القرآن يحذر من تزكية النفس، بمعنى مدحها والثناء عليها، كما قال تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم: 32).
وذم اليهود والنصارى الذين زكوا أنفسهم، فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء: 49). وذلك أنهم قالوا، كما حكى عنهم القرآن: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة: 18). ورد عليهم بقوله: (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة: 18).
ولا يجوز لمن يعمل الصالحات أن يذكرها بعد الفراغ منها، إلا تحديثًا بنعمة ربه عليه: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى: 11)، أو ليرغب غيره فيقتدي به: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) (رَواهُ مسلم)، أو دفاعًا عن نفسه أمام اتهام ألصق به وهو منه برىء، أو لغير ذلك من الأسباب الباعثة، وهذا مشروع لمن قوى باطنه في المعرفة بالله، وعدم الالتفات إلى ما سواه، وأمن على نفسه من تسلل آفتي العجب والرياء. ولم يكن قصده اكتساب محمدة الناس والمنزلة عندهم، وقل من يسلم من ذلك… والله المستعان.
فليحذر المسلم من إعجابه بنفسه، وما يقدمه من حسنات وصالحات، واعتقاده أنه وحده المفلح، وغيره من الخاسرين، أو أنه وجماعته هم ” الفرقة الناجية ” وكل المسلمين من الهالكين، أو أنهم وحدهم ” الطائفة المنصورة” وغيرهم من المخذولين !.
إن هذه النظرة إلى النفس هي ” العجب المهلك “، وتلك النظرة إلى المسلمين هي ” الاحتقار المردي “.
وفي الحديث الصحيح: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم) (رَواهُ مسلم عن أبي هُريرةَ (2623). روى الحديث بضم الكاف وبفتحها، ومعنى الضم: أنه هو ” أهلكهم “، بمعنى أسرعهم وأشدهم هلاكًا؛ لغروره بنفسه، وإعجابه بعمله، واحتقاره لغيره.
ومعنى الرواية بالفتح ” أهلكهم “: أنه الذي تسبب – هو وأمثاله – في هلاكهم، بالاستعلاء عليهم، وتيئيسهم من روح الله.
قال الإمام النووي: ” وهذا النهي لمن قال ذلك، عجبا بنفسه، وتصاغرًا للناس، وارتفاعًا عليهم، فهذا هو الحرام. وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزنا عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به. هكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنس، والخطابي، والحميدي، وآخرون”(ذكر ذلك في ” رياض الصالحين ” ص 603، طبعة مؤسسة الرسالة).
وفي الحديث الصحيح الآخر: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) (رَواهُ مسلم عن أبي هُريرةَ (2563).. فمن حق المسلم على المسلم: ألا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، وكيف يحقر الإنسان أخاه، وهما فرعان من أصل واحد؟.