إذا كنا بحاجة دائمة إلى تدارس الأخلاق الفاضلة في الإسلام وتمثّلها في يوميات حياتنا، فإننا بحاجة أيضاً إلى أن نكون على علم بطبيعة الأخلاق الموجودة في الشرائع السماوية وخاصة التلمود والتوراة، ولهذا سنحاول في هذه المقالة أن نسلط الضوء على مكانة الأخلاق من خلال جولة في كتاب “الأخلاق في القرآن والتوراة والتلمود” للدكتور أحمد عمار عبد الجليل الذي قدم من خلاله محاولة لتوضيح الفرق بين الأخلاق في الدين الإسلامي والتوراة والتلمود .

لا يزال البحث في مجال الأخلاق ميداناً خصباً نظراً لحضور موضوع الأخلاق منذ القِدَم في الشرائع السماوية وتعلق الإنسان بمحاسنها ونبذه لمساوئها بفطرته الإنسانية الأصلية، ويمكننا أن نستنتج من قول الرسول : “إن مما أدرك الناسُ من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت” أن مكارم الأخلاق تعتبر من القواسم المشتركة بين جميع الشرائع السماوية، ولكن الأخلاق في الإسلام تختلف بالطبع عن الأخلاق في التلمود وتوراة بني إسرائيل الحالية اختلافاً جلياً لا يخفى على ذي بصيرة.

الأخلاق في القرآن

للأخلاق مكانة عالية في تاريخ الإسلام، إذ لم يترك الدين الإسلامي الحنيف فضيلة من الفضائل إلا دعا إليها ولا رذيلة من الرذائل إلا نهى عنها، ولعل الأخلاق هي الأمر الوحيد الذي نجد ملامحه في أركان الإسلام الخمسة، فالصلاة مثلاً عبادة يومية تؤثر في سلوك صاحبها وتنهاه عن الفحشاء والمنكر: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، والزكاة تطهير للمسلم وتزكية له: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، والصيام عبادة لزيادة منسوب التقوى لدى المسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، أما الحج فهو دعوة إلى الإقلاع عن الرفث الفسوق والتزود من التقوى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.

والمتتبع للقرآن الكريم يكتشف أنه يقدم لنا صوراً عديدة عن مكان الأخلاق في الإسلام يصعب حصرها في سطور معدودة، ولعل من أول تلك الصورة الأخلاقية الرائعة: خلق الأمانة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ}، وخلق الإيثار: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وخلق الصدق: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وخلق الوفاء بالعهود والوعود: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}، وخلق العدل والإحسان: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وخلق الإخلاص: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وخلق الحلم والعفو والصفح: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}، وخلق غض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، و{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}.

وهناك عدد لا بأس به من الأخلاقية الإسلامية الرائعة التي نجد إشارات إليها في القرآن الكريم والسنة النبوية، منها: خلق الجود، وخلق العفة، وخلق الحياء، وخلق التواضع، وخلق قضاء حوائج الناس، وخلق التجاوز عن المعسر، وخلق الإصلاح بين الناس، وخلق الرحمة والرفق بالإنسان والحيوان، وخلق كف الأذى عن الناس، وخلق طلاقة الوجه، وخلق حسن الظن، وهذه كلها أخلاق حسنة يحتاج إليها الإنسان في يوميات حياته، ولهذا تحدث عنها القرآن الكريم وحثت عليها السنة النبوية المطهرة.

ومما يؤكد أهمية الأخلاق الفاضلة في الإسلام ويُعلِي من قيمتها أن النبي محمداً بعث إلى هذه الأمة ليتمم مكارم الأخلاق: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وقد كان حبيبنا وشفيعنا يوم القيامة قرآناً يمشي بين الناس، وعندما سئلت عائشة أم المؤمنين عن خلقه قالت: “كان خلقه القرآن”، والقرآن نفسه قدم أعظم تزكية أخلاقية في التاريخ البشري لخلق النبي محمد : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقد أخذ الصحابة رضوان الله عليهم أهمية الأخلاق من رسول الله ، فصارت أخلاقهم مضرب المثل، عن أم الدرداء قالت: “بات أبو الدرداء الليلة يصلي فجعل يبكي ويقول: (اللهم أحسنتَ خَلقي فأحسن خُلُقي).

من هنا يبدو جلياً أن الإسلام أعطى للأخلاق مكانة عالية وفريدة من نوعها ودعا الناس إلى تمثّل محاسنها وتجنب مساوئها، وقد أشار المؤلف إلى الوسائل التي تساعد في كيفية اكتساب مكارم الأخلاق وتطبيقها، وذكر منها: الدعاء بحسن الخلق كما فعل أبو الدرداء، والنظر في سيرة الرسول محمد والسلف الصالح، والتفكير في ثواب حسن الخلق، ومصاحبة أهل الفضل والمروءة، وتمرين النفس على فعل الأخلاق.

الأخلاق في التوراة

قبل الدخول في تفاصيل الحديث عن الأخلاق في القرآن والتوراة والتلمود، لا بد من القول إن الأخلاق التي سنتطرق لها في هذا المحور هي الأخلاق الفاسدة التي وردت في التوراة بعد أن أصابها التحريف والتبديل والتغيير من طرف أحبار اليهود، إذ من المعلوم أن التوراة في الأصل كانت ديناً سماوياً، “إلا أنه عزّ على أحبار اليهود أن يتمسك اليهود بمكارم الأخلاق التي جاءت بها التوراة والتي دعا إليها سيدنا موسى عليه السلام، فقاموا بتحريف التوراة بما يتوافق مع فساد عقيدتهم وسوء جبلتهم وشذوذ أفكارهم وطباعهم وأخلاقهم”.

وبعد عمليات التحريف والتبديل والتغيير التي أصابت التوراة، استطاع أحبار اليهود أن يخرجوا للناس كتاباً جديداً مليئاً بسوء الأخلاق والعنصرية والاستعلاء والعنف والزنا والاغتصاب، ولهذا فإن “إن المرء ليأخذه العجب حين يعلم أن توراة بني إسرائيل الحالية تعتبر سجلاً دقيقاً ومفصلاً لشرورهم وآثامهم وصمم آذانهم عن صوت الله ومخالفتهم شريعته وخيانتهم لعهده بل كفرانهم به”.

و في إطار عرض كتاب “الأخلاق في القرآن والتوراة والتلمود”، وجب أن نقول أنه إذا كانت الأخوة والمساواة من أبرز صور مكارم الأخلاق في القرآن الكريم، فإن العنصرية يمكن أن تعتبر أول مسألة تميز الأخلاق السيئة في توراة بني إسرائيل الحالية التي ملأها الأحبار والأنبياء المزعومون عند اليهود بأشكال التطرف والحقد والكراهية والعنصرية، الأمر الذي “جعلهم في عداء مع بقية الشعوب، وهو عداء يتخذ شكل تعاليم ومعتقدات أضفوا عليها طابع القداسة”.

ولأن التوراة تكرر العديد من النصوص التي تصف اليهود بأنهم “شعب الله المختار”، فقد ظل طابع القداسة هذا يتطور وظلت فكرة العنصرية تكبر حتى أصبح اليهود يقولون إن الله هو إله إسرائيل دون غيرهم، وصاروا يعتقدون أنهم “شعب الله المختار” فعلاً، وقد ذهب الدكتور أحمد عمار عبد الجليل في هذا المضمار إلى أن “فكرة الشعب المختار فكرة إجرامية من الناحية السياسية، لأنها هي التي أضفت دائماً صفة القداسة على كل ألوان العدوان والتوسع والسيطرة”.

وغير بعيد من العنصرية، نجد أن خاصية الاستعلاء تطفو كعقيدة على سطو الخطاب التوراتي لبني إسرائيل في مفردات من قبيل: “يقف الأجانب ويرعون غنمكم، أما أنتم فتدعون كهنة الرب.. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون”، “أسير بينكم وأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً”، وهكذا تبرز خاصية الاستعلاء والعدوانية بشكل جلي.

ولا شك أن أدلجة العنف وتقديسه تمثل خاصية أساسية من فلسفة الأخلاق في توراة بني إسرائيل ، فالدعوة التوراتية تبلغ “ذروة التطرف والعنف حين تحض على استباحة بلاد الأمم والشعوب واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم، والنصوص التوراتية حافلة بالشواهد التي تؤكد التربية العدوانية المرتكزة على العنف”، ونحن نشاهد هذه التربية العدوانية والاستئصالية تمارس بشكل يومي بحق فلسطين وشعبها الصامد الصابر، ولكن عزاؤنا أنه مهما طال الزمن فإن الأمة الإسلامية ستنتصر وسيعود الحق إلى أهله ويرجع اليهود صاغرين مدحورين، فهذا وعد الله للمتقين: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

الأخلاق في التلمود

أشرنا في السابق إلى أن أحبار اليهود قاموا بتحريف التوراة وتبديلها وتغييرها لتصبح معبّرة عن فساد عقيدتهم وسوء جبلتهم وشذوذ أفكارهم وطباعهم وأخلاقهم، ويمكننا أن نضيف هنا أن اليهود لم يكتفوا بهذه الفعلة الشنيعة التي ارتكبوها بحق التوراة، بل “ألفوا التلمود الذي يقطر حقداً على البشرية بأكملها، والذي يمتلئ بالشرور وسوء الأخلاق”، وشرّعوا لأنفسهم السرقة والغش من خلال التلمود، لهذا نجدهم يعتبرون أنفسهم مساوين للعزة الإلهية وأن الله سلّطهم على أموال باقي الأمم ودمائهم.

كما أجاز اليهود لأنفسهم في شرائعهم الفاسدة الزنا والاغتصاب، فقد ذكر صاحب كتاب “دراسات في التشريع اليهودي” أن التلمود جاء فيه أن “اليهودي لا يخطئ إذا تعدى على عرض أجنبية لأن كل عقد نكاح على الأجانب فاسد، لأن المرأة التي لم تكن من بني إسرائيل كبهيمة والعقد لا يوجد في البهائم وما شاكلها”، و”أن لليهودي الحق في اغتصاب غير اليهوديات”، ولا شك أن من أجاز الزنا والاغتصاب لن يتورع عن أكل الربا، لذلك يؤمن اليهود بأن أخذ الربا من الأممي أمر من الله.

ولا تنحصر العقائد والأخلاق اليهودية الفاسدة فيما سبق ذكره، بل هناك جملة من مساوئ الأخلاق اليهودية التي يصعب حصرها في سطور، ومنها النفاق الذي أجاز التلمود استعماله، كما أجاز لليهودي الكذب وشهادة الزور، وعدم رد الأشياء المفقودة، وعدم الرحمة والشفقة، ويقضي التلمود بأن “الكلب أفضل من الأجانب لأنه مصرح به لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب وليس له أن يطعم الأجانب، وغير مصرح له أن يعطيهم لحماً بل يعطيه للكلب لأنه أفضل منه”.

وفي التلمود تأكيد على مبدأ الاستعلاء والتفوق العنصري والحث على اتخاذ الناس عبيداً، ولهذا فإن أرواح اليهود في نظر التلمود تتميز عن باقي الأرواح، والشعب اليهودي هو الشعب المختار الذي يستحق الحياة الأبدية، أما باقي الشعوب فمثلهم مثل الحمير، وقد تولدت عن هذه النظرة الاستعلائية العدوانية رغبة جامحة لدى اليهود في السيطرة على العالم، وقد كان الدكتور أحمد عمار عبد الجليل صادقاً حين قال إن “التلمود يعد أخطر وثيقة ضد الإنسان والإنسانية، إذ يدعو إلى تحطيم كل العقائد والقيم والحضارات لإقامة مجتمع عالمي صهيوني يسيطر على كل دول العالم بكل الوسائل الممكنة من الغش والسلب والخداع والكذب”.

وفي خضم الحديث عن الأخلاق في القرآن والتوراة والتلمود، بقي أن نقول إن الأخلاق عند حاخامات اليهود تؤكد كل ما سبق ذكره بخصوص التوراة والتلمود، حيث تقطر عنصرية واستعلاء وخيانة، وتدعو إلى العدوانية والانعزالية وإهانة الزوجة واغتصاب النساء والزنا بهن، كما تدعو إلى نقض العهود وإثارة الفتن والقلاقل ونشوب الحروب بين الشعوب، والسرقة والغش والنفاق وعدم الرحمة والشفقة، وهكذا يبدو للقارئ أن لا مقارنة مطلقاً بين الأخلاق في الإسلام والأخلاق في التلمود وتوراة بني إسرائيل الحالية، فأقل ما يمكن أن يُقال أن الفرق بينهما كالفرق بين الطاهِر والنجِس والخبيث والطيب والحلو والمر والنافع والضار.