إن حماية الملكية وحماية مال اليتيم ونظام الميراث.. وغيرها في المنهج الإسلامي، تعتبر أسس لإقامة العدل بين الناس، ومنع أكل أموال الناس بالباطل. وحماية مال اليتيم ونظام الميراث في الإسلام له نتائج إيجابية اقتصادياً واجتماعياً؛ بما لم تصل إليه الأنظمة الوضعية. ونتناول فيما يلي موضوعي حماية مال اليتيم والميراث في ضوء القرآن والسنة، ثم نظرة الاقتصاد الوضعي إلى حماية الملكية.

أولاً: الإعجاز الاقتصادي في حماية مال اليتيم في القرآن والسنة:

نهى الإسلام عن أكل أموال الناس بالباطل، وحرمه تحريماً خاصاً في حالة أموال اليتامى.

يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (النساء: 10).

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 34).

ويستنبط من الآيات السابقة ما يلي:

  • يعتبر الاقتراب من أموال اليتامى بغير سبب مشروع ضمن أكل الأموال بالباطل.
  • يعتبر التعدي على مال اليتيم من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل إثماً.

ويقول رسول الله ():

” من ولي يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة“(1).

ويستنبط من هذا الحديث الشريف ما يلي:

  • من أوجه حماية مال اليتيم؛ التصرف في أموال اليتامى بالتثمير والإصلاح والحيطة، والعمل من أجل عدم انخفاض مقدارها أو قيمتها؛ وذلك عن طريق استثمارها والإتجار فيها.
  • إن استثمار أموال اليتامى يؤدي إلى رفع قدرة المجتمع الإنتاجية، ورفع القدرة الإنتاجية في المجتمع يؤدي إلى زيادة الدخول وتحسين مستوى معيشة هذه الفئة، كما يسهم ذلك في زيادة الدخل القومي وتحسين مستوى معيشة المجتمع ككل.

ثانياً: الإعجاز الاقتصادي في نظام الميراث في القرآن والسنة:

من المبادئ التي قررها الإسلام، إن كل الحقوق؛ ومنها حق الملكية لا تثبت إلا بإثبات الشارع لها. ويضع الإسلام شروط التملك؛ أي كيفية الانتفاع بالشيء المملوك؛ الذي يكون بسلطان من الشارع؛ لأنه هو الذي أعطى الإنسان الملك بترتيبه على السبب الشرعي. ومن وسائل الملكية المعترف بها في الإسلام؛ إلى جانب العمل بأجر للآخرين، والصيد، وإحياء الأرض، واستخراج ما في باطن الأرض من المعادن، والزكاة، نجد الميراث(2).

والميراث في الشرع هو ما يملكه الميتمن أشياء مادية ومنافع، وتوزع على الورثة حسب الشرع، ويطلق بعض الفقهاء على الميراث اسم الفرائض؛ لأنه نصيب مقدر شرعاً، وهو نصيب ثبت بدليل مقطوع فيه.

يقول الله عز وجل:

﴿ِللرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (النساء: 7).

ويستنبط من الآية الكريمة السابقة ما يلي:

  • إن اصطلاح فرض عند الفقهاء المسلمين في مجال الميراث هو نصيب محدد مقدر شرعاً للوارثين (ذكوراً وإناثاً).
  • إن الميراث ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الفقهاء، وتضمنت الشريعة الإسلامية القواعد والأحكام التي تضبط توزيعه.(3)

وفي الآية الأولى من سورة النساء؛ يقول الله تبارك وتعالى:

– ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1).

وعن الإعجاز في مجيئ آيات الميراث في سورة النساء؛ فقد تناولت بعض الدراسات موضوع أسماء السور، ودلالاتها، وملائماتها. وقد مثل الميراث؛ كما جاء في القرآن الكريم ثورة كاملة ضد التقاليد التي كانت سائدة في العالم في وقتها، وخاصة التقاليد التي كانت سائدة في العالم العربي. ومن أهم عناصر الميراث التي لم تكن موجودة، ومثلت ثورة ضد التقاليد جعل المرأة وارثة، وليست ضمن الأشياء التي تورث، أو على الأقل منعها من الميراث. كما أن السورة؛ والتي تحمل اسم “النساء” جاءت بها آيات الميراث؛ لتحمل وجه إعجاز، يتمثل في العديد من العناصر.

وهذه الآية لها ارتباط بآيات المواريث؛ التي سوف تجيء في السورة؛ لأن هذه الآية تربي المسلم، وتشكل عقله وقلبه؛ على أن يتلقى آيات أحكام المواريث؛ فالناس جميعاً من أصل واحد، وأن النوع الإنساني واحد، والمسلم بهذه التربية يتلقى أحكام الميراث التي بموجبها تنتقل ثروته إلى أسرته الخاصة. وقد يقال إن الميراث يربي الشخص على الأنانية والانغلاق على أسرته الضيقة؛ التي يعمل على نقل ثروته إليها.

ويجيء القرآن الكريم بالآية لينفض هذا الزعم، ويؤكد على الترابط بين التربية على وحدة النوع الإنساني والميراث. وبالتالي فإن المسلم الذي يلتزم بنقل ثروته إلى أسرته الضيقة يكون مبرئاً من الأنانية؛ لأنه يؤمن بأن الناس جميعاً من أصل واحد، ويؤمن بوحدة النوع الإنساني(4)

يقول الله عز وجل:

﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(النساء: 11).

﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ(النساء: 12).

﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(النساء: 176).

         ويستنبط من الآيات السابقة؛ والتي تمثل أوجه إعجاز في القرآن الكريم؛ ما يلي:

– أن ثلاثة آيات فقط في القرآن الكريم؛ تمثل فقه المواريث كاملاً. وجاءت في تلك الآيات المنظومة الشاملة لكل العناصر المرتبطة بموضوع الميراث.

– تتضمن هذه المنظومة العناصر المادية والروحية معاً، وتستوعب ما يتعلق بالدنيا والآخرة، وجاءت الآيات الكريمة بتشريع الميراث على نحو يتشكل من خلال عواطف الإنسان وأحاسيسه ووجدانه؛ بحيث يكون إنساناً سوياً في انفعالاته.

– إن القرآن الكريم وهو يعرض تشريع الميراث؛ أخبر بأمور غيبية سوف تحدث؛ تتمثل في آراء قالها منتقدو الميراث أو الرافضون؛ والذين يمكن أن يرفضوه بعد نزول القرآن الكريم بقرون طويلة، وهذا وجه إعجاز آخر.

وفي السنة النبوية الشريفة نجد بيان بعض أحكام الميراث، والإجابة على استفسارات دقيقة في هذا الشأن.

    ومن هذه الأحاديث؛ قول رسول الله ():

“لا يتوارث أهل ملتين بشيء”(5).

“من فرَ من ميراث وارثه، قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة“(6).

“..إنك إن تذر ورثتك أغنياء خَير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس”(7)

“إن الله قد أعطى كل ذي حَق حَقه، فلا وصية لوارث”(8).

ويستنبط من هذه الأحاديث الشريفة ما يلي:

– أنها تناولت بعض المسائل الدقيقة في الميراث، وهذا إعجاز اقتصادي في أهمية مسائل الميراث ودقتها ونتائجها على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة.

– توجد أحكام شرعية للميراث؛ وضحتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والفقهاء، وهي: اشتراك الكبير والصغير، والذكور والإناث في الميراث، ولا يجوز توزيع المال في حياة الشخص توزيعاً يخالف أحكام المواريث، كما أن التركة لا توزع إلا بعد إعطاء الحقوق التي على المتوفي.

وتوجد الكثير من الأحكام والشروط في الميراث؛ موجودة في كتب الفقه والحديث، ومفصلة في هذا الموضوع.

ثالثاً: نظرة الاقتصاد الوضعي إلى الملكية:   

إن الملكية في أي نظام اقتصادي هي أحد العناصر المحددة للنشاط الاقتصادي؛ فعندما لا يتم الاعتراف بالملكية الخاصة، تصبح الملكية احتكاراً للدولة، وتنشأ أسوأ صور انحراف توزيع الثروة. أما في النظام الرأسمالي؛ فإن الملكية هي الأساس في انحراف توزيع الثروة بين الأفراد وبالتالي في الدخل الشخصي.

ونوضح فيما يلي تطور نظرة الاقتصاد الوضعي الرأسمالي إلى الملكية الخاصة، ونظرة الاقتصاد الوضعي إلى الملكية العامة.

1- نظرة الاقتصاد الوضعي إلى الملكية الخاصة:

حدث في الثلث الأخير من القرن العشرين تغيرات مهمة على نظام الملكية الخاصة وعلى دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وهذه التطورات نتيجة تغيرات اقتصادية تكنولوجية. وأدت هذه التطورات إلى مظاهر تراجع في الدور الذي تلعبه الملكية الخاصة، ومن هذه التطورات؛ ما يلي:

  • زيادة أهمية الخدمات في مجموع الناتج القومي؛ فمع النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي يميل نصيب الخدمات في إجمالي الناتج القومي إلى الزيادة على حساب نصيب قطاع السلع.
  • أدى التطور التكنولوجي إلى ظهور الإنتاج الكبير Mass production، وأدى ذلك إلى تطور نظام الملكية في اتجاهين: اتساع نطاق ملكية الدولة، وتجزئة الملكية إلى أجزاء صغيرة في صورة أسهم؛ ولذلك ظهرت الشركات المساهمة.
  • أدت التطورات التكنولوجية أيضاً إلى تجزئة الملكية أو تقسيم حق الانتفاع بسلعة ما بين عدد كبير من الأشخاص.. مثل عقد الإيجار؛ فالإيجار هو توزيع استهلاك سلعة ما بين عدد من المستهلكين لمدد زمنية محددة، وهذه الظاهرة؛ وهي تقسيم حق الانتفاع؛ أصبحت في الوقت الحالي تشمل سلعاً لم يكن من المتاح تأجيرها؛ وكانت تباع وتشترى فقط. فمثلاً انتشر نظام تأجير السيارات، واستئجار صور لتعليقها على الحائط، أو قطع أثاث، أو الملابس… والمتوقع المزيد من الانتشار لهذا النظام؛ لأنه يتسم بالكفاءة الاقتصادية من وجهة نظر المستهلك والبائع على السواء. بالإضافة إلى أن هذا النظام يعفي المستهلك من القلق والجهد والأعباء المقترنة بحماية وحفظ الملكية، كما يفيد المستهلك مما يحدث من تقدم تكنولوجي في إنتاج السلعة، ولم يكن هذا متاحاً بنفس السهولة في ظل نظام الملكية.

د. حدث تطور آخر يؤدي إلى المزيد من ضمور نظام الملكية الخاصة مقابل زيادة الخدمات، وهو ظهور سلع جديدة زهيدة القيمة نسبياً وتكاد تنحصر مهمتها في تمكين صاحبها من الحصول على خدمات لا تولدها السلع بنفسها، ولكن هي وسيلة فقط للحصول على هذه الخدمات، مثل أجهزة المحمول، والتليفزيون؛ الذي يسمح لمالكه باستقبال برامج معينة مقابل مبلغ معين لكل برنامج، ويعتبر ثمن الجهاز زهيداً بالمقارنة بثمن استقبال هذه البرامج. وغيرها من الأمثلة.

والخلاصة أن اعتبار الملكية الخاصة من طبيعة الأشياء؛ كما كان يعتقد الرواد الأوائل لعلم الاقتصاد، وأن الخروج عليه يعتبر تمرد على نظام الكون، أصبحت في طريقها إلى الزوال. وأن حماية الملكية الخاصة كانت مهمة شاقة؛ فلما تغيرت الظروف لم تتغير النظرة إلى أهمية حماية الملكية الخاصة، أو من حرمة التعدي عليها، ولكن الذي تغير هو انزواء وتضاءل المجال الذي تمارس فيه الملكية الخاصة.(9)

2- نظرة الاقتصاد الوضعي إلى الملكية العامة: 

بسبب غياب القيم الإيمانية؛ زادت عمليات نهب الملكية العامة أو المال العام بواسطة السرقة والاختلاس والغلول وخيانة الأمانة والاتلاف العمد والتقصير والإهمال والتعدي والتهرب من أداء حقوق المجتمع المشروعة في المال الخاص، كما زادت هدايا العمال والتربح من الوظيفة وإهدار الوقت واستغلال النفوذ والوظائف لتحقيق مكاسب مادية وسياسية ومعنوية بغير حق.(10)

ويحتاج العالم إلى اصلاح نقدي ومالي؛ حيث يعتمد النظام الرأسمالي على السياسات المالية والضريبية لعلاج مشكلات الفقر والانحراف في توزيع الثروات، ولم يحقق النجاح في ذلك، وأصبحت مشكلة التهرب الضريبي –على سبيل المثال- مشكلة رئيسة لأن هذا النظام يقوم على أسس مادية بحتة.(11)

والجدير بالذكر أن النظريات الحديثة تحاول إطلاق مسميات على الملكية؛ لكي تضمن عدم انحراف توزيع الثروة، مثل “الملكية وظيفة اجتماعية”. أما الشريعة الإسلامية ليست بحاجة إلى ذلك؛ لأن الملكية في الأساس ملكية استخلاف.

إن الله تعالى وضع قيوداً؛ لضمان أن يحقق الفرد مصالحه الدنيوية والأخروية في آن واحد؛ فالملكية في الإسلام حق مقيد؛ حيث يقوم المالك المستخلف بأداء وظائف شخصية واجتماعية حددتها الشريعة الغراء(12).

ومع ذلك؛ فإن الفرد عندما لا يحسن التصرف والانتقاع بالمال؛ كان للجماعة استرداد حق التصرف في هذا المال، يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (النساء: 5).


1- رواه الترمذي.

2- أنظر: عبد السميع المصري: عدالة توزيع الثروة في الإسلام ( القاهرة: مكتبة وهبة، 1406هـ = 1986م)، ص 135، 137.

3- أنظر: حسين حسين شحاتة: الهبة والوصية والميراث في ضوء الشريعة الإسلامية (القاهرة: الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع، 1436هـ = 2015م)، ص 34- 56.

4- أنظر: رفعت سيد العوضي: إعجاز القرآن الكريم في الميراث، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة (دبي: مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 275 – صفر 1425هـ = ابريل 2004م).

5- أخرجه أحمد 2/178، وأبو داود 3/328.

6- رواه ابن ماجه.

7- متفق عليه.

8- رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

9- أنظر: جلال أمين: فلسفة علم الاقتصاد: بحث في تحيزات الاقتصاديين وفي الأسس غير العلمية لعلم الاقتصاد (القاهرة: دار الشروق، ط 5، 2019م)، ص 97 – 105.

10- أنظر: حسين حسين شحاتة: حرمة المال العام في ضوء الشريعة الإسلامية (القاهرة: دار النشر للجامعات، 1420هـ = 1999م)، ص 53، 54.

11- من الدراسات التي تناولت موضوع حاجة العالم إلى إصلاح مالي ونقدي:

Allais M., The Monetary Conditions of An Economy of Markets: From the Teachings of the Past to the Reforms of Tomorrow (Islamic Development Bank, February 3, 1992) p. 26

12- أنظر: عبد السميع المصري، مرجع سابق، ص 134.