منذ أن جئنا لهذا الوجود وفضل الله علينا لا ينتهي بنعمه التي لا تحصى، خيرهنا وفضل هناك ،ومصيبةٌ دفعت ونقمة ردّها سبحانه ،يقول جلّ في علاه { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } النحل : 18

إنّ من عظيم نعم الخالق نعمة الإمهال التي لا يلتفت اليها الكثير ، إما تكبرّا ونكرانًا أو غفلة ، ووقفة تأمل وتوقف وتفكر في كثير من الأمور والمواقف التي مرت بنا في كافة مراحل عمرنا، نجد أننا في خير كثير، وأن الله قد أمهلنا وستر علينا، حباّ ورفقاّ وهو إمهالٌ لخير مع عباده المتقين، فيصفح عن ذنب ويستر على آخر، يمهلنا يوما آخر وعام آخر وقد تكون أياما عديدة لأنه اللطيف بعباده ، يمهل ليدعونا لنتقرب منه لنستغفر ونعمل صالحّا ونكسب أجرّا ، ونعلن توبةً  يفرح الله بها ، ونضع ما أنعمه علينا من مال أو صحة أو علم فيما يحب ويرضاه.

 فكم من غني لم يصن النعمة ،ولم يصرفها في وجوهها التي تجب ،فلم يعن محتاجاّ بصدقة أو حتى زكاة أو يلتفت ليتيم يعد سببا في أجر يحتاجه ، وأما الجسد فمن يستخدمه في معصية أي كانت وجهتها ومن تباها بنعمة ولم يتعامل معها كما أمر الله وفيما أرد وأن االله يمهل ليفتح بابا من التوبة أو قد يكون بابا من العقاب  .

فلو تصورنا أن الله عزوجل لم ينعم علينا بنعمة الإمهـال بل عجل لنا بالعقوبة في كل ذنب أذنبناه من نية أو قول أو فعل ماذا سيكون حالنا لو لم يمن علينا بنعمة الاستغفار وتكفير السيئات وقبول التوبة والعفو كيف ستكون حياتنا ؟!!

{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }  النحل : 61.

كم من أمر تمنيناه لم نحصل عليه ، صرفه الله عنا ، لنجد أنه هو من لزم علينا اختياره ،يمهل ليجود ويعطي ويدبر أمرّا لم يكن بالحسبان يثمر دهشة ًو شكرًا وحمدًا على هذا الأمر.

صور إمهال الخالق تتعدد ، ونجدها إمهال برزق بوظيفة أو بعلم أو بزواج أو بذرية ، وفي كثير من تفاصيل حياتنا اليومية وكم من ذنب نمضي به ونعود إليه ويمهل الرحيم ويستر ويستر ليسمع استتغفارا ومناجاة ً تذوب لها ملائكة الرحمة ويعقبها نية طيبة وفعل صالح قد يعين ويثمر .

{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }  هود : 3- 4

وهناك من عقد نيته على فعل خاطئ وهو محب له لكن يأتي القادر ليمنع وصوله لما أراد ونوى ،تحقيقّا لمعنى الامهال فيمنح الله مهلة ً ما بين الذنب والعفو ، لكن هل من متعظ ! يقول سبحانه: { ثم عفونا عنكم بعد ذلك لعلكم تشكرون} البقرة : 52

كم نرى أمامنا من أناس يصرّون على ما هم عليه من معصية أو مخالفة لأمر إلهي وهناك من لا يدري أو يعلم ولا يلقي للأمر بالا، وحتى إن قدمت نصيحة ًوحاولت تذكيره يستكبر ويتعالى، هو في غفلة عن نعمة من أعظم النعم التي يمن الله بها علينا بين الحين والآخر، لكنه الله الحليم لم يعاجلنا بعقوبة أو بحساب بل أمهل ليستر ويرحم وهو الرحمن الرحيم .

وفي قوله تعالى {أسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة} والمقصود بالباطنة ستره علينا بالمعاصي هذه النعمة الكبيرة التي يجب أن نقابلها بفعل يومي من الشكر والحمد ذكرًا وعملاً  يشهد لنا.

إن إدراكنا ومعرفتنا للنعمة من أعظم أركان الشكر، معرفتنا واستشعارنا بها يوصلنا الى معرفة المنعم الذي اذا ما عرفناه أحببناه وسعينا بكل ما أوتينا لشكره ،أما من غفل عن إمهاله وستره سبحانه نسي أنه لا بد أن يأتي الأجل الذي به تنتهي أعمارنا وليبدأ موقف الحساب بيننا وبين الله.

هول هذا المشهد ووقوفنا بين الباري يستلزم منا أن نعيد النظر في جل ما ننوي ونفعل، فالأعمار لا تدوم، وما يبقى معنا هي صحائفنا التي خططنا بها ما أردنا، فما المانع أن نخطها بكل ما يكون حرزًا لنا يوم الحساب .

أمام نعمة الإمهال وهي نعمة عظيمة نسأل الله أن يديمها علينا وأن يهدينا صراطه المستقيم راجيين عفوه طامعين برحمته وفضله ولطفه جل في علاه.