يعد ابن طفيل أحد أشهر المفكرين العرب الذين تركوا آثارا علمية خالدة في عدة ميادين، فهو فيلسوف، ومفكر، وقاض، وفلكي، وطبيب، وشاعر عربي أندلسي، اشتهر بكتابه “حي بن يقظان”، الذي حاول فيه التوفيق الفلسَفِي بين المعرفة العقلية والمعرفة الدينية، وقد تُرْجِمَ هذا الكتاب إلى العديد من اللغات حول العالم..

ابن طفيل عالم مشهور له إسهامات كثيرة في العديد من العلوم المختلفة، خاصة في الفلك والطب والشعر، ففي علم الفلك، ذَكَرَ عنه تلميذهُ البطروجي أنه عثر على نظام فلكي وتفسير لحركة الأفلاك على نحو مخالف لما قالهُ بطليموس، استغنى فيه عن الدوائر الداخلة والدوائر الخارجة. أما في الطب والشعر فقد ذكر لسان الدين بن الخطيب أن له أرجوزة في الطب، حيث كانت له أرجوزة في الأمراض وعلاجها، كما كانت له قصائد في الغزَل الصوفي.

وقد قيل فيه أنه كان يكتب بعقل فيلسوف وخيال شاعر. لغته مزيج من الحكمة والرموز العرفانية. حين أراد أن يتحدث عن فلسفته لجأ إلى الأسلوب القصصي وحدثنا، كما يتحدث الرواة في تراثنا العربي، فنقل عن السلف الصالح قصة ذلك الطفل في رائعته “حي بن بقظان” الذي نشأ في جزيرة من جزر الهند تحت خط الاستواء. بخيال ساحر يذكرنا بلؤلؤة أخرى من لآلئ الأدب العربي وهي دون ريب ولاشك “ألف ليلة وليلة”، تمكن هذا الفيلسوف “العاقل” من نقل هذه الأسطورة الحالمة حول مفاهيم الفلسفة ومصطلحاتها الغامضة إلى صور شعرية ورموز كنائية؟

من هو ابن طفيل؟

ابن طفيل (500 – 581هـ، 1106 – 1185م) هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي، ولد بمدينة “وادي آش”، وتسمى اليوم Guadix، وتبعد مسافة 35 كيلومترا من قرطبة. درس الفلسفة والطب علي يد أعظم فلاسفة الأندلس وأطبائها، وتولى منصب الوزارة، وكان طبيبًا خاصًّا للسلطان أبي يعقوب يوسف، كما كان معاصرا لابن رشد وصديقا له.

ويرجع أصله إلى أصل عربي خالص هو بنو قيس، قيس بن عيلان بن مُضر من العرب المستعربة الشمالية. وينسب أيضا فيقال: الأندلسي والقرطبي والإشبيلي ويكنّى أحياناً – وهو الأقل – بأبي جعفر. توفي عام 581 هـ الموافق 1185م عن 87 عاما في مدينة مراكش، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته.

وهو فيلسوف وعالم وطبيب عربي مسلم ورجل دولة. وهو من أشهر المفكرين العرب الذين خلفوا آثاراً خالدة في عدة ميادين منها: الفلسفة والأدب والرياضيات والفلك والطب وقد عرف عند الغرب باسم (باللاتينيةAbubacer )، وكان من وزراء دولة الموحدين في وقت عظمتهم.

قضى ابن طفيل أكثر أيام حياته الأولى يدرِّس ويطبّب، ثم شغل منصب الوزارة في غرناطة. وهو من أشهر المفكرين العرب الذين خلَّفوا الآثار الخالدة في عدة ميادين منها: العلوم الرياضية والفلسفة والفلك، واختراع الآلات.

في أوائل عام 549هـ، 1154م اتصل ببلاط الموحّدين في إفريقيا، وأصبح كاتم أسرار أبي سعيد ابن عبد المؤمن والي سبتة وطنجة. تولى منصب الوزارة ومنصب الطبيب الخاص للسلطان أبي يعقوب يوسف أمير الموحدين، وكانت له حظوة عظيمة عنده. اعتزل ابن طفيل مناصبه في بلاط الموحدين عام 578هـ، 1182م. كان معاصرا لابن رشد وصديقا له، وهو الذي أوصى بابن رشد كخلفاً له في المستقبل في عام 1169.

حياته ومسيرته العلمية

ليس معروفا على يد من بالضبط تتلمذ ابن طفيل، ولا أين تلقى العلم، غير أن مراكز العلم في ذلك الوقت كانت على الأخص قرطبة وأشبيلية. ويقول الأستاذ عبد الواحد المراكشي في كتابه “المعجب في تلخيص اخبار المغرب”، وهو أحد أوسع المصادر عن حياة ابن طفيل، “قرأ على جماعة من المتحققين بعلم الفلسفة، منهم أبو بكر الصائغ المعروف بابن باجه وغيره”. لكن بعض المصادر الأخرى تقول غير ذلك، بأن ابن طفيل لم يكن تلميذا لابن باجة، وإن كان من غير شك قد تأثر به من الناحية الفلسفية تأثرا بارزا .

ودرس ابن طفيل العلوم الدينية خاصة الفقه، لأن تلميذه البطروجي يذكر أن أبن طفيل كان قاضيا. وكذلك درس العلوم العقلية، والطب. وقد مارس مهنة الطب في غرناطة مدة من الزمن. لكن الفترة الهامة في حياته هي تلك التي أمضاها بحضرة أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي، سلطان الموحدين، وكان عالي الثقافة، ذا حظ من العلوم العقلية إلى جانب معرفته التامة بأخبار العرب. قال عنه ابن خلكان “كان أعرف الناس كيف تكلمت العرب، واحفظهم لأيامها في الجاهلية والإسلام، صرف عنايته إلى ذلك، ولقي فضلاء أشبيلية أيام ولايته، ويقال إنه كان يحفظ صحيح البخاري وكان شديد الملوكية، بعيد الهمة، سخيا جواداً استغفى الناس في أيامه، وكان يحفظ القران الكريم مع جملة من الفقه. ثم طمح إلى علم الحكمة، وبدأ من ذلك بعلم الطب: وجمع من كتب الحكمة شيئاً كثيراً. وكان ممن صحبه من العلماء بهذا الشأن : أبوبكر محمد بن الطفيل . . . ولم يزل يجمع إليه العلماء من كل فن من جميع الأقطار، ومن جملتهم ابو الوليد محمد بن احد بن محمد بن رشد الأندلسي “.

أعمال ابن طفيل في الشعر والطب والفلك

درس ابن طفيل عدة مجالات، شملت الفلسفة، والفلك، والأدب، والطب الذي زاوله واتخذه مهنةً له أثناء إقامته في غرناطة، فاشتهر وذاع صيته فيه، كما كتب العديد من المؤلفات في الطب والفلك والفلسفة.

أعماله في الشعر

كان شاعرا، وشعره متوسط الجودة، روى طرفاً منه المراكشي في المعجب، نقلاً عن ابنه يحيى،كذلك نشر له جرثيه جومث قصيدة سياسية في العدد الأول من “مجلة معهد الدراسات الاسلامية في مدريد”.

ومن شعره الأرجوزة في الأمراض وعلاجها والقصيدة التي يحرض بها المسلمين على الجهاد في الحملة التي أعدها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن أمير الموحدين لنجدة المسلمين في الأندلس وفيها يقول:

أقيموا صدور الخيل نحو المضارب … لغزو الأعادي واقتناء الرغائب

وأذكوا المذاكي العاديات على العدا … فقد عرضت للحرب جرد السلاهب

ولا يبلغ الغايات إلا مصمم … على الهول ركّابٌ ظهور المصائب

وله في الغزل الصوفي قوله:

ألمت وقد نام المشيح وهوما = وأسرت إلى وادي العقيق من الحمى

وجرت على ترب المحصب ذيلها = فما زال ذاك الترب نهبا مقسما

ولما التقينا بعد طول تهاجر = وقد كاد حبل الود أن يتصرما

جلت عـن ثناياها وأومض بارق = فلم أدر من شق الدجنة منهما

وقالت وقد رق الحديث وأبصرت = قرائن أحوال أذعن المكتما

أعماله في الطب

لابن طفيل مؤلفات في الطب، فقد ذكر لسان الدين ابن الخطيب أنه ألف كتاباً في الطب في مجلدين. وذكر ابن أبي أصيبعة أن لابن رشد كتابا عنوانه: “مراجعات ومباحث بين أبي بكر بن الطفيل وبين ابن رشد في رسمه للدواء في كتابه الموسوم بالكليات. ويذكر لسان لدين ابن الخطيب في “مركز الإحاطة” أن لابن طفيل “أرجوزة في الطب”.

أعماله في الفلك

له مؤلفات في الفلك، أشار ابن رشد إلى أحدها في شرحه الأوسط على كتاب “الآثار العلوية” لأرسطوطاليس، ويقول إن بن طفيل لم يكن راضياً عن نظام بطليموس وإنه اقترح نظاما جديداً. ويشير تلميذه البطروجي إلى هذا أيضاً في مقدمة كتابه الشهير في الفلك، فيقول إن ابن طفيل ذكر له أنه عثر على نظام فلكي وتفسير لحركات الأفلاك على نحو مخالف لما قاله بطليموس، استغى فيه عن الدوائر الداخلية والدوائر الخارجة.

أعماله في الفلسفة

الجانب الفلسفي في فكر ابن طفيل جدير حقا بالعناية والتقدير. على الرغم من أنه لم يبق من آثاره في الفلسفة غير كتاب واحد هو “حي ابن يقظان”.

وجاء في “الأعلام” للزركلي أن ابن طفيل وهو صاحب القصة الفلسفية “حي بن يقظان”، قال المراكشي في المعجب: رأيت له تصانيف في أنواع الفلسفة من الطبيعيات والإلهيات وغير ذلك، ورأيت بخطه رسالة له في (النفس) وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له، يقيم عنده أياما، ليلا ونهارا، لا يظهر.

ابن طفيل ورائعته “حيّ بن يقظان”

على الرغم من أن مؤرخي الأدب والفلسفة قد ذكروا لابن طفيل عددا من الكتب والرسائل، إلا أنه لم يصل إلينا من آثاره سوى كتاب واحد هو قصة “حيّ بن يقظان” أو “أسرار الحكمة الإشراقية”.

تُعتبر هذه الرواية إحدى روائع وكلاسيكيات الأدب العربي القديم، وقد كتبت أربع مرات على يد ابن سينا وان النفيس، وشهاب الدين السهروردي وابن الطفيل، والذي تميز بدوره فيها فجمع بين الفلسفة والدين والتربية والأدب، فحملت في مضمونها عمقا فلسفيا كبيرا، وناقشت ما يُسمى حاليا رؤية العالم أو النموذج المعرفي، وتشمل القصة عناصر الثقل المعرفي الأساسية، وهي الإله، والإنسان، والطبيعة، وتوضّح أبعاد العلاقة بين هذا العناصر.

حاول ابن طفيل من خلال كتابه “حي بن يقظان” أن يوجد نظاما فلسفيا حول النشوء الطبيعي وتطور التفكير الإنساني، وبيان أن الإنسان يتدرج بالتأمل والفكر في المعرفة من الإحاطة بما حوله من عالم المادة، حتى يستطيع أن يتصل عن طريق العقل بالله سبحانه وتعالى. وذكر أن عجز العقل عن إدراك الله يقود إلى التصوف عند بعض الناس.

وقد ترجم كتاب “حي بن يقظان” إلى عدة لغات أجنبية وهي قصة ضمنها ابن طفيل آراءه ونظرياته، وتدور القصة حول شخصية “حي بن يقظان” الذي نشأ في جزيرة من جزر الهند تحت خط الاستواء، منعزلا عن الناس، في حضن ظبية قامت على تربيته وتأمين الغذاء له من لبنها وما زال معها، وقد تدرج في المشي وأخذ يحكي أصوات الظباء ويقلد أصوات الطيور ويهتدي إلى مثل أفعال الحيوانات بتقليد غرائزها، ويقايس بينها وبينه حتى كبر وترعرع واستطاع بالملاحظة والفكر والتأمل أن يحصل على غرائزه الإنسانية وأن يكشف مذهبا فلسفيا يوضح به سائر حقائق الطبيعة.

الأساس الفلسفي لهذه القصة هو الطريق الذي كان عليه فلاسفة المسلمين الذين نهجوا على مذهب الأفلاطونية الحديثة وقد صور ابن طفيل الإنسان، الذي هو رمز العقل، في صورة حي بن يقظان وقد رمى ابن طفيل من ورائها إلى بيان الاتفاق بين الدين والفلسفة وهو موضوع شغل أذهان فلاسفة الإسلام.

ابن طفيل ونقده اللاذع لكبار الفلاسفة

زعم الكثيرون ممن درسوا فلسفة ابن طفيل بأنه تأثر بالفلاسفة، أو الهنود، واليونان، والفرس.لكن ابن طفيل ما فتىء يوجه انتقادات حادة إلى بعض الفلاسفة والعلماء المشهورين نذكر منهم هؤلاء وما قال فيهم ابن طفيل:

الفارابي: يُشير ابن طفيل إلى أن كتب الفارابي مشكوك بها، بعد أن قرأها قراءة الناقد ورفضها، وخير مثال على ذلك جدله معه حول فلسفته التي تتحدث عن السعادة وانها في الدار الدنيا، ومن هنا يجزم القول أنه لم يقلده إطلاقا.

ابن باجة: يرى ابن طفيل أن ابن باجة ثاقب الذهن صادق الرواية، لكن الدنيا شغتله ووافته المنية قبل أن تُملأ خزائن علمه، وتُبث حكمته المخفية، ويرى أنه وصل لمراتب العلم النظري والبحث الفكري أي رتبة العلم الأولى ولم يتخطاها، وهي أهل النظر فقط بينما يرى المرحلة الأخيرة مرحلة الولاية التي تصل بالإنسان باب الصواب والتي لم يصبُ ابن باجة لمراحلها السامية.

ابن سينا: كان ابن سينا خير معلم وأفضل قدوة لابن طفيل، إذ إنه درس التصوف بشكل فني وموضوعي، وكان يصف مراتبه بدقة دون أن يكون متصوفًا، وكان متفقًا مع ابن باجة بالمرحلة النظرية، لكنه تفوق عليه بالتعمق بما وراء الطبيعة، ووصفها بدقة وموضوعية، لكنه أيضًا لم يصل مرحلة العارف برأي ابن طفيل، ورغم زعم الكثيرين بتشابه رسالة كلا الفيلسوفين لكنه أمر غير صحيح، إذ إن قصة ابن سينا رمزية، بينما رسالة ابن طفيل فلسفية وفكرية بحتة وعميقة المعنى.

الغزالي: يتعارض ابن طفيل بشدة مع الغزالي الذي رفض العقل قطعيًا، بينما كانت رسالة ابن طفيل عقلية صارمة ترد على فساد اتجاه الغزالي، لكن في نفس الوقت رغم تعارضها يرى ابن طفيل أن الغزالي وصل إلى مرحلة شرفية مقدسة وسامية تؤدي إلى المعرفة.

كما يذكر البعض أنه نقد نظريات بطليموس في الفلك، وتُنسب إليه بعض النظريات الخاصة بتركيب الأجرام السماوية، ويقال إنه وُفق إلى صياغة نظام فلكي جديد يخالف ما جاء به بطليموس.


مصادر

– موقع “المكتبة الشاملة”

– “المعجب في تلخيص اخبار المغرب” لعبد الواحد المراكشي .

– “قصة الحضارة” للفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت

– “الإحاطة في أخبار غرناطة” للأديب الأندلسي لسان الدين بن الخطيب

– “تاريخ الفكر الأندلسي” لآنخل جنثالث بالنثيا

– “موسوعة علماء العرب”  لعبدالسلام السيد