إن أكثر الابتلاءات التي ابتلي بها مجتمعنا الإسلامي في العصور الأخيرة، هي أكل ميراث البنات، فقلما تجد مجتمعًا إسلاميًا لم تظهر به تلك الظاهرة. وإذا ما أردت التأكد من ذلك، فما عليك سوى التوجه إلى المحاكم الشرعية في البلدان الإسلامية ومعاينة الكم الهائل من الدعاوى المتعلقة بالميراث.

وسنتحدث في هذه المقالة عن اكل ميراث البنات، وما حكمه، وما العقوبة الدنيوية والأخروية المتوجبة عليه.

 اكل ميراث البنات

إن المرأة بطبيعة حالها خجولة وحيّية تجاه أهلها وبالأخص الأب والأخوة، ولذلك غالبًا ما تتساهل في المطالبة بميراثها، وأن الأسباب التي تؤدي لدفع المرأة بألا تطالب بذلك الميراث، أو تتأخر في المطالبة به، هي:

  1.  زواجها من رجل آخر، إذ يرى أشقاؤها بأن منحها الميراث قد يخرج جزء من أموال مورثهم إلى شخص غريب عن العائلة.
  2. السيطرة التامة من قبل الإخوة على أخواتهن، ووضعهن في خانة الخطأ والعيب في حالة مطالبتهن بالميراث.
  3. غالبًا ما تكون هيمنة الأبناء الذكور على أموال الميراث أثناء حياة المورث، بسبب قيامهم بالأعمال اللازمة مع أبيهم، فهم يعرفون كافة أسرار المال وقد يدلسون على البنات في ذلك.
  4. إن عمل الأبناء الذكور في أموال المورث قبل وفاته، قد يولد في نفسهم الشعور بأحقيتهم في الميراث أكثر من البنات، باعتبار أن ذلك جزء من تعبهم الذي بذلوه للمحافظة على ذلك المال.

 وإذا ما عدنا لأحكام الشريعة الإسلامية في الميراث، فإننا نجد بأن الشروط اللازمة لاستحقاق الميراث هي:

  1. موت المورث حقيقةً أو حكمًا.
  2. حياة الوارث حقيقةً أو حكمًا بعد موت المورث
  3. عدم وجود مانع من موانع الميراث.

وأغلب بل جميع قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية، قد أخذت أحكام المواريث من الشريعة الإسلامية، حيث قننت الميراث بمواد قانونية تتطابق تمامًا مع ما جاء في الشرع الإسلامي في كيفية توزيع الميراث، وشروط استحقاقه، وإلزام الورثة بتوزيع الميراث وفقًا للأنصبة الشرعية المقررة في القانون والمطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، ومن ذلك قانون الأحوال الشخصية الاماراتي الصادر بالقانون الاتحادي رقم 28 لام 2005 وتعديلاته، ونظام الأحوال الشخصية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/73 لعام 1443هـ. [1]

وبالتالي فإن البنت تستحق الميراث عن أبيها، بمجرد وفاة ذلك الأب، إذ تتحول ذمته المالية إلى تركة يتوجب توزيعها على المستحقين للميراث بعد وفاته.

وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة مشددة في عدم أكل الميراث، وخاصة فيما يتعلق بالبنات والأيتام، فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم

((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كنَّ نساء فوق اثنتين فلهنَّ ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها من النصف)) الآية 11 من سورة النساء.

 فأيُّ شيء أكبر من كلمة يوصيكم الله، فهي أعلى مرتبة من مراتب الأمر، إذ تحمل معنى التحذير من عدم توزيع الميراث وفقًا لما أقره الله سبحانه وتعالى، والملاحظ أن الحق في الميراث وكيفية توزيعه قد نزلت به آيات قرآنية بيّنة، فالله سبحانه وتعالى لم يترك الأمر لتقدير البشر مما يدل على خطورته وعدم التهاون به.

ومن الأشخاص الذين تم تحديد ميراثهم في القرآن الكريم البنات، فإذا كان لها أخ ذكر، فإن التوزيع سيكون للذكر مثل حظ الانثيين، وأما إذا لم يكن هناك أخ ذكر فإن لها النصف إن كانت وحيدة، ولهن الثلثان إن كن أكثر من واحدة.

وأما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال: ” لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ – المال الحرام – إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ”. (صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم 614). وقال أيضًا: ” إنَّكم تختَصِمونَ إليَّ وإنَّما أنا بشرٌ ولعلَّ بعضَكم أن يَكونَ ألحنَ بحجَّتِهِ من بعضٍ فإن قضيتُ لأحدٍ منْكم بشيءٍ من حقِّ أخيهِ فإنَّما أقطعُ لَهُ منَ النَّارِ فلا يأخذ منْهُ شيئًا”. ( صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم 1339).

حكم أكل ميراث الأخت

 إنَّ حديثنا عن أكل ميراث البنات، لا بد أن يقودنا للحديث عن أكل ميراث الأخت، وهذا الأمر أشدُّ ظلمًا، بل إنه نتيجة حتمية لأكل ميراث البنات، وإذا ما أخذنا الموضوع بالقياس، فإن أكل ميراث البنات يعني أكل ميراث الأخت ذاته.

ذلك أن الأب بعد أن يتوفى، ويترك خلفه تركة يجب توزيعها على الورثة وفقًا لأنصبتهم الشرعية، فإن الأبناء يظلمون البنات، والعلاقة ما بين الأبناء والبنات هي علاقة الأخ بأخته، ولذلك يمكن أن نميّز بين أكل ميراث البنات حين يتم ظلمهنّ من قبل الأب قبل وفاته، وعدم منحهنّ الميراث، من خلال تعمد الأب أثناء حياته لتوزيع تركته على الأولاد الذكور دون الإناث، فهنا نكون أمام حالة أكل ميراث البنات.

 وأما حالة أكل ميراث الأخت، فهي حين يرفض الإخوة منح أخواتهن حصتهن من الميراث، أو يتم الطلب منهن التنازل عن حصصهن، ولكونهن حيّيات وخجولات، بالإضافة إلى الحنان والعاطفة التي تتميز بها الأخت تجاه أخيها، فإنهنّ يتنازلنّ بسهولة عن ميراثهنّ.

وأما حكم أكل ميراث الأخت، فهو ذاته حكم أكل ميراث البنات، فإن عقوبته في الدنيا والآخرة على النحو التالي:

العقوبة الدنيوية

إن العقوبة الدنيوية لأكل ميراث البنات أو الأخوات، هي عدم البركة في الرزق والافتقار، وتدهور في الحالة المادية، بل قد يعاقبه الله في صحته وفي أولاده.

كما يحق للبنت أو الأخت رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الشرعية، تطالب فيها بحصتها من الميراث، وقد يتم معاقبة آكل الميراث بدفع قيمة كل المنافع التي انتفع بها من الميراث أثناء استحواذه عليه عدم توزيعه.

وأما العقوبة الأخروية

إنَّ لله سبحانه وتعالى توعد كل من يأكل حقوق الآخرين بعذاب شديد، فكيف بمن يأكل حق أقرب المقربين له، كالبنت أو الأخت، وإذا ما أردنا أن نحلل جريمة أكل ميراث البنت أو الأخت، فإننا نجدها جريمة كبرى وذنب عظيم يعاقب عليه الله سبحانه وتعالى، ويتضمن أكثر من ذنب ناتج عن ذلك الفعل، وهي:

  1. أكل حقوق الناس.
  2. أكل مال اليتيم، إذ تعتبر البنت أو الأخت يتيمة في هذه الحالة.
  3. قطيعة الرحم.
  4. التعدي على حدود الله، وذلك بعدم تنفيذه أوامره سبحانه وتعالى الواردة في القرآن الكريم.

 وإن تلك الذنوب لكفيلة بعذاب شديد في الآخرة، ومهما يكن لديه من أعمال صالحة، فإنها ستذهب هباء منثورا، وسيعاقب على تلك الذنوب.

الأسئلة الشائعة

ما حكم من يمنع أخته من الميراث؟

اتفق الفقهاء من شرعيين وقانونيين، كما تطابقت أحكام الشرع والقانون، بأن كل من يمنع أخته من الميراث يعتبر متعديًا وظالمًا وعقوبته في القضاء إلزامه بإعادة الحق لأخته، مع دفع كافة المنافع التي جناها من حبسه للميراث بيده، وأما عقوبته في الآخرة فستكون شديدة، إن لم يتب الله عليه.

من الذي يُحرم من الميراث؟

 وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية، فإن الحرمان من الميراث يعني موانع الإرث، وهي القتل، واختلاف الدين، والحجب التام أو الكلي من قبل أحد الورثة.

وفي نهاية مقالتنا نرجو أن نكون قد وضحنا للقارئ الكريم حكم اكل ميراث البنات أو الأخوات، كما ننصح أي شخص لديه ميراث لم يم يتم توزيعه، بأن يبادر إلى توزيع ذلك الميراث وإعطاء الحقوق لكل ذي حق، فإن المماطلة في توزيع الميراث هي بحد ذاتها ذنب عظيم وجريمة كبرى يقترفها بعض الأشخاص بحق بناتهم أو أخواتهم.