أحمد الشوكي

الشيخ نصر الدين طوبار

ما بين العام الذي ولد فيه 1920 وبين التحاقه بالإذاعة عام 1956 واعتماده قارئا ومبتهلاً، تكمن رحلة تكوين وإعداد الشيخ “نصر الدين طوبار” التي بدأت من الدقهلية مسقط رأسه، وفيها بدأ بحفظ القرآن الكريم شأن كل كبار المبدعين من هذا الجيل والذين قبلهم، ولأن الشيخ كان حسن الصوت فكان أصدقاؤه بالدقهلية يلحون عليه في أن يكون قارئًا بالإذاعة، ولا يكتفي بالقراءة في البيت وسرادقات المعارف في المناسبات، إلى أن تقدم بالفعل للإذاعة لكنه رسب خمس مرات متتاليات، حتى ضجر، إلا أن إصرار من حوله لاقتناعهم بصوته، دفعه إلى دخول اختبارات أصوات قراءة القرآن والإنشاد الديني للمرة السادسة، وكان أن نجح في السابعة.

نصائح المشايخ

استمع:

وقد ظل المشايخ وقتها ينصحونه بضرورة الاهتمام بالعلم الموسيقي ودراسة المقامات الصوتية، مثل “البياتي والصبا والنهاوند والحجاز والسيكا” على أيادي متخصصين، فظل يواصل الشيخ الدراسة حتى ينجح، مؤكدًا أن الابتهال أو الغناء ليس مجرد صوت حسن بل هو تدريب صوتي على القراءة الصحيحة المتمكنة فترات طويلة.

قدم الشيخ “نصر الدين طوبار” ما يقرب من مائتي ابتهال؛ منها “يا مالك الملك”، و”مجيب السائلين”، و”جل المنادي”، و”السيدة فاطمة الزهراء”، و”غريب”، و”يا سالكين إليه الدرب”، و”يا من له في يثرب”، و”يا من ملكت قلوبنا”، و”يا بارئ الكون”، و”ما بين زمزم“، و”من ذا الذي بجماله حلاك”، و”سبحانك يا غافر الذنوب”، و”إليك خشوعي”، و”هو الله”، و”يا ديار الحبيب”، و”قف أدبا”، و”طه البشير”، و”لولا الحبيب”، و”كل القلوب إلى الحبيب تميل”، و”يحق طاعتك”.

أوكان الشيخ قد اكتسب مقدرة فائقة في القراءة بفضل العلم الذي كان يحصله وبقربه من المشايخ الكبار أمثال “مصطفى إسماعيل” و”علي محمود” وإلمامه بعلوم اللغة العربية، فهو حين كان صغيرًا كان يدرس بالمدرسة الخديوية، فحوله أبوه إلى المدرسة الأولية ليتعلم اللغة العربية ويحفظ القرآن الكريم، وقد ظهر ذلك بالطبع عليه في إحساسه بالنص الشعري الذي يؤديه، وقدرته على تجسيد المعاني واختيار المقامات الموسيقية الملائمة لها، فكان في الحزن الشديد يقرأ من مقام “الصبا”، وفي حالة الوجد يقرأ من مقام “النهاوند” أو “البيان” أو”الحجاز” وفقًا للمعاني وللحالة المزاجية التي يكون عليها في أثناء القراءة.

أماكن تعبق بصوته

عمل الشيخ -رحمه الله- مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر عام 1980، وهو في ذلك يشبه فضيلة الشيخ “محمود خليل الحصري” الذي ظل حتى بعد أن ذاع صيته يردد في كورال إحدى الفرق الدينية الإنشادية.

جاب الشيخ “نصر الدين طوبار” العديد من دول العالم، وغنى على قاعة “ألبرت هول” بلندن وذلك في احتفال المؤتمر الإسلامي العالمي، ونال الشيخ إعجاب كل من استمع إلى صوته في البلاد التي زارها، فمثلا كتبت عنه الصحافة الألمانية “صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب”، كما كرمته كل الدول التي زارها إعجابًا وتقديرًا لصوته العذب.

مر على مساجد فعبقت بأنغامه السماوية، مثل مسجد “الخازندارة” بشبرا الذي شهد فترة من حياة الشيخ الجليل حيث تم تعيينه قارئًا للقرآن الكريم ومنشدًا للتواشيح به.

اخترق بصوته أجواء بيت المقدس يوم أن أنشد في حفلة بالمسجد الأقصى الذي زاره مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في رحلته إلى القدس، وكان بصحبته الشيخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وشعبان الصياد، وكان ذلك يوم العيد من عام 1977، وكان الشيخ “نصر الدين طوبار” يكبر للعيد بنفسه بينما يردد بعده المصلون بالمسجد الأقصى.

وقد ظل الشيخ على مقدرته الصوتية، وكان دائم القراءة بالإذاعة والتليفزيون المصري حتى رحلت روحه الطاهرة إلى ربها في السادس من شهر نوفمبر عام 1986.


صحفي مصري