أتيحت لي الفرصة لأقدم خلال الأسبوع المنصرم ورشة تدريبية في مدينة جدة السعودية، موسومة بعنوان “قياس أثر البرامج الإجتماعية”، وحضرها نخبة من العاملين في المؤسسات المانحة، والداعمة للعمل الإجتماعي، وكذلك ممثلون عن جمعيات خيرية، وشركات ومؤسسات خاصة من مناطق المملكة المتعددة.

 هذا الموضوع شائق شاق في آن واحد، لأنه يتناول أثر ما تنفذه تلك المؤسسات من برامج، وأنشطة وخدمات على الفئة المستهدفة، عبر أداة قياس معتمدة، وذات مصداقية. وفي الحقيقة، أن المجتمع الحديث يولي أهمية كبيرة لعملية القياس، باعتبارها ملازمة لبرامج ومشاريع العمل الاجتماعي، لأنها تهدف إلى إحداث التغييرات التى من شأنها أن تنمي وتطور المشاريع والبرامج الاجتماعية، وكذلك الجماعات المحلية من الفئة المستفيدة والمتأثرة بتلك المشاريع أو البرامج، حتى تستطيع أن تصل إلى الحد الأقصى من توظيف إمكانياتها المادية والبشرية، وهذا يقودها إلى عمليات القياس من حيث منهجيتها واستخداماتها العملية فى مجال العلوم الاجتماعية. وتولي المؤسسات المانحة، وخاصة الشركات والمؤسسات الخاصة عناية بمعرفة أثر مساهماتها على المجتمعات المحيطة بها، وكذلك المؤسسات الأخرى، من منظمات مجتمع مدني، ومؤسسات رسمية، وأهلية، ونحو ذلك.

 يمكن أن يتم تعريف عملية قياس أثر البرامج الإجتماعية بأنها: عملية منهجية؛ تستطيع المؤسسة من خلالها أن تحصل على معلومات عن أنشطتها، ومدى التأثير الذي تحدثه، وفعالية عملها، لأن الهدف النهائي لعملية قياس أثر البرامج الإجتماعية، هو استخدام المعلومات سواء بهدف تقديم برامج أفضل، وأكثر كفاءة وفاعلية، لمن يحتاج إليها أو بهدف تعريف الآخرين بالمؤسسة التي تقدم تلك البرامج الإجتماعية. ويعتمد كثير من القائمين على أمر المؤسسات في تقييم جودة برامج تلك المؤسسات وأنشطتها، على عامل الخبرة فقط دون الاستناد على أداة قياس علمية معتمدة.

وتتضمن الخبرة المعارف التي يكتسبها المتخصصون داخل مؤسستك ونظراؤهم في المؤسسات الأخرى، وهي تأتي من خلال الخبرة في العمل مع المجتمع الذي ترغب في خدمته. وتأتي قوة الاعتماد على الخبرة من خلال التفاصيل التي تمنحها، والتي لا تستطيع الأبحاث وأدوات القياس أن تقدمها. أما نقطة ضعفها، فتكمن في أنها تعبر عن وجهة نظر غير كاملة، وأحياناً متحيزة تكونت لدى العاملين في مؤسسة معينة؛ وذلك لأنهم لا يرون إلا أشخاص ومواقف من أنواع محددة.

غالباً ما يرغب مديرو البرامج في معرفة انطباع الناس عن البرنامج الذي يقدمونه. حيث أن معرفة شعور الناس نحو البرنامج تفيد كثيراً في تخطيط البرنامج، وتسويقه. كما أنها تهيئ لك معرفة أسباب نجاح البرنامج، واحتمالات استمرار هذا النجاح، وسبل تطويره. وأخيرا، أن قياس أثر البرامج الإجتماعية، علم له أصول ومعايير عالمية معتمدة. كما أصبحت له منظمات مهنية عالمية تدعو لها، كالمعهد الأمريكي لقياس العائد على الاستثمار الاجتماعي.