في أغسطس عام 1974 استقال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون من منصبه بعد إدانته بتهمة التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس له في واقعة اشتهرت بـفضيحة “ووترغيت”.. في فبراير عام 2011 أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال أليو مارى السابقة استقالتها تحت ضغط الاستياء العام من إرسالها معدات لمساعدة السلطات التونسية السابقة ضد الاحتجاجات المتزايدة التي أدت في النهاية الى الاطاحة بالرئيس بن علي.

وفي استقالة أخرى، خرجت الوزيرة البريطانية السابقة سعيدة وارسي من الحكومة في أغسطس عام 2014 بسبب موقف بريطانيا الرسمي من الحرب على غزّة، والذي اعتبرته وارسي موقف “غير مقبول أخلاقيا”.  في شهر أبريل 2003 استقال وزير الصحة الصيني “زهانغ وينكانغ” من منصبه بعد موجة من الانتقادات الدولية للطريقة التي تعاملت بها الصين مع وباء “السارز”… وفي فبراير عام 2012 أعلن الرئيس الألماني “كريستيان فولف” استقالته بعد أن واجه عدة انتقادات بسبب علاقاته مع مستثمرين حصل من خلالهم على معاملات تفضيلية من بينها حصوله على قروض مُيّسرة من أحد الأثرياء. وقال ولف آنذاك بعد اتهامه باستغلال منصبه في كلمة رسمية له إن “ثقة” المواطنين تأثرت”. مضيفاً “لقد ارتكبت أخطاء. لهذا السبب لم يعد ممكنا أن أواصل ممارسة مهامي، ولذلك أستقيل”.

“لقد ارتكبت أخطاء. لم يعد مُمكنا أن أواصل مُمارسة مهامي، ولذلك أستقيل”..  عبارة نادراً ما نسمعها على لسان مسؤول عربي، فهُم أكبر من ارتكاب الأخطاء، واستقالتهم – وإن أتت – تأتي نتيجة عدم رضا مسؤوليهم عنهم لأسباب مرتبطة بخلافات بين بعضهم البعض أو بصفقات مشبوهة أو بسبب ضغوط خارجية طلبت من ذاك الحاكم أن يُقيل أحد وزراء الخارجية أو وزير الدفاع لأنهم لم يلتزموا بالاتفاقات السرّية بين الطرفين، ولم يُنجزوا المهمّة المطلوبة منهم على المستوى المطلوب، وكثيراً ما تتم التغطية على تلك الاستقالة بماء الوجه حيث يتم منح المستقيل في بلادنا منصباً فخرياً فضفاضاً لا يُعرف له مهام وظيفية ولا يُفهم فيه ما المقصود بالشؤون الاستراتيجية أو الإشراف على  تطبيق الشفافية !

إن مفهوم الاستقالة في المجال السياسي بالغرب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقة الشعب في المسؤول على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأداء الرسمي، فمؤشر الثقة بالحكومة أو بالمرشحين للانتخاب هو ما يتم الاعتماد عليه في هذه الدول لقياس الديمقراطية ولرصد الفعالية السياسية التي يمتلكها هذا المسؤول أو ذاك من خلال قدرته على إحداث تغيير إيجابي في العملية السياسية ومن خلال الإمكانيات التي يمتلكها في مجال الاستجابة للتحديات وترجمة مطالب الناخبين إلى سياسيات تنفيذية.

وهذا ما يتجسد في الحملات الطلابية الداعمة للمرشحين في الانتخابات بالجامعات الغربية، إلى جانب حملات التبرّع من المواطنين، وذلك نابع من الثقة التي يضعها هؤلاء في شخصية المرشح وفي برنامجه الانتخابي. وعند أول خطأ جسيم قد يُخيّب آمال الناخبين، يلجأ المسؤول إلى الاستقالة في محاولة منه للحفاظ على الحدّ الأدنى من احترام مؤيديه حفاظاً على الكرامة الشخصية والسياسية وعلى دوره في العملية السياسية بشكل عام.

في المقابل يرتبط مفهوم الاستقالة في السياسة العربية بثقة الحاكم في هذا المسؤول وإخلاصه في صيانة العرش، وليس الحفاظ على مصلحة الشعب أو تلبية متطلباته، فالثقة بقدرة المسؤول على إحداث تغيير إيجابي في العملية السياسية ليست رُكناً من اركان الديمقراطية في بلادنا، وليست حقاً من حقوق المواطن، وما الدساتير والأعراف في الأنظمة العربية التي تُكرّس مفهوم الإقطاعية والوراثة السياسية إلا جزءاً بسيطاً من غياب مفهوم الثقة على أُسس الشرعية السياسية المرتبطة بمفهوم الانتخاب وما يُحتّم مسؤولية  نجاح المسؤول وإعادة انتخابه أو الإخفاق وما  يُحتّم من استقالة.

رغم الاستقالات التي وضعت على طاولة الرؤساء العرب لأسباب “مَرضية” لا تزال تدور بمعظمها في فلك “الإقالة” وليس الاستقالة عن اعتراف بارتكاب خطأ بحق الشعوب وبحق الأوطان.

وإلى ربيع عربي آخر… كل استقالة وأنتم بخير.