• القرضاوي أحيا أمورا اندثرت في الإسلام
  • لم يكن الشيخ يتنازل عن الثوابت رغم ما يلحقه من أذى
  • ودعنا جثمان القرضاوي فقط أما ما بقي منه فيستعصي على الزوال
  • الشيخ منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والمثل والعلم والأدب والثبات والتضحية
  • القرضاوي شخصية مُؤسسة للواقع لا تتوارى وراء الأوراق والخطابات

قال الدكتور ابراهيم الأنصاري عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر أن سماحة الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله، كان خاتمة لجيل من العظماء والعلماء المؤثرين في الأمة الإسلامية، وأنه كان شخصية مؤسسة، أحيا أمورا قد اندثرت في الإسلام. واعتبر رحيلة خسارة للأمة التي ودعت جثمانه فقط، لأن ما بقي يستعصي على الزوال.

في حديثه عن رحيل الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله في برنامج خاص بقناة “القرآن الكريم” بالدوحة، قال الدكتور ابراهيم الأنصاري أن القرضاوي “لم يكن شخصا عاديا، بل كان خاتمة لجيل من العظماء والعلماء المؤثرين في الأمة الإسلامية، أحيا أمورا قد اندثرت في الإسلام، أحيا شمولية الإسلام ووسطيته، وهو الذي منهجه التيسير في الفروع والتشدد في الأصول، وقلما تجد إنسانا يتشدد في الفروع إلا وهو يتساهل في الأصول.

وأضاف “الشيخ كان على المنهج السليم، مسهل في الفروع ميسر فيها، لكنه متشدد في الأصول. ولذلك لم يكن الشيخ يتنازل عن الثوابت، رغم ما يلحقه في سبيل ذلك من أذى ومن شدائد. وإن كان البعض ينتقده على تساهله في الفروع، لكنه لم يكن يعدو الدليل أصول الشريعة في الاجتهاد”.

وتبث “إذاعة القرآن الكريم” على أمواجها بالدوحة في حلقة خاصة عن حياة فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله ومآثره من خلال الحديث مع ثلة من أهل العلم والفضل ممن رافقوا الشيخ في مسيرته العلمية والدعوية.

منظومة متكاملة

وخلال الحلقة الخاصة التي شارك فيها الدكتور ابراهيم الأنصاري، أكد عميد كلية الشريعة بجامعة قطر أن “خسارة الشيخ يوسف القرضاوي أمر كبير، ولكن هل يُعزى في الخالدين؟ فالشيخ لم يكن مجرد ذلك الصوت المميز الذي كنا نسمعه، أو تلك الصورة التي كنا نشاهدها. الشيخ منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والمثل والعلم والأدب والثبات والتضحية”.

وأضاف الدكتور ابراهيم في خضم كلامه عن رحيل الشيخ يوسف القرضاوي “الجزء الذي ودعناه من الشيخ القرضاوي هو ذلك الجثمان الطاهر، وذلك الصوت الحبيب، ولكن بقي الجزء الذي يستعصي على الزوال، هذا الجزء الخالد من علمه وأدبه ومبادءه وثباته ودعوته وجهاده ونضاله. نسأل الله أن يبدل الأمة الإسلامية خيرا، ويثبتنا على الطريق الذي سار عليه”.

وعن سؤال حول مرافقة الشيخ ابراهيم الأنصاري والوالد الكريم الشيخ عبد الله الأنصاري رحمه الله، للشيخ القرضاوي لفترات طويلة من حياته، خاصة وأن القرضاوي هو من يقف وراء تأسيس العديد من المؤسسات العلمية والثقافية والدينية في قطر على غرار “كلية الشريعة” و”جمعية البلاغ الثقافية“..قال الدكتور ابراهيم أن من العلماء من “عايشناهم منذ نعومة أظفارنا، وكنا نتربى على كتبهم وخطبهم ومحاضراتهم، رحلوا إلى الله تباعا وبقي الشيخ القرضاوي، فكان خاتمة هذه السلسلة الذهبية المباركة”.

علاقة وطيدة بعلماء قطر

وأشار عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية أن سماحة الشيخ القرضاوي كتب في مذكراته عن علاقته مع الوالد (الشيخ عبد الله الأنصاري) وذكر أنه أول ما جاء من مصر ذهب إلى مكتبه في المعهد الديني كان أول زائر يزوره الشيخ عبد الله الأنصاري، وعرفه على نفسه فقال أنا أخوك عبد الله الأنصاري من طلبة علمه في قطر، وقال لأول مرة أسمع العلماء يعرفون أنفسهم بطلبة العلم. هذا دونه الشيخ القرضاوي في كتابه “ابن القرية والكُتّاب”، ووصف الوالد على أنه سلفي سمح على منهاج النبوة.

ويقول الأنصاري أن هذا يؤكد العلاقة الوطيدة بين القرضاوي وعلماء قطر عموما، فلو تحدثنا مع أبناء الشيخ عبد الله المحمود، أو أبناء الشيخ أحمد بن حجر، أو أبناء الشيخ عبد الله الأنصاري، سنجد نفس العلاقة بين الشيخ القرضاوي وهؤلاء العلماء.

ويضيف قائلا: “نحن أبناء الشيخ عبد الله علاقتنا بالقرضاوي قبل ذلك، فمنذ نعومة أظفارنا والشيخ يزورنا في العيد، والوالد يزوره في المناسبات، ونلتقي به في ندوات ومحاضرات..وعندما كان الوالد يقيم ندوة كل خميس، كان الشيخ القرضاوي يحضرها ويلقي كلمات بها، فتربينا على صوته وبلاغته وقدرته البيانية وأشعاره وفصاحته رحمه الله”.

وعن مميزات شخصية الشيخ القرضاوي يقول الدكتور ابراهيم أنه كان شخصا مؤسسا، فكلما استشعر رأيا أو لمح فكرة، سارع إلى جمع الأعوان لها وتأسيسها. ويذكر في هذا الصدد على سبيل المثال: يعتبر الشيخ القرضاوي من الذين طوروا المعهد الديني الثانوي عندما جاء من مصر واستلم إدارته، وكان المعهد ناشئا، ولم تكن مناهجه قد طُوّرت وحُدّثت، فطورها وحدثها، فأصبح المعهد رائدا، وتخرج منه الكثير من المميزين في جميع المجالات والتخصصات.

من قسم للدراسات الإسلامية إلى كلية شريعة

ويقول الأنصاري أنه عندما تم إنشاء كلية التربية في قطر عام 1973، ترأس القرضاوي قسم الدراسات الإسلامية فيها، وعند تخريج أول دفعة أسهم إسهاما كبيرا في تحويل هذا القسم إلى كلية، ومنذ عام1977 تأسست كلية الشريعة وكان أول عميد لها، وواضب على عمادتها فترة طويلة جدا. وكل عمداء كلية الشريعة الذين تداولوا على المنصب منذ أن تركه القرضاوي كانوا تلامذة الشيخ، بل أن معظم أساتذة كلية الشريعة هم تلامذته وتلقوا العلم على يديه، وجلسوا في مجالسه.

وقال الأنصاري أن الشيخ القرضاوي كان يهتم بالشباب وبأفكار الشباب ويدعمهم بكل الوسائل “أذكر أنه في كثير من المناسبات، كنتُ والكثير من الزملاء الكرام أمثال الدكتور صفوان الهاشمي، الدكتور محمد المصلح، الدكتور حامد المرواني، وغيرهم كثيرون..(من لم أذكره نسيانا أجره محفوظ وذكره وشرفه محفوظأيضا)كان الشيخ رحمه الله يحملنا ملفات مهمة وثقيلة أثناء الندوات والمؤتمرات وأثناء كتابة المشاريع أو أثناء الإعداد لتأسيس ما”.   

“جهاد العصر”

ويتحدث الدكتور ابراهيم الأنصاري عن دور الشيخ القرضاوي في تأسيس موقع “إسلام أون لاين” فيقول: “في عام 1998 على ما أعتقد، وفي وقت كانت شبكة الإنترنت غير معروفة وغير معروفة المعالم، وغير منتشرة كما هي اليوم..اقترح الدكتور  حامد المرواني اقترح إنشاء موقع لنشر الدعوة على الإنترنت، فتبنى الشيخ يوسف القرضاوي الفكرة ودعمها وعرضها على سمو الأمير الوالد حفظه الله ورعاه، والذي بدوره أيدها ودعمها واقترح تأسيس “جمعية البلاغ الثقافية”، فأنشئت الجمعية ومعها أنشئ موقع “إسلام أون لاين” الذي أصبح الموقع الأشهر في العالم الإسلامي. وقال القرضاوي آنذاك أن الجهاد والدعوة عبر هذه الوسائل هو “جهاد العصر”، وهو دون أدنى شك وسيلة يمكن أن نصل بها إلى قلوب الناس”.

ويقول الدكتور ابراهيم أن القرضاوي شخصية مؤسسة ذات أفكار رائدة وعملية، لا تتوارى بين الأوراق والنظريات والخطابات، بل تتجاوزها إلى الواقع، ويبذل كل الجهود لتسهيل هذا الواقع لكي يحتضن هذه الأفكار فتثمر مشاريع ومؤسسات قائمة بذاتها وليس مجرد حبر على ورق. ويشير في هذا الصدد إلى تأسيس القرضاوي للاتحاد العام للعلماء المسلمين، ومساهمته في تأسيس البنوك الإسلامية في قطر منذ نشأتها، منوها في ذات الوقت أن هذه المؤسسات مجرد نماذج بسيطة لما قام به وأنجزه الرجل من مشاريع لاتزال قائمة وقوية ومنتجة وخلاقة، يستفيد منها الكثير من أبناء الأمة الإسلامية.

زيارة للتاريخ

وفي مداخلته بقناة “القرآن الكريم” أبى الدكتور ابراهيم الأنصاري إلا أن يتحدث عن الزيارة التي قام بها عدد من العلماء و أساتذة كلية الشريعة للشيخ يوسف القرضاوي فقال: “لقد قمنا في كلية الشريعة بتطوير خطط ومناهج بحثية من خلال ورش متعددة، واستضفنا عددا لا بأس به من علماء المسلمين الذين تتلمذوا على يد الشيخ يوسف القرضاوي أمثال الشيخ عبد المجيد النجار، الدكتور محمد فرمازي، الدكتور أحمد جاب الله، الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، الدكتور محمد الصلابي.. وعندما قمنا بزيارة للشيخ رحمه الله وعرضنا عليه ما قمنا به، سأل في البداية عن حال الكلية، ورغم تقدمه في السن، سأل عنا بالإسم وأوصانا بالكلية خيرا وشدد على هذا الأمر، ولا زالت كلماته حاضرة إلى اليوم تمدنا بالقوة والاستمرار في العمل.

وقال الأنصاري في رحيل الشيخ يوسف الأنصاري “نعزي أنفسنا ونعزي الأمة الإسلامية جمعاء في وفاة هذا العالم الشامخ، فضيلة الإمام يوسف القرضاوي رحمه الله..نسأل الله أن يخلف على الأمة خيرا منه، وأن يتغمده برحمته ويعلي درجاته”.