جملة قالها النبي عندما مرت به جنازة فقام لها، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا.

جملة تختزل حياة الإنسان، تعامله، سلوكه ومواقفه تجاه الآخرين. جملة تلغي الحسد والتكبر والسخرية واللامبالاة. جملة تجعل الغني والفقير، القوي والضعيف، العالم والجاهل، المؤمن والكافر سواء في ميزان الإنسانية. جملة توحد نظرة العين للأشياء، وسماع الأذن للأصوات، ومصافحة اليد للأيدي، وحديث اللسان للأنام.

جملة يحتاجها كل فرد في المجتمع، يحتاجها القاضي حتى لا يسجن الضعيف ويصفح عن الشريف. يحتاجها الطبيب حتى يعالج الفقير والغني بنفس الطريقة. يحتاجها الأستاذ حتى لا يميز بين التلاميذ.

نحتاجها مع الوالدين، فننظر إليهم نظرة رحمة ومحبة وتقدير ممزوجة برغبة في رد الجميل. أليست نفسا تلك الأم الطاهرة الصابرة الباذلة دون انتظار مقابل، التي سهرت لتنام، وتعبت لترتاح. ألا تستحق إدخال الفرحة على قلبها، وتمرير الابتسامة على محياها. أليس نفسا ذلك الأب الصالح المثابر المعطاء، الذي شاب لتشيب، وعمل لتأكل. أليس جديرا بالتكريم والتبجيل.

نحتاجها مع الناس حولنا، أليسوا أنفسا ألجأت الأقدار بعضهم إلى افتراش الأرض لبيع ما زهد من السلع، وبعضهم إلى دفع العجلة لأخذ ما بخس من الثمن، وبعضهم إلى مسح الأحذية، وبعضهم إلى بيع الجسد. أليسوا أنفسا تستحق أن نلقي السلام عليهم، ونبتسم في وجوههم، ونمسح على رأس يتيمهم، ونتصدق على فقيرهم.

نحتاجها مع ذلك المخالف في العقيدة، أليست نفسا ولدت وترعرعت في بيئة مخالفة، فرضت عليها مبادئ وقيما وعادات خاصة.

نحتاجها مع الحيوانات، أليست أنفسا خلقها الله لتعيش وتؤدي وظيفتها في الحياة.

نحتاجها مع أنفسنا، أليست نفسك تلك التي بين جنبيك حري بها أن تعيش، ألم يخلقها الله لتعمل وتنتج، لتبتكر وتبدع، ألا تستحق منك العناية والتوجيه، والإبعاد عن المهالك والزلات.

الحياة كلها أنفس، بغض النظر عن طبيعتها، جنسها، لونها، مكانها، شكلها. أنفسا لم يخلقها الله عبثا، بل خلقها لتؤدي وظيفة معينة، وليكمل بعضها بعضا. فكن أنت تلك النفس التي أدت وظيفتها على أكمل وجه، واترك الأنفس الأخرى لتؤدي وظائفها ناظرا إليها لا نظر دين ولا عرق ولا شكل، بل نظرة نفس لنفس.