في عام 1997 تأسست في ألمانيا أول شركة لحفظ دماء الحبل السري؛ بغية استخدامه لاحقًا في علاج الإنسان عند البلوغ من الأمراض المستعصية.

وتعتبر شركة “فيتا – 34” Vita-34 أول شركة من نوعها في أوروبا تعمل في مجال تحضير وتخزين وتوزيع دم الحبل السري؛ رغم أن سلسلة من الشركات الأميركية مثل شركة (Boston) Viacord وشركة (San Bruno) Cord Blood Registry سبقتها منذ فترة في هذا المضمار، والسبب كما يقول د. إيبرهارد لامبيتر –رئيس مجلس إدارة الشركة الألمانية التي تقع في مدينة لايبزج- إن الشركات الأميركية تشتري دماء هذا الحبل؛ لقاء بعض المال وتحفظه للاستخدام بواسطة بشر آخرين يعانون من الأمراض السرطانية، في حين أن شركة “فيتا – 34” تحفظ الدم للجنين بموافقة والديه؛ كي يستخدم في علاجه شخصيًّا لاحقًا.

الجدير بالذكر أن دم الحبل السري يحتوي على ما يُسمى بالخلايا الجذعية: (Cord Blood Stem Cells) وهي خلايا شبيهة بخلايا نخاع العظام، وهي خلايا تعين الإنسان على إنتاج خلايا العظام والغضاريف والعضلات إضافة إلى خلايا الكبد والخلايا التي تشكل بطانة الأوعية الدموية، والمهم في الأمر أن لحفظ دم الحبل السري فوائد مستقبلية كبيرة؛ رغم أن العلماء لا يزالون في بداية أبحاثهم حول الموضوع، لكنّ هناك شيئًا مؤكدًا واحدًا، هو أن الخلايا الجذعية المستمدة من دماء الحبل السري يمكن استخدامها بنجاح، حيثما تطلب الأمر تدخل الأطباء لمعالجة صاحب الدم من الأمراض المستعصية مثل مختلف أنواع سرطانات الدم، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة، والتي نشرت مؤخرًا في الدوريات العلمية مثل New England Journal of Medicine و Lancet أن دم الحبل السري يمكن أن يعالج بنجاح العديد من الأمراض الخطرة مثل سرطان الدم وسرطان الثدي والرئة بالإضافة إلى بعض أمراض الدم والمناعة ومن المعروف أن دم الحبل السري، يستخدم حاليًّا بنجاح كبديل لعملية زرع نخاع العظام، وحتى الآن هناك أكثر من 600 حالة، تم فيها نقل دم الحبل السري بنجاح في جميع أنحاء العالم.

 كيفية تجهيز الدم:

عندما يقرر الأبوان الحصول على دم الحبل السري، يتلقى الوالدان تجهيزات لسحب الدم وحفظه بعد أن يوقعا على اتفاق لحفظ دم الحبل السري لوليدهما مقابل 2900 مارك ولفترة 20 عامًا، ويساعد الأطباء الوالدين قبل قطع الحبل السري وحدوث الولادة بثوانٍ على سحب الدم من أوردة الحبل السري بحجم 80 ملِّيلترًا بواسطة طاقم طبي مدرب؛ حيث يجري في الحال نقله بواسطة حافظات خاصة إلى “لايبزج” ليجري تجميده خلال 24 ساعة من لحظة سحبه، ويتم تجميد هذا الدم الحاوي على الخلايا الجذعية وفق شروط دقيقة بدرجة 196 مئوية تحت الصفر، وفي النتروجين السائل، وقد أوصى الصليب الأخضر الألماني (منظمة بيئية) على لسان الدكتورة أنجولف دور، كافة الجهات باتخاذ هذا الإجراء الاحترازي المهم، وقالت: إنه لا ينطوي على أي مجازفة بالوليد أو بحياة الأم.

استخدامات جديدة لدم الحبل السري:

ويرى الدكتور/ فولو فجانج هولتسجريف -رئيس قسم الأمراض النسائية في جامعة بازل السويسرية- أن الخلايا الجذعية المستمدة من الحبل السري قادرة أيضًا على إنتاج خلايا عضلات القلب، ويمكن أن تشكل بديلا ناجحًا في المستقبل؛ لعلميات زراعة القلب، وحسب رأي “هولتسجريف” فقد ثبت أن هذه الخلايا تختلف عن الخلايا المأخوذة من المشيمة أو من الأجنة المجهضة، كما ثبت أنها تتمتع بقابلية على مقاومة ظروف التجميد لسنين طويلة.

ويمكن معالجة الإنسان المصاب بالسرطان عن طريق إعطاء هذه الخلايا إليه قبل أن يلجأ الطب إلى معالجته بواسطة الكيميائيات والأشعة النووية، كما أن توفر الخلايا الجذعية يوفر على المريض تدخل الأطباء جراحيًّا لاستخراج هذه الخلايا من نخاع العظام، وحسب تقديرات “لامبيتر: فإن الخلايا الجذعية المتوفرة في دم الحبل السري تكفي لعلاج صاحبها (بافتراض أنه يزن 116 كيلوجرامًا) مستقبلا لمرة واحدة فقط ضد الأمراض المستعصية؛ ولهذا ينكب الأطباء والباحثون في “لايبزج” على تطوير تقنيات تكثير هذه الخلايا مختبريًّا، ويتوقعون أن يحققوا نتائج إيجابية خلال 3 إلى 4 سنوات.

والإيجابي في هذه العملية أنها تخلص المريض من مشكلة لفظ أو رفض الأجزاء المزروعة المأخوذة من متبرع غريب؛ لأنها ليست ملوثة بالفيروسات، وسهلة الاستئصال، وقد عُولجت طفلة أميركية (5 سنوات) تعاني من ورم أرومة العصبي Neuroblastoma بواسطة الخلايا الجذعية المستمدة من الدم في حبل ولادتها السري قبل سنة وشفيت من مرضها الآن تمامًا، كما عُولجت الطفلة الأميركية “مولي ناشي” بدم الحب السري لأخيها المولود في أنابيب الاختبار، وهذا ما جرى في جامعة مينيسوتا من خلال بحث العلماء عن علاج للطفلة مولى (6 سنوات) من مرض فقر دم فرانكوني Franconi anaemia ، وهو مرض وراثي نادر، لا يمكن إنقاذ الطفلة منه إلا بواسطة عملية زرع نخاع العظم عند الطفلة، وقدر العلماء أن العملية ستنجح بنسبة 85% إذا تلقت النخاع من أقارب الدرجة الأولي وبنسبة 40  – 50% في حالة تلقيها النخاع من غريب، وهنا لجأ العلماء إلى عملية فريدة، أجروا تلقيحًا جنسيًّا للوالدين، وهما يحملان المرض وراثيًّا (متنحيًّا) لكنهما لم يصابا به، بواسطة خلايا جنسية لا تحمل المرض، وقد ولد الطفل (ذكر) سالمًا من المرض قبل فترة قصيرة بعد أن نجح الوالدان في سحب الدم من الحبل السري؛ لاستخدامه في علاج الطفلة مولي، وينتظر العلماء نجاح عمليتهم بعد أن زرعوا الخلايا الجذعية المستمدة من الوليد الجديد في نخاع عظام مولي. 


حسام الدين عرفة أستاذ الأدوية و السموم بكلية الصيدلة جامعة الأزهر.