الأصل في الأذان في الإسلام أنه للصلاة، ويقصد به الإعلام بدخول وقت الصلاة، ونداء المسلمين إليه، وهو من أجل الشعائر الدينية التي يتسم بها المجتمع المسلم، ولا يعرف قيمة الأذان أكثر من المسلمين في الغرب، حين يسيرون في الشوارع، فلا يسمعونه، وكم يفرح المسلمين في بلاد غير المسلمين إن سمح لهم برفع الأذان في مساجدهم أو مصلياتهم.

ولهذا ورد في الحديث المتفق عليه: ” لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا”، و في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة.

ولعظم مكانة الأذان في الإسلام شرع الأذان في مواطن أخرى، اتفق على بعضها واختلف على البعض الآخر، ومما اتفق عليه مشروعية الآذان ما يلي:

الأذان عند الولادة

اتفق الفقهاء على مشروعية الأذان عند ولادة المولود، وهو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في سنن الترمذي من أن أبا رافع – رضي الله عنه- قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة “، كما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان ” رواه البيقهي.

الأذان عند وجود الجن

كما ورد في السنة الأذان عند رؤية الغيلان من الجن، فإن الأذان يطردها،  كما ورد في الحديث:” إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان إذا رأى شيئًا من الجن فإنه يؤذن؛ لأن الأذان يطردها”.

وعن سُهَيلِ بنِ أَبي صالحٍ، قال: أرسلني أَبي إلى بنِي حارثةَ، قال: ومعي غلامٌ لنا (أو صاحبٌ لنا)، فناداه منادٍ من حائطٍ باسمِه، قال: وأشرَفَ الذي معي على الحائطِ فلمْ يَرَ شيئًا، فذكرتُ ذلك لأبي، فقال: لو شَعرتُ أنَّك تَلْقَى هذا لم أُرْسِلْكَ، ولكن إذا سمعْتَ صوتًا فنادِ بالصَّلاةِ؛ فإنِّي سمعتُ أبا هُرَيرَة يُحدِّثُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: “إنَّ الشَّيطانَ إذا نُودِيَ بالصَّلاةِ ولَّى وله حُصَاصٌ”،  وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري “: واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت. انتهى.

وقال زين الدين العراقي:«استدل به على ‌استحباب ‌رفع ‌الصوت بالأذان فإنه ذكر فيه أنه إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط إلى غاية لا يسمع فيها الأذان فدل على أنه كلما زاد في رفع صوته زاد الشيطان في الإبعاد ولا شك في استحباب فعل الأمور التي تبعد الشيطان وتطرده، وقد دل هذا الحديث على أن زيادة الرفع زيادة له في الإبعاد إلا أنه يحتمل أن يقال قوله حتى لا يسمع التأذين ليس غاية للإبعاد في الإدبار بل غاية للزيادة في الضراط”. «طرح التثريب في شرح التقريب» زين الدين العراقي: (2/ 202- 203)

والمراد أنه يقصد بما يفعله من ذلك تصميم أذنه عن سماع صوت المؤذن لكن يدل على زيادته في الإبعاد ما رواه مسلم في صحيحه من رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول «إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء قال سليمان يعني الأعمش فسألته عن الروحاء فقال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا»

 وذكر عند عمر الغيلان، فقال:” فإذا رأيتم ذلك؛ فأذنوا”.وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر. متفق عليه.

الأذان في مواطن أخرى

وذكر بعض الفقهاء  خاصة الشافعية أنه يسن الأذان في مواطن متعددة، وإن كانت محل خلاف بين الفقهاء، ومن ذلك المواطن: أن يؤذن في أذن المهموم؛ فإنه يزيل الهم عنه بإذن الله، وكذلك الأذان وقت الحريق، وقيل: المقصود منه التكبير، والأذان إذا ضل الإنسان في سفره، والأذان عند الصرع، والأذان عند الغضب، والأذان عند التقاء الجيوش، والأذان إذا ساء خلقه من إنسان أو بهيمة.

دواعي توسيع الأذان

وإذا كان بعض الفقهاء يرون عدم مشروعية الأذان في غير المواطن التي ورد فيها نص صريح، ومع استصحاب اجتهاد الفقهاء من جواز استعمال الأذان لغيره، فإن هناك من العوامل ما يدعو إلى القول بالجواز، ومن ذلك:

  1. حاجة المجتمع المسلم اليوم إلى كل أشكال التدين، وربط الناس بالدين، مادامت هناك مندوحة، وما لم يكن أمرا محرما بإجماع.
  2. أن الحرب الشرسة على الإسلام حتى في بعض المجتمعات المسلمة، من قبل التيارات العلمانية وغيرها؛ ووهن الدين في قلوب بعض الناس؛ ما يجعل نشر شعائر الإسلام من الأمور المحمودة.
  3. أن الناظر في الاجتهاد الفقهي في تاريخ الأمة والفقهاء سيجد أن هناك مساحات واسعة للاجتهاد، بل وللتجارب في مقام الذكر والدعاء، حتى إنه وردت أدعية وأذكار عن الصحابة والتابعين وصالحي الأمة، حتى إن بعضهم وردت له أوراد من الذكر والدعاء دون نكير من العلماء.
  4. أن استعمال الأذان في كثير من المواطن لا يعني أنه من باب الهدي، ولكنه في ذات الوقت لا يعني المنع، فهو من باب التوسع الذي يفهمه كل من تشرب منهج الاجتهاد في مثل هذا الباب.
  5. أنه قد ثبت حصول الأذان في غير الصلاة؛ مما يعني أن الباب فيه واسع.