في غير موضعها، وتستخدمها بغير ضابط من خلق أو شرع أو قانون. ومعنى (في غير موضعها): أن تستخدم حيث يمكن أن تستخدم الحجة أو الإقناع بالكلمة والدعوة والحوار بالتي هي أحسن، وهي حين تستخدم القوة لا تبالي من تقتل من الناس، ولا تسأل نفسها: أيجوز قتلهم أم لا؟ وهي تعطي نفسها سلطة المفتي والقاضي والشرطي.

هذا هو العنف. أما الإرهاب فهو: أن تستخدم العنف فيمن ليس بينك وبينه قضية، وإنما هو وسيلة لإرهاب الآخرين وإيذائهم بوجه من الوجوه، وإجبارهم على أن يخضعوا لمطالبك، وإن كانت عادلة في رأيك.

ويدخل في ذلك: خطف الطائرات، واحتجاز الرهائن، وقتل السياح كما حدث في مصر لضرب الاقتصاد المصري، للضغط على الحكومة المصرية. ومن ذلك أيضا ما حدث في 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، من اختطاف الطائرات المدنية بركابها: من المدنيين الذين ليس بينهم وبين خاطفيها مشكلة أو نزاع، واستخدامها (آلة هجوم) وتفجيرها بمن فيها، للضغط والتأثير على السياسة الأمريكية. وكذلك ضرب المدنيين البرآء: في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وفيهم أناس لا علاقة لهم باتخاذ القرار السياسي، وكلهم مواطنون يؤدون عملهم اليومي الذي يعيشون منه، ومنهم مسلمون وغيرهم.

وأول إرهاب يجب أن يدان: هو إرهاب الدولة الصهيونية المتجبرة في الأرض، التي بنيت على الإرهاب قبل أن تقوم، وتبنته بعد أن قامت.

ولكن ليس من الإرهاب في شيء أن يدافع الإنسان عن وطنه، وأن يقاتل محتليه وغاصبيه المعتدين عليه المستندين إلى ترسانتهم العسكرية الجبارة، وأن يقاتل أعداءه بما يملكه من قوة، كأن يجعل من نفسه قنبلة بشرية، ويفجر نفسه في أعدائه الطغاة المستكبرين في الأرض بغير الحق، فهو يضع روحه على كفه، ويضحي بنفسه فداء لأمته وقضيته، وهذا سلاح ملكه الله للضعفاء في مواجهة المدلين بالقوة الطاغية. فهذه العمليات الاستشهادية مشروعة للدفاع عن النفس والدين والأرض والعرض والمقدسات.

فإذا كان النظام العالمي الجديد جادا حقا في محاربة الإرهاب، فعليه أن يدين الإرهاب الحقيقي أولا، وأن يقلم أظفاره، ويخمد ناره، وأن يقف بجوار الشعوب المقهورة، التي تقاوم عدوها المحتل لأرضها بما تستطيعه وتملكه من وسائل وأدوات، هي جهد المقل، وطاقة العاجز.

الخاصية التاسعة: خطاب يحفظ حقوق الأقلية ولا يحيف على الأكثرية

ومن خصائص الخطاب الديني الإسلامي في عصر العولمة: أنه يحرص كل الحرص على حقوق الأقليات الدينية في الوطن العربي والإسلامي، ويحفظ لها كيانها الخاص، ويصون شخصيتها الدينية، ويرعى حرمات معابدها وشعائرها، ولا يتدخل في هذه الشؤون الخاصة بها، ولا يفرض عليها شيئا من عباداته أو فرائضه التي لها طابع ديني، رعاية لمشاعرهم وأحاسيسهم.

وخصوصا الأقليات الدينية في الوطن العربي، فهم من أهل الكتاب الذين ميزهم الإسلام بوضع خاص.

ويتلخص موقفنا حيال احترام وضع الأقليات غير المسلمة في البلد المسلم فيما يلي:

1-لا وجه لدعوى مكافحة تطبيق الشريعة بزعم أنها تضر بالمسيحيين، لأن في هذا حرمان للأغلبية من حقوقها.

2- لا تعارض بين حقوق المسلم والمسيحي في شريعة الإسلام.

3- والادعاء بأن سيادة النظام الإسلامي فيه إرغام لغير المسلمين على ما يخالف دينهم، إدعاء غير صحيح. فالإسلام ذو شعب أربع: عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وشريعة. والمسيحيون تنطبق عليهم أجزاء محدودة جدا من شعبة واحدة فقط هي شعبة الشريعة.

الخاصية العاشرة: خطاب ينصف المرأة ولا يجور على الرجل

ومن خصائص خطابنا الإسلامي في عصر العولمة: أنه ينصف المرأة، ويقف بجانبها، ويحررها من ظلم الجاهليات المختلفة، سواء كانت جاهلية عصور التخلف والتراجع الحضاري عند المسلمين، حين حبسوها في البيت، وحرموا عليها أن تذهب إلى المسجد، أو المدرسة أو الكتاب، وزوجوها بغير إذنها، وحرموها في كثير من البلاد من ميراثها، وأشاعوا حولها أحاديث مكذوبة مثل: “شاوروهن وخالفوهن” ومثل: “لا تسكنوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة”.

أم كانت جاهلية القرن العشرين الوافدة من الغرب، التي تريد أن تخرج المرأة من فطرتها، وأن تسلخها من جلدها، وأن تجعل منها رجلا أو كالرجل، وأن تتيح لها كل شيء، وأن تجعلها تتمرد على الزوجية وعلى الأمومة، وعلى الأنوثة، وتدفعها إلى التبرج والعري، والتمرد على الرجل والأسرة، والاكتفاء بزواج النساء بالنساء… إلخ.

الخطاب الإسلامي يتبنى موقفا غير موقف هؤلاء وهؤلاء، وهو موقف يستمده من فهمه المتوازن للإسلام، من ينابيعه الصافية، من كتاب الإسلام، ومن سنة نبي الإسلام، ومن صحابة الرسول الكرام، وهو موقف يعطي المرأة حقها، كما يعطي الرجل حقه. ولا يعتبر هناك صراعا بينهما.

فالمرأة هي أم الرجل، وهي ابنته، وهي زوجته، وهي أخته، وهي عمته وخالته، فلماذا يفترض الناس خصومة أو معركة بينهما. وهما متساويان في أصل النشأة، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكليف والمسئولية، متساويان في الجزاء والمصير.

إن هذه الخصومة بعيدة كل البعد عن العقيدة الإسلامية، وعن الشريعة الإسلامية، وعن الحضارة الإسلامية. ربما كان ذلك في نحل أو فلسفات أخرى تنظر إلى المرأة نظرة فيها توجس أو ريبة.

ومن هذا المنطلق أتت مساواة المرأة للرجل، سواء في الجنة، حيث يقول الله تعالى: “فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” (آل عمران: 195). وهناك مساواة أيضا في التكليف والتدين والعبادة. وكذا في التكاليف الدينية والاجتماعية الأساسية يسوي القرآن بين الجنسين بقوله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم” (التوبة: 71).

وفي الحقوق المالية للمرأة، أبطل الإسلام ما كان عليه كثير من الأمم -عربا وعجما- من حرمان النساء من التملك والميراث، أو التضييق عليهن في التصرف فيما يملكن، واستبداد الأزواج بأموال المتزوجات منهن، فأثبت لهن حق الملك بأنواعه وفروعه، وحق التصرف بأنواعه المشروعة. فشرع الوصية والإرث لهن كالرجال، وأعطاهن حق البيع والشراء والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة والكفالة والحوالة والرهن… وغير ذلك من العقود والأعمال. ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها -كالدفاع عن نفسها- بالتقاضي وغيره من الأعمال المشروعة.

كما جعل للمرأة حق طلب العلم كالرجل، بل الواقع أنه اعتبر طلب العلم فريضة عليها. كما جاء في الحديث: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، والمراد: كل إنسان مسلم، رجلا كان أو امرأة، وهذا بالإجماع.

ومن حقها أن تجير من استجار بها، وأن تحترم إجارتها، كما فعلت أم هانئ بنت أبي طالب يوم فتح مكة، فقد أجارت بعض المشركين من أحمائها، وأراد أحد إخوتها أن يقتله، فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله؛ زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته: فلان بن هبيرة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ”.[13]


[1] في كتابنا (عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية).

[2] رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه (2/375) ووافقه الذهبي، كما رواه البزار، ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) 7:55.

[3] للشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله كتاب بعنوان (أدلة التشريع فيما لا نص فيه).

[4] من كتابه (تلبيس إبليس) ص 81.

[5] رواه مسلم (997) عن جابر.

[6] متفق عليه من حديث ابن عباس.

[7] متفق عليه عن أنس.

[8] رواه أحمد وابن حبان والبيهقي في الشعب عن ابن عمر، وهو في صحيح الجامع الصغير (1886).

[9] رواه البخاري (704) ومسلم (466) عن أبي مسعود الأنصاري.

[10] انظر: كتابنا (أولويات الحركة الإسلامية) فصل (فكر وسطي).

[11] رواه أبو داود (5004) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا.

[12] رواه مسلم (1015) عن أبي هريرة.

[13] متفق عليه عن أم هانئ، انظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي برقم (193).