انظر إلى قول الهذلي:

ولو أننى استودعته الشمس لاهتدت إليه المنايا عينها ورسولها

وهو معنى بديع جميل، واستعارة أنيقة رفيعة، في طلب المستحيل في الحماية من الموت.

  ثم اقرأ قوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا ‌يُدْرِكْكُمُ ‌الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78]

فقد انكسفت شمس البيان وغارت نجومه أمام شمس القرآن!

 فقد أطلق كينونة المكان لهم على وجه الخطاب لهم مجتمعين إذ قال: ﴿أينما تكونوا﴾، وجعل القوة لإدراك الموت إياهم قوة مطلقة تجوب الزمان والمكان، ﴿یُدۡرِككُّمُ﴾

وأوحى الأداء الصوتي بالإدغام سرعة الإدراك في انتظام،  ثم  جاء ب﴿لو﴾ ضمن الكلام في إنزال المستحيل من الأمكنة عليهم منزلة الممكن لو حصل وكان!

    ثم جعل ﴿البروج﴾ كلها من أرضيها وسماويِّها، لو حلوا فيها وكانت ظرفا لكينونتهم فيها؛ غير حامية لهم من إدراك الموت، وزادها وصفا بالقوة والتشييد.

وجعلها في آخر النظم ﴿وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲ﴾؛ ليقطع عنهم كل أمل في النجاة والبقاء، ثم انظر إلى رصانة اللفظ وقوة ألفاظه المناسبة لمقامه، مالا تجد شيئا من ذلك في قول الشاعر من الوداعة والاستيداع للحفظ،

وجعل من نفسه هو الحريص على حمايته وهذا أضعف من حرصهم على أنفسهم في البحث عن نجاة كما في القرآن، وذكر اهتداء المنايا إليه ومافيه من ضعف الصورة وخفوتها وانكسافها، أمام البيان المعجز الساطع المبين!