من الإشكاليات التي كشف عنها التطبيق لمجموعة ضوابط تطهير أسهم الشركات المختلطة، إشكالية تطهير الأرباح الرأسمالية .

معنى الأرباح الرأسمالية

الأرباح الرأسمالية : هي الأرباح المتحققة عن الزيادة في قيمة الأصول المحتفظ بها ، والسبب الأساسي لحصولها هو ارتفاع المستوى العام للأسعار المسمى بالتضخم.

فالأرباح الرأسمالية للأسهم، هي الزيادة الناتجة عن ارتفاع ثمن الأسهم السوقية، فالذي يشتري 1000 سهما بمليون، ثم ترتفع قيمتها إلى مليونين، تسمى هذه المليون الزائدة أرباحا رأسمالية، وذلك تفرقة بينها وبين الأرباح الإيرادية، وهي تلك التي تنتج بسبب نشاط الشركة نفسه بغض النظر عن ثمن الأسهم في البورصة. وسميت الرأسمالية بذلك؛ لأن فيه تنضيضا لبعض رأس المال بما يزيد عن تكلفته على الشركة.

واتضح من المقالات السابقة أن الأرباح الإيرادية يجب تطهيرها إذا شابها شيء من المحرمات.

لكن هل تخضع أيضا الأرباح الرأسمالية لوجوب التطهير ؟

قرار ندوة البركة

ذكرت ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي في فتاواها تحت عنوان : التصرف بالريع والربح الرأسمالي لأسهم الشركات المشروعة الغرض مع اقتراضها أحيانا بالفائدة.

ذكرت : ” إذا ارتفعت أسهم شركة تقترض أحيانا بالربا إلى جانب رأسمالها، وكان الارتفاع ناشئا عن القروض الربوية والجهد التشغيلي، فعند بيع السهم يجب التخلص مما نتج عن تلك القروض الربوية من الريع وارتفاع قيمة السهم، وذلك بمقدار يتناسب مع أثر هذه القروض في ارتفاع القيمة وفقا للمعايير المحاسبية المتاحة.[1]

صعوبة القطع

ومدار هذه الفتوى على جملة : ”  وكان الارتفاع ناشئا عن القروض الربوية والجهد التشغيلي”

والإشكال هنا أن لا أحد يمكنه أن يجزم بأن ارتفاع السهم ناشئ عن القروض الربوية والجهد التشغيلي أو لا ؟

بل حتى المحللون أنفسهم، سنجد المحللين الماليين يجنحون إلى أن الارتفاع سببه الجهد التشغيلي، بينما سنجد المحللين الفنيين يجنحون إلى أن الارتفاع سببه تدافع العرض والطلب على شاشة الأسهم بعيدا عن الوضع الحقيقي للشركة.

أسباب خارجية

وهنا تجد بعض الباحثين يقولون مثلا : التاجر الذي يبيع ويشتري بقصد الربح من فروقات الأسعار،  ولا يتربص للحصول على الريع  الذي يدره السهم في نهاية الفترة المالية، لم يدخل العنصر المحرم في ماله،  وإنما حصل له الربح لأسباب خارجية منفكة عن جهة النشاط المحرم،  كتوقع ارتفاع السعر وانخفاضه بالإضافة إلى مؤثرات فنية بالغة التعقيد.[2]

الأرباح الرأسمالية والمعاوضات

ويضيف آخرون في نفس الاتجاه الذي لا يرى وجوب تطهير الأرباح الرأسمالية : ” إن المضاربات في سوق المال (السوق الثانوية) من جنس المعاوضات، لا من جنس المشاركات، فإن سوق المال تقوم على أساس تقليب الأسهم بيعاً وشراء بين المتداولين، وما الأسهم في هذه السوق إلا سلعة تتداول، والقيمة السوقية لها مباينة للقيمة الدفترية، والذي يؤثر في قيمة السهم في السوق هو ما يؤثر عادة في قيم السلع الحقيقية، كالعرض والطلب ونحوهما من مؤثرات السوق، فهي هنا بعروض التجارة أشبه منها بأسهم المشاركة، ويترتب على هذا الفرق أحكام فقهية وقانونية ومحاسبية، ومن الأحكام الفقهية ما يتعلق بالزكاة ومشروعية التداول.

وبناءً عليه فلا يرد التطهير فيما لو ربح المضارب جراء المضاربة بأسهم الشركات التي يكون أصل نشاطها مباحاً، حتى لو قارفت الشركة بعض العقود المحرمة اليسيرة نسبياً، لابتناء الربح ثَم على معطيات متعددة تحكم الأسواق المالية، وانقطاع الصلة بين تحقيق الأرباح من جهة ونشاط الشركة من جهة أخرى.

والفرق بين ربح المتاجرة وربح السهم الموزع في آخر السنة المالية:

أن ما يحققه المتاجر المضارب من الربح مبني على معنى المعاوضة لا المشاركة، لأن المضارب يتاجر بسلعة؛ هي السهم، بخلاف ما يتحقق للمساهم من الأرباح الموزعة آخر السنة المالية، فهذا الأخير مبني على معنى المشاركة، لأنه حصل عليه بسبب امتلاكه لنصيب مشاع من تلك الشركة، وبهذا الفرق يتجه القول بعدم الإلزام بالتطهير بالنسبة للمضارب، ما لم يكن حائزاً للسهم في نهاية الفترة المالية للشركة، فيلحق حينئذ بالمستثمر في لزوم التطهير.[3]

الاستثناء غير عادل

بينما سنجد باحثين آخرين يذكرون : ”  الأرباح الرأسمالية تعد من أشكال عوائد المستثمرين ، وتحتوي ضمنيا على أجزاء من الدخل غير المشروع للشركة .

وتبرز إشكالية عدم تطهيرها في بعض أسواق الأسهم التي تكون  فيها نسب الأرباح  الموزعة منخفضة ، في حين يأتي الجزء الأكبر من عوائد المساهمين على المكاسب الرأسمالية  الناتجة عن ارتفاع أسعار الأسهم.

ويضيفون : ” إن  عدم تطهير الأرباح الرأسمالية المكتسبة هو منهجية غير عادلة ؛ باعتبار أن الأسهم يتم تداولها عدة مرات خلال السنة ، والمساهم الأخير هو من يتحمل عبئ تطهير الأرباح.[4]

ويضيف آخرون في نفس الاتجاه الذي يرى وجوب تطهير الأرباح الرأسمالية:

إن فروق الأسعار في سوق المال تتأثر بمجموعة من المؤثرات، ومنها ما تعلنه الشركة عن أنشطتها خلال العام، والصورة المفروضة في واقعتنا أن يكون من ضمن هذه الأنشطة بعض المحرمات، كالاستثمار فيما فيه محرم، أو الاقتراض المحرم، فيكون هذا سبباً في ارتفاع أسعار أسهمها في السوق، ويحصل المضارب على ربح ناشئ عن هذه العملية، فليس صحيحاً أن أرباح المضاربين لا علاقة لها بنشاط الشركة. [5]

مزيد من التخفيف

ومن الإشكالات المهمة في طريق إعفاء الأرباح الرأسمالية من التطهير، أن مقتضى إعفائها أن ممارسة الفعل المختلف فيه شرعا سيكون سببا لمزيد من التخفيف الشرعي؛ والقاعدة أن الفعل غير الشرعي لا يكون سبباً للتخفيف الشرعي، فكذا الفعل المشتبه لا يمكن أن يخلو من التبعة اللاحقة بالمستثمر.