ناقش الأستاذ الأمريكي جبريل سعيد رينولدز وهو أحد الرواد البارزين في دراسة السياق التاريخي للنص القرآني وعلاقاته بالكتب السابقة عليه، قصةَ الابن الضال لنوح عليه السلام، وكيفية تعامل القرآن الكريم معها، ومقارنة ذلك بالكتب المقدسة الأخرى، وسبب تلقي القرآن لهذه القصة مع غيابها في الكتب السابقة.

وقد انطلق رينولدز في معالجة هذا الموضوع من خلال محورين :

المحور الأول: دراسة التعامل القرآني مع قصة ابن نبي الله نوح، وكيفية بناء القرآن لها، حيث يضعها في سياق المقارنة مع القصص القرآني الآخر مثل قصة إبراهيم وأبيه، لتصبح وفقا له جزءا من رسم القرآن للعلاقة المثلى بين المؤمنين والكافرين، مشيرا إلى أحد مساحات عرض هذه العلاقة داخل الأسرة الواحدة.

المحور الثاني: بين رينولدز تنسيب صلة القصة القرآنية بالتوراة ويتبين مصدرها في أسفارها سواء القانونية او غير القانونية، وسواء في النص المباشر أو غير المباشر، وسواء في النصوص الأصلية أو في التقاليد الشارحة.

وأما مصطفى الفقي القائم بترجمة هذه المقالة فإنه قد أوضح هدفه في اختيار هذه الورقة بالترجمة، وذلك أنه “عرض أحد الاشتغالات المعاصرة حول هذه العلاقة بين القرآن والكتب السابقة؛ لبيان نوعية التطور المنهجي للدرس الاستشراقي في تعامله مع مثل هذه المساحات، والموقع الذي تحتله  الفرضيات الأكثر كلاسيكية في بنائه”.

وأما الجانب الأول من الدراسة فقد تناول رينولدز وضع قصة الابن الكافر لنوح ضمن سياقاتها الأوسع في القرآن، حيث عقد المقاربة بين توصيف القرآن الكريم لحالة ابن نوح وما يشبهها من حالات نوح مع قومه حين اتهم بالجنون والسفه، وحالات إبراهيم وأبيه الكافر، وحالة موسى مع فرعون. فكان الجامع بين هذه الحالات علاقة المؤمنين مع الكافرين في داخل أسرة واحدة.

واعترض من خلال هذه القراءة على ديفيد مارشال في كتابه (الله، ومحمد، وغير المؤمنين) الذي صور قصة ابن نوح الكافر في سياق حجاجه الأوسع بأن “رحمة الله في القرآن لا تتسع لتشمل غير المؤمنين”. لهذا اقترح رينولدز أن القرآن يهتم بشكل عام بتوظيف قصص الأنبياء من أجل تعليم المؤمنين مبادئ الدين وتعزيز الإيمان بالله وتقديمه على العلاقات الأسرية.

أما النقطة الثانية من هذه المقالة فقد عالجها رينولدز من خلال السؤال الذي طرحه: هل ثمة علاقة بين تلك القصة وبين التقاليد ما قبل القرآنية المتعلقة بنوح؟ افترض الباحث أن يكون القرآن قد اختص بهذه الرواية وحده. لكن رفض أن يكون سبب التناول القرآني لهذه القصة وغيابها في الأدبيات القديمة لتناسب السياق الخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

ثم أثبت الباحث في ختام المقالة أن التباين في شخصيات القرآن عن الكتاب المقدس يكاد يكون نادرا، ولا يتضمن الاقتباس القرآني للشخصيات التوراتية تغييرات جذرية. بل رجح أن اختيار القرآن الكريم ذكر قصة الابن الكافر لنوح كان تبعا لاهتماماته اللاهوتية والجدلية وليس القصد منه التناول السلبي لهذه الكتب السابقة.

ويظهر لي أن الكاتب الأستاذ جبريل سعيد رينولدز حقق الهدف الذي أراد بيانه في هذه المقالة وهو أن القرآن الكريم في تعامله مع قصص الأنبياء في تقاليد الكتاب المقدس تعكس تفاعلا ديناميكيا يسعى من خلاله إلى تطوير هذا التقليد السابق وتحويله إلى رواية تستهدف تعزيز إحدى المبادئ العقائدية في الإسلام.