نعلم جميعاً أن الحديث عن الهجرة النبوية والحديث عن أي حدث من أحداث الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو جزء من سيرته العطرة، والسيرة النبوية بصفة عامة تعتبر التطبيق العملي لتعاليم الإسلام بكاملها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المطبق والمنفذ لما أوحي إليه من ربه، والله سبحانه جعله صلى الله عليه وسلم أسوة للأمة: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب:٢١] وذلك لأنه صلوات الله وسلامه عليه من البشر، وتجري عليه أحكام البشر، ويطبق عملياً ما يمكن للبشر أن يطبق.

والهجرة عند الدارس المتأمل تعتبر همزة الوصل التي تصل بين شقي الزمن: شق الماضي وشق المستقبل، والماضي نوعان: ماض بعيد في عهد النبوات والمرسلين، وماض قريب ابتداءً من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكانت الهجرة نقلة انتقلت الدعوة من مهدها الأول بعد ثلاث عشرة سنة، وجاءت إلى المدينة لعشر سنوات فقط وبها تمت الرسالة.

أما ما قبل البعثة فقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله نظر إلى العالم فمقتهم؛ لما كانوا عليه من عبادة الأصنام ومن جاهلية جهلاء، وصفها جعفر الطيار رضي الله تعالى عنه عند النجاشي رضي الله تعالى عنه حينما خرج مهاجرون من المسلمين إلى الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة وذلك بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم على ما تأتي الإشارة إليه، فأرسلت قريش -لتنتقم من المسلمين- أرسلت إلى النجاشي تستعيد وتسترد أولئك المهاجرين الأولين، وقالوا: إن طلبتنا وثأرنا بالحبشة.

ويهمنا في كلمات جعفر عند النجاشي : كنا في جاهلية جهلاء: يأكل قوينا ضعيفنا، نأتي المحرمات، نقطع الأرحام، نغدر بالعهود -أشياء كثيرة ذكرها في جاهليتهم- فبعث الله فينا رجلاً منا نعرف نشأته ونسبه وولادته، فأمرنا بعبادة الله وحده، وأمرنا بالصدق، ونهانا عن الكذب، وأمرنا بصلة الأرحام، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن كل منكر وعدد محاسن الأخلاق.