في عالمٍ متسارع، تتداخل الأفكار، وتكثرُ المشتّتات، وفي ظلّ وجود منصّاتٍ تُتيح لنا مشاركة الأفكار في الوقت الذي نشاء، وبالطريقة التي نرغب، فمن جهة أخرى، فنحن نتعرّض لكثيرٍ من المعلومات بشكلٍ يوميّ، فساعة واحدة نقضيها في تصفّح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كافية لأن نخرجَ منها وقد مُلِئنا بعشرات وعشرات المعلومات المُمستَقبلةِ بطريقة واعية أو غير واعية؛ ولهذا، قد وجب علينا معرفة بعض هذه المغالطات التي وقع البشر بها سابقًا، وما زالوا يقعون، ولكن بدرجة أكبر؛ لكثرة المُدخلات في العصر الحالي، فإدراكنا لبعض هذه المغالطات المنطقية هو طريق لتغيير نظرتنا لكثيرٍ من سلوكاتنا وأفكارنا.

    أولًا: المغالطة المنطقية باختصار.

    المغالطة المنطقية، هي الحجّة التي يكون في رأي صاحبها تعصّب لها، فيضطر حينها إلى استخدام بعض المغالطات التي تناقض المنطق، بحيث يكون لديه أخطاءٌ في بنى تفكيره، وعليه، خطأُ أو عدة أخطاء في استنتاجه.

ثانيًا: الانحياز التأكيديّ.. مغالطة ملازمة لنا جميعًا!

   الانحياز التأكيديّ، هو أحد المغالطات المنطقية التي تقوم على أساسين:

الأول: هو أن ينتقي الشخص معلومات معيّنة لعرضها في إثبات رأيه، بحيث تكون تتوافق ورأيه، ويرفض التعرّض أو عرض أيّ دليل يُعارض رأيه.

وأما الثاني: فهو أن يقوم بتحوير أي معلومة يتلقّاها، فيقوم بتوجيهها لتدعم رأيه.

   فمثلًا: ليلى تتعصّبُ لشخصيّة ما، فهي ترفض أن تستمع لرأيك الذي تحاول فيه إقناعها بوجود أخطاءٍ في آراء هذه الشخصية، وأنّها قد أخطأت في كذا وكذا، فليلى هنا ستتهمك بأنك مدلّس، ولا تستمع إلا للإشاعات المطروحة حول هذه الشخصية، بل وستبدأ بإسكاتك؛ لتعرض مناقب الشخصية وعدّ محاسنها، متجاهلةً السلبيات كلّا، وأمّا السلبيات الأخرى، فلكلّ سلبية مبرّر.

    ومثالٌ آخر: زيد يخبرُك أنّه شخصٌ مكروه من قِبل أصدقائه، بل من المجتمع بأكمله، فإذا سألته: ما الدليل على ذلك؟، فسيخبرك كيف رأى صديقًا له صباح أمس، فلم يسلّم عليه، وكيف أن شخصًا آخر قد أدار وجهه قليلًا عنه وهو يحدّثه، ولم يبدِ اهتمامًا بحديث زيد، ثم سيذكر لك عندما نادى على أحد أصدقائه مرارًا، فلم يرد، وينسى عدد المواقف الإيجابية التي حدثت سابقًا، وهو ما يعرف “بالذاكرة الانتقائية”، فعندما يُسأل عن حال علاقاته الاجتماعية، فإنه سينتقي ذكرياتٍ معيّنة تعزّز فكرة الكره لديه.

    ومع أن الجميع يقع في مغالطة الانحياز التأكيديّ، إلّا أنّ الشخصيّة الحسّاسة -كما تُسمّى في علم النفس: الشخصيّة الملتزمة- هي أكثر عرضةٍ إلى تحوير كثيرٍ من المواقف إلى اتّجاهات سلبيّة، نحو نفسها ونحو الأشخاص الآخرين؛ لكون فرط التنبّه هو أحد أبرز صفات الشخصية الحساسة.

ثالثًا: “الارتباط لا يعني السببيّة ضرورةً”

والآن، فلنفرض أن شخصًا ما يتعصّب للون الأزرق، فلمّا سألناه: “لم هذا التعصّب للون الأزرق”؟، أجاب:” لأنني قمتُ بدراسة أجريتها على ألفي شخص، في خمس بلاد، فخلصت إلى أن من يفضّل اللون الأزرق على غيره من الألوان، قد حصل على درجاتٍ أعلى في اختبار الذكاء (IQ)”، والحقيقة، أنّ هذه التجربة لا يمكن أن نعمم نتائجها على جميع البشر، فنقول أن كل مَن يحبّ اللون الأزرق هو أذكى من آخر يفضّل لونًا غير الأزرق؛ لأن الإحصائية السّابقة قد ربطت أمرين لا علاقة منطقيّة بينهما.

  ولو دقّفنا قليلًا في معتقداتنا، وخصوصًا تلك التي نعتبرها من المسلَّمات، لوجدنا أننا نقع بهذه المغالطة كثيرًا؛ أحد الأسباب، هي أننا نميل إلى التأطير عند صنع آرائنا الشخصية، فنحن نستخدم اللونين الأسود أو الأبيض في حكمنا على كثيرٍ من الأشياء، أي نطلق أحكامًا مطلقة ليست بالحيادية، فإمّا أن نعظم الأشخاص ونخرجهم من دائرة قابليتهم للخطأ أوالوقوع في السهو والهفوات، وهذا يجعلنا إمّا في حالة دفاعٍ شديدة، أو حالة هجومٍ شديدة، فنستخدم جميع الطرق الممكنة في هذا، سواءً أكانت علمية أم غير علمية، أو منطقية أم غير ذلك،ولكن الحقيقة التي لا نختلف فيها هي أننا لسنا بمعصومين؛ لأن عصر الرسل قد انتهى، و “كل ابن آدم خطّاء”، وسببٌ آخر، هو أن تخلّينا عن بعض أفكارنا التي آمنّا بصحّتها لفترة طويلة ليس بالأمر الهيّن، فمن الصعب تبديل المفاهيم خصوصًا التي مرّ على الإيمان بها زمنٌ طويل، وحتّى وإن قامت الحجّة، والبرهان الصَّادق، فمن الأقوام السابقة من كانوا شاهدين على معجزات الأنبياء، إلّا أنّهم أصرّوا على التمسّك بالضلالة، كما أننا نقوم  بفرض الفرضية، ثم نفسّر جميع المعلومات الموجودة لدينا على نحوٍ يجعل فرضيتنا تبدو صحيحةً، وليس العكس.

خاتمة:

    و حتّى إن لم نستطع أن نتجنّب الوقوع في هذه المغالطة بنسبة 100%، لكون العقل البشريّ يميل إلى البساطة لا التعقيد، فنحن لا نفضّل أن نخوض في بحثٍ طويلٍ مجهد حول ما نؤمن به، بل نحن نشعر بالأمان في ظلّ ما نحن عليه الآن، إلّا أنّ معرفتنا بهذه المغالطات يقلل وقوعنا بها، “فالإنسان عدوّ ما يجهل”.