قال الباحث في العلوم الاجتماعية وقضايا الإلحاد الدكتور عبد الله الشهري أن الإلحاد اليوم حالة إدراكية لم تتمتع بأي رسوخ نوعي في الوعي الجمعي الإنساني، مضيفا أن الإلحاد لا يمكن إثباته بأي منهج تجريبي، ولا يخضع لأي مبدأ منطقي، فهو اعتقاد وجود شيء دون مصادقة في الواقع.

وأوضح الشهري في محاضرة بعنوان “ما وراء الإلحاد: تعرية الجذور الإيمانية للقرار الإلحادي” أقيمت بجامعة قطر أنه يمكن وصف الإلحاد بأنه دين متخف يقوم ببلورة رؤية إيجابية تجاه الحياة وعلاقة الإنسان بها فهو لا يقتصر على محاربة الدين ونقضه.

وذكر الشهري عددا من الأقوال المضطربة التي نقلت عن رواد الإلحاد من الغرب، تثبت اهتمامهم بالدين مثل كلام والد غريغري باتريسون – وهو أحد الملاحدة – كان يقرأ الإنجيل كل صباح، فسئل عن ذلك، فأجاب: لكي لا يكبر الأولاد فيصبحوا ملحدين فارغي العقول. وهي قناعة خاصة منه يرى ضرورة وجود نسبة من الإيمان.

ويقول تشالز دارون: “أما وجود حاكم للكون فهذا ما دانت به جموع من أعظم العقول التي وجدت على الإطلاق”. ويقول كل من ويل وإريل ديورانت: “حتى المؤرخ المشكك لديه احترام متواضع للدين، ذلك انه يراه مؤديا لوظيفته، وأنه لا غنى عنه في كل أرض وجيل”. ومرة أخرى يقول تشالز دارون: “في أقصى درجات تقلبي، لم أكن في يوم من الأيام ملحدا بمعنى منكر لوجود الإله”.

وتوصل الدكتور عبد الله الشهري من خلال عرض نماذج من أقوال بعض عقول الغرب إلى كشف الفرضية التي تروج للإلحاد، والتصور الإيماني الذي يزعم أنه خلف الإلحاد.

وتناول الشهري أهم المرتكزات التي تعتمد عليها أغلب فرضيات الإلحاد اليوم، وهي التي شكلت الملامح الرئيسية للإلحاد، وأرجعها إلى مرتكزين رئيسيين:

– المرتكز الأول هو الفلسفي التاريخي، وهو الأكثر حضورا في أذهان وأدبيات الفئات المتعلمة والنخب المفكرة وتغذي هذا المرتكز روافد عدة منها: الإلحاد الناشئ من هذا المرتكز واع مقصود يصل إليه الفرد بعد معالجة فكرية وجدانية من نوع خاص.

وأضاف إن الملحد في هذا المرتكز يشعر بواجب أخلاقي تجاه نفسه باعتناق الإلحاد ودعوة الآخرين إليه، وهو متمرس على مقاومة شعوره بالفراغ الديني، إما بالتجلد على إلحاده أو تخفيف وتيرة ذلك التجلد بحشد ما يراه أدلة على صحة قراره.

وبين الدكتور الشهري أن هؤلاء ومن في حكمهم هم صناع ثقافة الإلحاد ونظاره، ويشكلون  فلسفة التاريخ الكامنة وراء ظهور الإلحاد بصورته الموجودة اليوم.

والمرتكز الثاني هو النفسي الوجودي، والإلحاد في هذا المرتكز له وثيق الصلة بالإرث الإلحادي – اللاديني – الذي خلفه المرتكز الفلسفي التاريخي، وهو الأكثر تفشيا حول العالم، ويعتمد في أحسن أحواله على لاأدرية أو لادينية ضحلة تتشح بزي الإلحاد. ومن أبرز سماته أنه إلحاد ينتج عن شعور بالتفكك المعرفي، وضياع في الهوية (تآكل الشخصية).

ويرى الدكتور الشهري أن الملحد في هذا المرتكز عاجز عن سبك تبرير منهجي لإلحاده، فيعتنق الإلحاد للتفلت والتغلب على عجزه، أو لكون الإلحاد يؤمن له الانتماء.

وأوضح الدكتور عبد الله الشهري أبرز الفرضيات التي تقف وراء المرتكز الفلسفي التاريخي بقوله “أن الإنسان مستقل بسعيه مكتف بذاته، وهي قضية وصفية، وهي فرضية جاهزة مبنية على الإيمان غير مبرهنة تجريبيا أو منطقيا، بل زادوا على هذه الوصفية بفرضية معيارية هي أن الإنسان ينبغي أن يكون مستقلا بسعيه ومكتفيا بذاته”.

وأضاف أن الفرضية الثانية التي ينبني عليها الإلحاد هي فرضية تقدمية التاريخ، وهو أن كل شيء في الماضي سيئ وكل ما في المستقبل تقدم إلى الأحسن وهذا لا يمكن ترجمته إلى قضية علمية أو منطقية يمكن البرهنة عليها، وإن كانت مبنية على الفرضية الأولى وهي الإيمان باستقلالية الإنسان.

وأشار الشهري أن من تداعيات هذه الفرضية التماهي بين سعي البشر والتاريخ، واختزال إلى غاية الغطرسة أن كل ما جاء في عصر الحداثة هو تقدم، وما كان من التاريخ فهو تخلف، وأن أوروبا هي مركزية العلوم والحداثة. وانتشر بناء على هذه الفرضية أن الإنسان البدائي هو الذي يحتاج إلى الدين حتى يفهم الكون لدونيته الشديدة في الفهم والتفكير والذات، متعمدا بشكل واضح على نظرية التطور.