يعتبر الفلسطينيون أن أداء صلاة “قيام الليل”، المعروفة باسم “التراويح”، في باحات المسجد الأقصى، بمدينة القدس، مهمة تستحق العناء المبذول في سبيلها. لكن تحقيق هذه “المهمة”، ليس بالأمر السهل، حيث تضع إسرائيل الكثير من القيود أمامهم. فإسرائيل تمنع الغالبية العظمى من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، من زيارة مدينة القدس.

وتسمح إسرائيل لسكان الضفة بالصلاة في المسجد الأقصى يوم الجمعة فقط، كما تمنح بضع مئات من كبار السن، من سكان قطاع غزة، تصاريح أسبوعية للصلاة في المسجد.

ووحدهم، سكان مدينة القدس، والعرب المقيمين داخل إسرائيل، يتمكنون من أداء كافة الصلوات، بما فيها “التراويح”، في المسجد الأقصى.

ويحاول الكثير من سكان الضفة الغربية، تحدي القرارات الإسرائيلية، باذلين قصارى جهدهم، لتجاوز الحواجز الأمنية، والوصول للمسجد، لأداء صلاة التراويح فيه.

وما أن تغرب الشمس، وبعد أن يتناول الفلسطينيون طعام الإفطار، حتى يبدأ، من يستطيع منهم، في الزحف إلى المسجد الأقصى، زرافات ووحدانا.

ولعل صلاة التراويح، في المسجد الأقصى، هي وحدها القادرة على جمع كافة فئات وشرائح الشعب الفلسطيني، حيث يصطف في الصلاة، المقدسيون، وبعض سكان الضفة، مع الفلسطينيين المقيمين داخل إسرائيل، الذين زحفوا من كافة مدنهم ومناطقهم العربية، لأداء الصلاة.

وبحسب تقديرات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، فيعيش مليون و400 ألف فلسطيني عربي في إسرائيل ويشكلون 20% من عدد سكان البلاد البالغة 8 ملايين و600 ألف نسمة.

ونظرا للأعداد الكبيرة، يتناثر المصلون داخل المسجد، فبعضهم يتمكن من الصلاة داخل المصلى المسقوف، ومسجد قبة الصخرة، في حين يؤدي البعض الآخر الصلاة في ساحاته وأسطحه وتحت قبابه.

كما تحرص النساء على أداء صلاة التراويح، حيث يشكلن جزءا أساسيا من المصلين.

وتقول “ندى مرشد”، من قرية كابول قضاء عكا (شمال)، إنها تواظب على صلاة التراويح يوميا، في المسجد الأقصى، رغم بعد المسافة، لأنها تعتبرها “جزءا مهما من الشهر الفضيل”.

وتوضح أنها تقطع يوميا المسافة بين القدس وعكا، بواسطة السيارة، والتي تقدر بنحو 130 كيلومترا، وتحتاج لنحو ساعتين ونصف من الوقت.

وتقول مرشد لوكالة الأناضول:” الأجواء الرمضانية في المسجد الأقصى مختلفة عن غيرها من الاماكن، حيث تتميز هنا بالرهبة والخشوع والروحانية، بالإضافة للمة الأصدقاء والعائلة”.

ولا تتمكن “عطاء محمد”، من سكان مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، من أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى، سوى يوم “الجمعة”، نظرا للتضييقات الإسرائيلية.

وتقول:” هذه الأعداد الغفيرة تتوافد للصلاة لإثبات الوجود العربي والاسلامي على الرغم من المعيقات التي يضعها الاحتلال”.

وتضيف:” نصل إلى هنا، على الرغم من حواجز الاحتلال الصعبة، ونعتبر أن قدرتنا على الوصول إلى القدس هي نعمة من الله”.

وأردفت:” لا تسعفني الأحرف لأصف مشاعري، فأنا أنتظر رمضان كي يُسمح لي الصلاة فيه (المسجد الأقصى)، وفي كل مرة أزوره يأخذ من قلبي حُجرة، ألا ليت الذي يحول بيني وبينه يفنى”.

أما سكان مدينة القدس، فيعتبرون أن صلاة التراويح في المسجد الأقصى، في شهر رمضان، بمثابة “واجب وطني ديني عليهم”، حيث يتدفقون إليه كل ليلة.

ويقول المقدسي “محمد شكري”:” حضورنا واجب قبل أن يكون رغبة، الروحانيات هنا مقدسية بحتة علينا أن نحييها”.

وبيّن أن سكان القدس، يرحبون بضيوف المدينة، الذي يقدمون من كل حدب وصوب، لأداء الصلاة.

وقال:” نرحب بضيوفنا ونساعدهم، حيث ينتشر شباب القدس خاصة أهل البلدة القديمة من أجل تقديم العون لهم ومساعدتهم في معرفة الطريق والمحلات المجاورة، بل وتخفيف حر النهار عليهم برشقهم بقطرات الماء الباردة”.

ومن جانبها، تعبّر المقدسية “نهلة صيام”، عن سعادتها الكبير لتمكنها هذا العام من أداء صلاة التراويح.

وتقول موضحة لوكالة الأناضول:” العام الماضي، منعتني الشرطة الإسرائيلية من دخول المسجد، حيث صدر أمر بإبعادي عنه لمدة 3 شهور، وتصادف ذلك مع حلول شهر رمضان“.

وتضيف:” رغم التضييقات المستمرة فإحساسي بالسعادة والشوق كبيران فقد عدت لأعيش الأجواء الرمضانية واستشعر روحانيات وجمال الشهر الفضيل داخل المسجد الأقصى بعد أن حرمت منها العام الماضي”.

ويتولى حراس المسجد الأقصى، وفرق النظام من المتطوعين، وفرق الكشافة، مهمة الحفاظ على النظام وتوجيه المصلين وتسوية صفوفهم.

وتقوم دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس (تتبع للحكومة الأردنية)، بترتيب الأمور اللوجستية قبل رمضان، باجتماع مع الحراس والموظفين واللجان الطبية والكشافة ولجان النظام، حسب مسؤول العلاقات العامة في الدائرة، فراس الدبس.

ويضيف الدبس لوكالة الأناضول:” صلاة التراويح ككل عام، يؤمها أعداد كبيرة من المصلين، ويتضمن عمل الحراس ولجان النظام تسهيل دخول المصلين وتنقلهم وخدمتهم، والتصدي لمحاولات الاحتلال المستمرة في التنغيص عليهم”.

ويشير إلى أن الاقتحامات المستمرة من قبل المستوطنين اليهود للمسجد، لم تتوقف في هذا الشهر، حيث تتجاوز الأعداد المقتحمة في ساعات الصباح 90 مستوطنا.

وختم الدبس حديثه بدعوته للفلسطينيين بالحرص على أداء الصلوات في المسجد الأقصى، من أجل “تعزيز مكانته والدفاع عنه في ظل الهجمات الشرسة المستمرة التي يتعرض لها”.

ويقول الفلسطينيون، إن إسرائيل تريد السيطرة على المسجد الأقصى، وتقسيمه زمانيا ومكانيا، بين المسلمين واليهود.

ويعاني سكان مدينة القدس، من مشاكل عدة، تبدأ بظروف الحياة القاسية، ولا تنتهي بالإشكاليات التي يتسبب بها المستوطنون اليهود والشرطة الإسرائيلية.

ويقول السكان إن البلدية الإسرائيلية في المدينة، تمارس سياسة عنصرية تجاههم، حيث يعانون من مشاكل البنية التحتية من كهرباء وماء وصرف صحي، ناهيك عن إهمال متعمد للمرافق الخدماتية المختلفة.

كما تواجه القدس، أخطر مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، فمنذ احتلال المدينة عام 1967، عانت من قيود مشددة على تطورها العمراني، وتمت مصادرة بيوت وأراضٍ فيها.

وترفض البلدية الإسرائيلية في المدينة، غالبا، منح الفلسطينيين رخص للبناء، في حين تتوسع في منح المستوطنين تراخيص لبناء وحدات سكنية.