سورة ق في مجملها تتكلّم عن البعث واليوم الآخر، وكيف كان كفار قريش ومن سبقهم في غفلة عن هذا اليوم، وما سيكون فيه من الحساب والجزاء، ولذلك تقرأ فيها آيات كثيرة تحدثك عن هذه الغفلة.

تقرأ فيها عمن كان في غفلة عن الموت ويسعى دوما ليهرب منه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)  (ق : 19)
وتقرأ فيها عمن يعاين يوم القيامة فيشعر بالحسرة والندامة حين يتذكر أنه كان في غفلة: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق : 22 )

كيف عالجت سورة ق الغفلة؟

إن سورة “ق” تعالج هذه الغفلة بما فيها من تذكير باليوم الآخر ومشاهد القيامة وبما تقيمه من أدلة البعث وقدرة الله عليه، وقد حفلت السورة بهذه الدلائل والشواهد كما في الآيات التي تشبه إحياء الموتى بإحياء الأرض الموات وإنبات الزرع فيها: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) ( ق : 9-11 )

كما أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، ومن خلق السماوات والأرض دون تعب أو نصب قادر أن يخلق الإنسان بل وأن يعيد خلقه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (ق: 38)

وإعادة الخلق أيسر وأهون – وكله عند الله سواء – فمن خلق أول مرة يقدر أن يخلق تارة أخرى: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (ق:15)

بل وتصف الأيات بعث الخلق يوم القيامة بأنه سهل ويسير على الله تبارك وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) (ق: 43-44 )

إن إنكار البعث والحساب لا يتفق وأبسط مقتضيات الحق والعدل، إذ كيف يعيش الإنسان في لغو ولعب، أو ظلم وطغيان في هذه الدنيا ثم لا يحاسب على أعماله وفساده وإفساده، فمن سيقتص للمظلوم من الظالم؟ وللضعيف من القوي ؟؟؟

وتأمّل كيف يصف الله تعالى يوم القيامة بأنه حق في قوله تعالى: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (ق : 42)

قبلها يقول تعالى: “كذلك الخروج” وفي هذه الآية يقول تعالى: “يوم الخروج “

إنه خروج من الغفلة إلى اليقظة، ومن دارالفناء إلى دارالبقاء، ومن حياة إلى حياة أخرى؟

ومن يكون في الغفلة يحتاج إلى التهديد والوعيد كي يستفيق من غفلته ،  وقد تكررت كلمة وعيد في السورة أربع مرات:

(كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ( ق – 14)

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (ق – 20)

(قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) (ق – 28)

(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق – 45)

إنها زواجر وقوارع، لعل الغافل أن يستيقظ، فيستجمع همته ويعدّ العدة لذلك اليوم !!

الخروج من الغفلة في سورة ق؟

ثم تبيّن السورة المواصفات والاستعدادات التي ينبغي توفّرها لمن أراد أن يخرج من الغفلة، فتنفعه الذكرى والموعظة وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق – 37)

فإن الموعظة لا ينتفع بها إلا من كان حاضر القلب فيتلقاها بسمعه وجوارحه حتى تستقر في قلبه .

عندها ينيب إلى ربّه، فيحفظ أوامره، ويجتنب نواهيه، وقد ذكرت السورة الإنابة إلى الله  مرتين في قوله تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (ق: 8) 

وقوله أيضا (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) ( ق : 32-33 )

وتأمل تكرار كلمة “القلب” في الآيات، ذلك أن القلب موطن التدبر والتأمل، ومكمن الأحاسيس والمشاعر، والمُولّد لكل الأقوال والأعمال ففيه مبعثها ومقصدها !!

وإن من أساليب السورة في الإيقاظ من الغفلة، استذكار مصائر من سبق من الأقوام الكافرين المكذبين، فالعاقل من اتعظ بغيره، فأولى بكفار قريش أن لا يسيروا على خطاهم فيصيبهم ما أصابهم من الخسف والعذاب: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (ق : 12-14)

وقوله أيضا: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) ( ق: 36)

كذلك فإن من عوامل الانتباه من الغفلة والدوام على الاستقامة استشعار مراقبة الله، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق: 16)

ونتيجة هذه المراقبة أن الأقوال والأفعال كلها مرصودة ومكتوبة: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)( ق: 17-18)

ويوم القيامة يكون الحساب، فإما الثواب وإما العقاب، وقد ذكرت السورة مزيدين، فجاءت كلمة “مزيد” في سياق عذاب أهل النار: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ( ق – 30)

وتارة أخرى في سياق نعيم أهل الجنة: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (ق – 35).

فاختر لنفسك …. أي المزيدين تريد ؟

وبهذا تكون السورة قد رسمت منهجاً لمن أراد أن يخرج من غفلته، فيقبل على القرآن ويتذكر ما فيه من المواعظ والأوامر، ويهتدي إلى الله قبل فوات الأوان وبذلك كانت خاتمتها: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق – 45)